السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا فتاة ذات شخصية خجول جدًّا، صامتة جدًّا، متناقضة في بعض الأحيان، ويقولون عني: باردة! مشكلتي قديمة منذ زمن الطفولة، ولم أجدْ أحدًا يُساعدني، وأتمنى من الله أن أجدَ المساعدة والطريق الصحيح. منذ
صغري وأنا دائمًا أحسُّ بالوحدة، بالرغم مِن أني أعيش مع أسرتي، ولكنى
كنتُ وحدي دائمًا، وليس لي أصحاب، ولم أكن أحب أن أخرجَ، أو أقابل أحدًا،
وبقيتُ معقَّدةً، ولم أكن أتكلَّم مع أحد قط، حتى أمي وأبي وأخواتي، حتى
كبرتُ قليلًا، وبدأتُ أنظر للدنيا بمفهومٍ آخر، لكن ليس لديَّ أصحاب، وكنتُ
أخاف من الناس جدًّا، وكنتُ أظن أنَّ أهلي يكرهونني، ولا أحد يحبني، وأني
غير مرغوب فيَّ! كنتُ
أحاول أن أعقِّد نفسي بنفسي، إلى أنْ وصلتُ لأهم مرحلة في حياتي وهي مرحلة
المراهقة، التي فيها نكبر ونحب، في هذه المرحلة اقتربتُ مِن أختي الكبرى
أكثر، وتحسَّنتْ عَلاقتنا، وبدأتُ أعرف أني كنتُ مخطئةً لما كنتُ أعتقد
أنهم يكرهونني. ارتبطتُ
عاطفيًّا بزميلٍ لي في المدرسة، ولكنه كان حبًّا مِن طرفٍ واحدٍ، وكان
حبًّا في صمتٍ، وكنتُ سعيدةً بحبِّي هذا، ولم أحاولْ أن أقترب منه، ولا
أتكلَّم معه، رغم أننا كنَّا في مكان واحدٍ، وفي الدروس كذلك معًا، لكني
كنتُ مُكتفيةً بحبِّي، وكنت أنتظره على أمل منه، وبعد سنتين من الحب في
صمتٍ مميتٍ اكتشفتُ أنه يحب صديقتي، طبعًا حزنتُ جدًّا، وأحسستُ أني
جُرِحتُ، لكن برغم ذلك لم أتردَّد في أن أساعدَهما على التواصل! كانتْ أجمل مرحلة في حياتي وهي مرحلة الثانوية، وكان لي فيها صديقات، لكننا افترقنا عندما دخلنا الجامعة. وأثناء
دراستي في الجامعة خُطِبت لقريبٍ لي، واقتربنا مِن بعضنا جدًّا، وهذا كان
حبي الحقيقي الذي حلمتُ به طوال عمرى، وكنتُ سعيدة جدًّا، ولكننا انفصلنا
فجأة وبدون مقدِّمات، وإلى الآن لم أعرف كيف حدث هذا؟! أشعر أنني لستُ حيَّة، والشيء الوحيد الذي يجعلني أحيا هو الكتابة؛ لأني عاشقة للكتابة، فأمسك قلمي لأعبِّر عمَّا بداخلي. أفيدوني ماذا أفعل؟ الجوابوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.مِن أرقى وأجملِ أساليبِ التنفيس الانفعالي والتفريغ العاطفي الكتابةُ! يسكبُ الكاتبُ أحرفَه على ورقٍ,
فيسكبُ معها مشاعره المشحونة، وعواطفه المكلومة, ينثر حروفه ممزوجةً
بدموعه فتُخرِج مِن قلبه كمدَه، وتُفرغ منه أحزانه, ولا يشترط أن ينشرَ ما
يسطِّر, ولا يشترط أن يبرع في الوصف، أو يتفنَّن في الكتابة منتقيًا بديع
المعاني، وعالي الألفاظ, فما أجمل أن يتركَ نفسَه على سجيَّتِها تنطق بما
يشعر قلبه، وتخط بآلامِه؛ فتهوِّن عليه مصيبته، وتنفِّث بعض لواعج أحزانه,
فاستمرِّي على ما أنتِ عليه, واستغلِّي موهبة الكتابة, فلعلَّ الله أن
يفتحَ لكِ بها من الخير ما يُنسِيكِ كل ما كان، ويُخلِف لكِ بها من السعادة
ما هو خيرٌ مِن ذلك الزواج الذي لا تعلمين ما كان يحملُ لكِ تحت طياته،
وما يخبئ بين جنَباته, وكم مِن زواج تلألأتْ أنوار السعادة بين أركانه،
وفاح أريجُ الهناء من شرفاته, وهو يخفي التعاسة والهموم والشقاق المستمر
تحت عتباته!
لم توضِّحي شيئًا عن أسباب
الانفصال, ومَن كان البادئ فيكما, والعجيبُ أنكِ لا تعلمين كيف حدث ذلك!
ولم تسبقْه مقدِّمات توحي بقرب الانفصال ودنو الفراق، والطبيعي أن يكون
لديكِ فكرة على الأقل عن ذلك، ولو تَمَّ عن غير إرادة منكِ, فإن لم يكن
لديكِ أدنى خلفية عن مقدِّمات وأسباب الانفصال, فأنتِ بحاجة لمراجعة
سلوكياتكِ وخبرتكِ الاجتماعية!
أيتها الفاضلة, ثَمَّة أحداث تباغتُنا فتصيبنا ببالغ الأحزان وعميق الآلام, ونظن حينها
أننا هالِكُون دونها, وتمرُّ علينا الأيام والليالي - وربما الأسابيع
والأشهر - دونما استبصار أيِّ خيطٍ من خيوط الأمل في انفراج الأزمة، وزوال
الغُمة, ومع مرور الوقت تتجلَّى رحمة الله بنا، وحكمته الباطنة، والتي لم
نكن لنتفطنَ لها أو ندركَها وقت انفجار الأزمة, وقد يستبصرُ البعض تلك
الرحمة ويستشعرها، ويُدرك الحكمة من ذلك الابتلاء، في حين لا يراها البعض,
وفي جميع الأحوال يكون اختيار الله للعبد خيرًا له متى احتسب وتصبر؛ عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمره كله
خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن, إن أصابتْه سرَّاء شكر فكان خيرًا له،
وإن أصابتْه ضرَّاء صبر فكان خيرًا له)).
إحساسكِ بالوحدة والاختناق
والعزلة منذ كنتِ صغيرة نابعٌ من داخلكِ, وقد تبيَّن لكِ قدْر الراحة
والشعور بالأمن حين تقربتِ إلى أختكِ، وفتحتِ قلبكِ لها، ونشأتْ بينكما
صداقة رائعةٌ، أزالت الكثير مِن اللبس الذي يعتري المراهقات في هذه
المرحلة, ولا يختلف عن حال الفتاة كثيرًا في عمركِ بعد الإصابة بصدمة ما
بعد الانفصال، أو قطع علاقة عاطفية؛ لهذا أنصحكِ بالبحث عن قلب أختكِ من
جديد، والتقرب إليها، وفتح قلبكِ على مَن حولكِ مِن صديقات أو قريبات، أو
مَن تشعرين بالقرب النفسيِّ والانجذاب الروحي لهنَّ، ومَن يتَّسِمن بالدين
والخُلُق الحميد؛ فستجدين لديهنَّ من الراحة والنُّصح والتآلُف ما ينشرح
صدرك له، ويسعد قلبكِ به.
تذكَّري أنَّ مثْلَ هذا
الانفصال المفاجئ يحدثُ لكثيرٍ من الفتيات وقت الخطبة؛ حيث تتأرجح المشاعر
بين الفتاة وخاطبها بين شدٍّ وجذبٍ؛ فتقترب تارة من قلبه وتنأى تارة إلى أن
تتَّضِح المشاعر، وتستقر العواطف، وتَبِين الرؤية, وخير انفصال ما يأتي
قبل الزواج؛ حيث لن تدومَ أحزانه أو تطول أيامه, والنسيان مِن أكبر نعم
الله على الإنسان, ولولاه ما جفَّت الأدمع، ولا نامت العيون, فاستعيني الله
على محنتكِ، واستجمعي قواكِ، وأثبتي لنفسكِ أنَّ قوتكِ لم تكن به،
وسعادتكِ لا تتوقف عليه.
يُفضَّل للفتاة بُعيد الانفصال
أن تعملَ على ملءِ وقتها لأقصى حدِّ تستطيعه؛ فالوحدةُ مُهلكةٌ للنفس،
مُحزنة للقلب, وشغل الوقت بما ينفعكِ يبقى في هذا الوقت بمثابة حصن للنفس،
وحماية لها مِن الزلل في مزالق عديدةٍ؛ حيث تتَّسِم هذه الفترة بالضعف
والشعور بالحاجة لمن يحتويكِ ويربت على كتفكِ كنوع مِن التعويض العاطفي
عمَّا فقدتِ, ولتعلمي أن التفاعل مع الأهل والصديقات مِن شأنه أن يُخفِّف
عنكِ الكثير، ويُنسِيك مرارة الغدر متى حدث.
لديكِ قناعات سلبيةٌ قديمة
عليكِ بتغييرها، والعمل على إبدالها بإيجابية, أنتِ إنسانة محبوبة ممَّن
حولكِ, ولديك الكثير مِن القدرات كما الفتيات؛ لديكِ القدرة على العطاء
والتعامُل مع زوج المستقبل رغم النشأة الانطوائيَّة التي أجبرتِ نفسكِ
عليها, ولستِ بحاجة لحبسِ نفسكِ والتقوقُع عليها بما يجعل حياتكِ أكثر كآبة
وأشد حزنًا, فاكتشفي نقاط القوة لديك، واعملي على تنمية كلِّ ما هو طيِّب،
واستثمري طاقتكِ فيما يُدخِل البهجة على حياتكِ, فما قيمةُ أن تعيشي
أسيرةَ حزنكِ على أمرٍ قدَّره عليكِ الرحمنُ الرحيم، وأمضاه لحكمةٍ منه
وسابق علم بما يصلح به دينكِ ودنياكِ؟!
وفقكِ الله وأصلح حالكِ, وربط على قلبكِ الصغير، وملأ حياتكِ بالمسرات وأيامكِ بالطاعات.
والله الموَفِّق, وهو الهادي إلى سواء السبيل