في الصباح استيقظت علي صوت ضجة في البيت غير عادية , ووصلت إلي أذني أصوات
ليست آدمية خالصة , ولا حيوانية خالصة , وقلت : لابد أنني أعاني من حلم
ثقيل , فتأكدت من يقظتي , ودخلت علي زوجتي تحمل إلي أخبارا سارة جدا , وهي
تتلخص في أن إبنة خالتي التي تعيش في أقصي الصعيد , ومعها زوجها وابنها
البالغ سنوات , قد وصلوا من الصعيد , ومعهم الخاروف .........؟
وظننت أن زوجتي تداعبني , أو أن إبنة خالتي , وكنت أعرف أن أولادها يموتون
في السنوات الأولي , قد أطلقت علي طفل لها اسم ( خروف ) لكي يعيش , وهي
عادة معروفة في الصعيد , وقبل أن أتبين المسألة , وبدون استئذان اقتحم
الباب ( خروف ) واندفع في جنون في مطاردة الأولاد , فحطم ما اعترض طريقه ,
ثم اتجه إلي المرآة وفي قفزة عنترية اعتدي علي المرآة بنطحة قوية تداعت
بعدها .
وجدت نفسي أقفز من علي السرير وخشيت زوجتي ثورة الخاروف , وتضائلت فانزويت في
ركن , وقبل أن أجرب رشاقتي في الصراع مع الخروف , دخلت ابنة خالتي وهي في
حالة انزعاج كامل , فقد خيل لها أنني سوف أقتله وصاحت وهي علي يقين من أنني
سأصرعه :حاسب هذا خروف السيد البدوى , ونادته فتقدم إليها وكأنه الطفل
المدلل , فأمسكت به تربت علي رأسه وروت لي أنها قدمت من الصعيد , ومعها هذا
الخروف الذي أنفقت في تربيته ثلاثة أعوام هي عمر ابنها , لأنها نذرت للسيد
البدوي إذا عاش ابنها أن تذبح علي أعتابه خاروفا , وبعد غد موعد النذر .
وخرجت إلي الصالة لأجد زوجها وهو في ابتهاج عظيم , يطلب مني أن أرافقهم إلي
طنطا لكي أري هذا المهرجان العظيم لأنهم نظرا لبعد المسافة اكتفوا بالخروف
, وأصبح علي أن أجامل ابنة خالتي ولابد أن أذهب معهم إلي مهرجان الشرك ,
كنت أسأل نفسي كيف أقنعها بأنها في طريقها إلي الكفر , وقلت أبدأ بزوجها
أولا وتعمدت أن يري في يدي كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب , وما
كاد يقرأ العنوان حتي قفز كأنه أمسك بجمرة من نار , ففي أول حديث اتهمنا
بالوهابية, وحاولت أن أشرح له سر الكراهية التي يشنها البعض علي دعوة
التوحيد , وكيف أنها أحيت شعائر وأصول العبادات وفي ذلك القضاء علي محترفي
الدجل , وسدنة الأضرحة والذين يكدسون الأموال عاما بعد عام من بيع البركات
؟ , راح يتشنج ويدافع عن أهل الله الذين ينامون في قبورهم لكن يتحكمون في
الكون , وأنهم يجتمعون كل جمعة عند قطب من الأقطاب ؟؟؟
فاكتفيت بأن طلبت منه أن ينظر في الأمر هل هؤلاء الموتي من أصحاب الأضرحة
أكرم عند الله أم محمد صلي الله عليه وسلم ؟ , ثم يفكر طويلا ويجيء إلي دون
تعصب ولكنه فقط طلب مني أن أرافقهم في رحلتهم الميمونة إلي طنطا , فقلت له
: إن هذا مستحيل وكان مصمما علي الذهاب هو وزوجته إلي السيد البدوى ,حتي
يعيش إبنهم , فالمعني الوحيد لذلك هو أن الأعمار بيد السيد البدوى , وحملق
في وصاح , لاتكفر يا رجل , فقلت له : أينا يكفر ؟ أنا الذي أطلب منك أن
تتوجه إلي الله , أم أنت الذي تصر علي أن تتوجه إلي السيد البدوى , همست في
أذن الزوج , أنه إذا تفضل بعدم المرور علينا بعد العودة من مهرجان الشرك ,
فإنني أكون شاكرا , وجلست زوجتي تلومني لأنني كنت قاسيا معهم وصحت في زوجتي
: إن الطفل إذا كان سيعيش فذلك لأن الله يريد له أن يعيش وإن كان سيموت
فذلك لأن الله يريد له أن يموت, وعلمت بعد أيام أن قريبتي عادت من طنطا إلي
الصعيد مباشرة دون المرور علينا في القاهرة وأنها غاضبة مني , وفي الإسبوع
الثاني فوجئت بجرس الباب يدق , إنه زوج إبنة خالتي , ماذا حدث هل جاءوا
بنذر جديد , وإذا به يمد يده ليصافحني وابتسم ابتسامة فاترة وهو يطلب كتاب
التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب , قلت في نفسي لابد أن وراء عودته أمرا
فليس من المعقول أن يحدث ذلك بلا أسباب قوية , بدأ يتكلم وكانت الجملة التي
سقطت من فمه ثقيلة كالحجر الذي يهبط من قمة جبل لقد مات ابني عقب عودتنا
وبدلا من الذهاب للأطباء ليعالج مع زوجته بعد التحليلات اللازمة , فقد يكون
مبعث ذلك مرض في دم الأب أو الأم , اقتنع بأن ينذر مع زوجته مرة أخري للشيخ
هذا , ومرة للضريح هذا , وأخري لمغارة في جبل بني سويف لقد عاد من طنطا مع
زوجته إلي بلدهما وحملا معهما بعض أجزاء من الخروف الذي كان قد ذبح علي
أعتاب قبر السيد البدوى , فقد كانت تعاليم الجهالة تقضي بأن يعودا ببعضه
التماسا لتوزيع البركة علي بقية المحبين , وأيضا لكي يأكلوا من هذه الأجزاء
التي لم تتوفر لها إجراءات الحفظ الصالح ففسدت , وأصابت كل من أكل منها
بنزلة معوية , وقد تصدي لها الكبار أما الطفل فمرض وانتظرت الأم بجهلها أن
يتدخل السيد البدوى لكن حالة الطفل ساءت وفي آخر الأمر ذهبت به للطبيب الذي
أذهله أن تترك الأم ابنها يتعذب طوال هذه الأيام وكتب العلاج , لكن الطفل
اشتد عليه المرض ولم يقو جسمه علي المقاومة فمات , وكانت الصدمة علي الأم
أكبرمن أن تتحملها , أصابتها لوثة أما الأب فقد انطوي يفكر في جدية بعد أن
جعلته الصدمة يصر علي أن الأمر كله لله لاشريك له , وأن ذهابه عاما بعد عام
إلي الأضرحة والقبور لم يزده إلا خسارة , , فقلت له : لعل الله قد شفي الأم
من لوثتها ؟ فأجاب وهو مطأطئ الرأس بأن أهلها يصرون علي الطواف علي بعض
الأضرحة والكنائس ويرفضون عرضها علي أي طبيب , أخذ يقرأ نواقض الإسلام
ومنها الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر ( مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ) – هذا
الحكم لاينطبق علي الجاهل بل لمن يعلم أن هذا من الكفر – ثم أخذ الكتاب
وانصرف , وفي الصباح استيقظت علي جرس التليفون ورفعت السماعة لأجد أن
المتكلم هو زوج خالتي يعلمني أنهم سوف يصلون غدا , وفي الغد رأيت ابنة
خالتي التي أصابتها اللوثة بعد وفاة طفلها في حالة يرثي لها لا تستطيع أن
تفرق بين النوم واليقظة , وانتقلت من دنيا الناس إلي دنيا الوهم والكآبة ,
وقال لي الأب وهو حزين إنه يريد مني أن أتصل بابني وهو طبيب أمراض عصبية
ونفسية , كانت الأم تبكي وهي نادمة تعترف بآثامها أنها بإصرارها علي علاج
ابنتها عند المشايخ وبالجري والطواف حول الأضرحة وضياع الوقت جعلت المرض
يستفحل , ويهدم كل قدرة لابنتها علي مقاومته . , واعترفت أنها أخطأت في حق
زوج ابنتها واستفزته باصرارها علي الخطأ ولكن عذرها أنها كانت ضحية لجهلها,
ولعشرات السيدات اللاتي كن يؤكدن لها أن تجاربهن مع المشايخ والأضرحة
والدجالين تجارب صحيحة وامثل يقول إسأل مجرب ولا تسأل طبيب , واستطعنا بفضل
الله أن نجد لها مكانا في المستشفي , وبعد مضي إسبوع واحد علي العلاج تحسنت
السيدة , فقد عولجت بالصدمات الكهربائية إلي جانب وسائل أخري , وقلت له :
إن الأطباء يرون في استرداده لزوجته جزءا من العلاج ,أصر أيضا علي أن يجعل
هذه العودة مشروطة بأن تقلع أم زوجته ووالدها عن تلك الخرافات , وقال أما
زوجتي فأنا كفيل بها , كان لزيارته لزوجته في المستشفي أكبر الأثر في
شفائها , وزادت بهجتها حينما عرفت أنه أعادها إلي عصمته , بعد شهر وعشرة
أيام تقرر خروجها من المستشفي , وعادت مع زوجها إلي الصعيد عازمة علي ترك
الخرافات .