السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا
طالبةٌ في السنة النهائية مِن الجامعة، تعرفتُ على فتاةٍ في العام الأول
وكانتْ مِن جماعة ( الإيمو )، أو بمعنى آخر: تأخذ نفسَ الشكل والطباع
والأَوْصاف!لم
أكنْ أعرفها جيدًا، لكنَّها شعرتْ بالراحة تجاهي أكثر مِن كل مَنْ حولها،
وحدَّثتْنِي عن نفسها، بالرغم مِن أنها فتاة كتومٌ، وسريعة الغضب!كانتْ
شخصيتُها تجعل كلَّ مَن رآها يخاف أو يشمئزُّ منها؛ فهي تلبس دائمًا
الأسود، وتغطِّي رأسها إما بـ( القبَّعات )، أو بغطاء الرأس، وأحيانًا تكون
بشعرها الأسود الغريب، والقصير جدًّا جدًّا، والذي قد يكون أطول قليلًا
مِن شعر الأولاد!بدأتْ
تُحدِّثني عن نفسها، وأصبحنا أصدقاء؛ لأنها وجدتني أنصحها وأقف بجانبها في
أصعب المواقف، (وما أقوله الآن هو قولها مِن لسانها)، أصبحنا أصدقاء، على
الرغم مِن اختلافِنا في كثيرٍ مِن الأمور؛ فأنا أحبُّ المساعدة والخير، وهي
تكره الناس!فاجأتني
في مرة بارتدائها الحجاب، ثم خلعتْه، وعادتْ للَّون الأسود مرة أخرى،
وكانتْ معظم مشكلاتي معها بسبب الحجاب، فهي لا ترى فرقًا بين الحجاب
والقبَّعة، ثم عادتْ لعادتِها القديمة؛ كجرْحِ نفسها، وقصِّ شعرها!بدأتْ
تبتعد عني كل يوم أكثر وأكثر، حتى أصبحتُ لا أثق فيها كما كنتُ مِن قبلُ،
أصبحتُ أنا أيضًا لا أهتم بها، وتركتُها تفعل ما تشاء، لكنني مِن داخلي
حزينةٌ؛ إذ لم أعدْ أراها كالسابق، كثيرًا ما نتشاجَر على أقل الأشياء، حتى
تعبتْ نفسيتي، ونقص وزني، وأصبحتُ كالهيكل العظمي، وكان هذا ما يزعجني!قررتُ
الانفصالَ نهائيًّا عنها، وكتبتُ كل ما بي في رسالةٍ وأرسلتُها لها،
وبالطبع غضبتْ جدًّا مني، وأصبحتْ تقول لي كلامًا سيئًا جدًّا؛ لأنَّ
الرسالة كانتْ قاسيةً بالفعل، ولم تكنْ وداعًا عاديًّا!ساءتْ حالتُها، وتغيَّر سلوكُها تمامًا، وأصبحتْ (إيمو) حقيقةً، وكل زميلاتي يسألْنَ: لم افترقتُما؟ فلم أُجِبْ أحدًا عن الأسئلة!فهل أخطأتُ
عندما تركتُها؟ هل كان يجب عليَّ ألا أبتعد عنها؟ لا أعرف ماذا أفعل؟
بالرغم مِن مرور 3 سنوات، فإنني لم أنسها، وأتألَّم مِن أجلها، أريد أن
أعرف هل أنا على صوابٍ أو لا؟ الجواببسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان
أيتها العزيزة، مع أنك فارقتِها
منذ ثلاث سنين، إلا أنك تكتبين بألمٍ شديدٍ كأنك فارقتِها بالأمسِ! وهذا
يدلُّ على حبِّك الشديد لفتاة (الإيمو) التي اتخذتِها صديقةً! ولا تقوم
الصداقة والمحبة بين اثنين إلا وبينهما مُشاكَلَةٌ في الطِّباع! ﴿
كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [الإسراء: 84]، وإن تَبَايَنَا في الدين أو السيرة، وقد قال رسولُ الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مع مَن أحببتَ))؛ متفقٌ عليه، ومما يؤكِّد
هذا المعنى ما أخرجه الطبرانيُّ في "المُعْجَم الأوسط"، وفي "
المُعْجَم الصغير"،
وصحَّحه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"، عن عليٍّ - رضي الله عنه -
قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثَلَاثٌ هُنَّ حَقٌّ: لَا
يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ
لَهُ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهَ عَبْدٌ فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ، وَلَا
يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ))، "فإذا كان يوم المعاد
ولى الحكم العدل - سبحانه - كل محبٍّ ما كان يحبه في الدنيا فكان معه؛ إما
منعمًا أو معذبًا"؛ [غاثة اللهفان - ابن قيم الجوزية] فهل يسرُّك أن تحشرَ
هذه الصديقة معك يوم القيامة؟! أهي مِن صِنْف الأصحاب الذين لا يندم على
صُحبتهم يوم الحسرة والندامة فلا تقولين مع القائلين: ﴿
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 28]؟
إن أردتِ معرفة الأجوبة عن كلِّ
أسئلتك، فضعي تلك الصداقة التي جمعتكما في هذا الميزان الأخروي، وبعد ذلك
ضَعِي أخلاق هذه الصديقة وسيرتها في الميزان النبوي المتفق على صحتِه:
((إنما مثَل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المِسْكِ ونافِخِ الكير،
فحاملُ المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاعَ منه، وإما أن تجدَ منه رِيحًا
طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرقَ ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثةً))،
راجية أن تنظري في مقالة: "
شبابنا والإيمو"، لمزيد فائدة واستبصار، وعسى الله أن يصلحَ بالك، وينوِّر عين بصيرتك، ويسعد قلبك الطيب في الدنيا والآخرة، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وله الحمدُ والنعمةُ، وبه التوفيقُ والعِصْمَة