السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا فتاةٌ متزوِّجة منذ سنتين, وكنتُ فتاةً متميزة جدًّا في حياتي، وطموحًا إلى حدٍّ بعيدٍ، وأُمارس هواية الرسم.بعد أن تزوَّجتُ بدأتْ حياتي تنهار، ومنذ شهرين تقريبًا وحتى الآن حاولتُ الانتحار أربع مرات!أشْعُر
بالضياع التام، لم يَعُدْ لديَّ حدود في الدين، ولا أي مبدأ, أُعاني مِن
مشاكل نفسيةٍ كثيرة، أرجوكم أنا بحاجة ماسَّة إلى المساعدة. الجواببسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيتها العزيزةُ، إنَّ أعلى طموحٍ للمؤمن أن يُثِيبه الله - سبحانه وتعالى - جنانًا مِن
الفردوسِ فيها يخلد، وحتى يصل إلى هذا الطُّمُوح الأُخْرَوي يتسلَّى المؤمن
في حياته الدنيا بمطامحَ واسعةٍ لا سقف لها غير نجوم السماء؛ لأنَّ ما
فوقها هو طُمُوحه الأخروي؛ الفردوس الأعلى مِن الجنة! وهو مُستوى عالٍ لا
يفهمه إلا الطَّمُوح! وهو ما عبَّر عنه أشهر الطموحين في التاريخ؛
المتنبِّي بقوله:
إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومٍ فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ
|
فإذا انخفض سقفُ الطُّموح الدُّنْيوي إلى مستوى "
الزواج"، أو مجرد الحصول على "
وظيفة وراتب"، أو "
شهادة الماجستير أو الدكتوراه"؛
انخفضت الروحُ المعنويةُ، وتقلَّص جمال الحياة الدنيا! لأن هذه المطامح
مهما عسرتْ فهي قابلة لأن تبلغ تمامها خلال العمر - بمشيئة الله وتوفيقه -
وأحيانًا خلال وقت قصير جدًّا، ومتى بلغ المرء غايةَ طموحِه لم يجدْ شيئًا
يقطع به الوقت إلَّا أن يكونَ له طموحٌ آخر يسعى لبلوغه، أو يصيبه الهم
والغم والاكتئاب؛ كما هو الحال لديكِ!
فالذي يظهر لي مِن سطوركِ أنكِ
خفضتِ سقف الطُّموح إلى مستوى الزواج، وبمجرد أن تزوَّجتِ لم يَعُدْ لديكِ
ما تطمحين إليه في حياتكِ سوى الشفاء من الاكتئابِ النفسيِّ، الذي يبدو
أنَّ لزوجكِ أو حياتكِ الزوجية دورًا رئيسًا في اعتلالكِ به، وكم يُحزِنُني
أن ينقلبَ الزواجُ عن حكمته، ويصير السكن الذي كتبه الله على أن يكون
مكانًا للمودة، والرحمة، والصحة النفسية؛ معتقلاً للتعذيب الجسدي، وبيئةً
مصدِّرة للأمراض العقلية والنفسية!
محاولتكِ قتْل نفسكِ أربع
مرَّات علامةٌ على حدَّة الاكتئاب النفسي؛ لذلك أرجو منكِ أن ترفقي بنفسكِ،
وتعجلي بزيارةِ طبيبةٍ نفسيةٍ؛ فالعلاجُ الدوائي مهمٌّ جدًّا، ولا غنية
عنه لعلاج الدرجات الحادَّة مِن الاكتئاب، بالإضافة إلى تقوية إيمانكِ
بالله، وعَلاقتكِ بربك - عز وجل - فهو الله الشافي، وهو الذي يقدِّر الخير،
ويصرف الشر، ويسهل الأمر، ويوفِّق لما يحب ويرضى، وما تحب النفس وتشتهي،
متمنِّية عليكِ أن تتحاملي على نفسكِ، وتقرئي "
باب الاكتئاب" مِن قسم "
الاستشارات النفسية"
على شبكة الألوكة هنا:http://www.alukah.net/Fatawa_Counsels/11002/ فلقد ضمَّن مستشارو "
الألوكة" نصائح جليلة الفائدة لعلاج الاكتئاب، آمل أن تنتفعي بها.
بقي أن أُؤكِّد آخرًا على أنَّ
الزواج لا يعوقُ أحدًا عن مُمارسة هواياته، ولا يقف أمام الطموح العالي،
متى ما أحسن الأزواجُ تنظيم أوقاتهم، وإعمال عُقولهم للاستفادة مِن كلِّ
النِّعَم المُتاحَة بين أيديهم بما فيها نعمة الإنترنت، ومَن لديه متَّسع
من الوقت للتخطيط للانتحار؛ فهذا يعني أنَّ لديه متَّسعًا من الوقت لممارسة
هواية الرسم! فكوني مؤمنةً وإيجابية، واقضي وقتَ فراغكِ في الرسم والتفريغ
الانفعالي؛ عِوَضًا عن التفكير الانتحاري! ومتى وجدتِ نفسكِ قادرةً على
كتابة مشكلتكِ الزوجية، فلا تتردَّدي في الكتابة، ولك مطلقُ الحرية لاختيار
المستشار الذي تميلين إلى أسلوبه الاستشاري، ولا بأسَ عليكِ، طهور إن شاء
الله تعالى.
والله
- سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على
سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين