الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل: (أَوَلَمْ
مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ). (يس: 77 ــ 79)
رميم: من أرم أي بلي فهو رميم، واسترم الحائط دعا إلى إصلاحه.
مرة: مر أي جاز وذهب. واستمر مرة: أي استمر به على طريقة واحدة، كما في قوله تعالى: (هُوَ
ءَاتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الأعراف 189).
أما تحديد المرة الأولى في الإنشاء، فإنه مما يدل على إن للإنشاء مرات كثيرة، وإنما المعني منها هنا فقط، هو المرة الأولى.
الميكانيكية في أقل وزن ممكن.
أما
التركيب النسيجي للطبقة الأسفنجية Cancellous Bone: من طبقات منتظمة أو
شرائح، تحوي الخلايا والألياف والأوعية الدموية، وتفصل هذه الشرائح مادة
سمنتية.
وهكذا
فلكلا النوعين من العظام نفس التركيب الخلوي، ولكن يختلف انتظام هذه
الخلايا. فتنتظم الخلايا على هيئة أسطوانات في الطبقة التراكبية الخارجية
Havesian in compact، بينما تنتظم الخلايا على هيئة طبقات متوازية في
العظام الأسفنجية lamellar in cancellous.
هذا
ولا يكون نسيج العظام على هيئة متشابكة (woven) غير منتظمة إلا في المرحلة
الجنينية، وبعض الأحوال المرضية التي يتسارع فيها بناء النسيج العظمي كما
في التئام الكسور، أو في مرض باجت Pagets Disease.
وتتركب العظام من العناصر المعدنية ومادة الكولاجين والبروتينات الأخرى ثم الخلايا والماء.
وتتكون مادة العظام من:
المعادن (مادة الهيدروكسي اباتيت) أساسا، وتمثل 65% من الوزن الجاف للعظام.
المادة القاعدية (نسيج ضام، والبروتينات الأخرى والدهون)، وتمثل 35% من الوزن الجاف للعظام.
الخلايا العظمية والماء وتتكون أملاح التعظم من الكالسيوم كمكون رئيسي على
هيئة كالسيوم أباتيت أما الأملاح في بعض المركبات مثل التتراسيكلين،
والبوليفوسفات، والبيسفوسفونات فإن وجودها غير ثابت، إذ أن مثل هذه
المركبات دخائل غريبة، ولكنها تترسب في العظام لفترات طويلة عند تعاطيها.
الكولاجين (بروتين النسيج الضام):
هو البروتين الرئيسي ويمثل 90%، بينما تمثل البروتينات الأخرى 10%.
الخلايا العظمية:
الخلية البناءة للعظام Osteoblast: وتعمل على إفراز مادة العظام العضوية والتي تتكلس بعد ذلك خارج الخلايا.
ثم تتحول هذه الخلايا إلى Osteocytes
أي الخلايا الناضجة بعد تكلس مادة العظام العضوية، ولم يفهم إلى الآن على وجه الدقة وظيفة هذه الخلايا.
الخلية الآكلة للعظام Osteocytes
وهي
خلايا كبيرة متعددة الأنوية، وتعمل على تفريغ نسيج العظام من المواد
المعدنية Demineralization. ويتحكم في نشاط هذه الخلايا سلسلة من
الهرمونات، والإفرازات الخلوية Cytokines، وكذلك الخلايا البناءة للعظام.
هذا
وإن العظام في عملية دائبة من البناء والهدم من جراء نشاط هذه الخلايا
البناءة والأكولة. وتتحكم الهرمونات أساسا في معدل البناء والهدم.
ويمثل ما يحدث في العظم الاسفنجي نسبة 80% من عملية البناء والهدم، ويمثل ما يحدث في العظم المتراكب 20% من هذه العملية الحيوية.
وتحدث
عملية الهدم والبناء لإعادة التنسيق لأعلى في العظام التراكبية تنشئ
الخلايا الأكولة نفقا داخليا يتم ملؤه بالخلايا البناءة، ولأسفل نفس
العملية في النسيج الإسفنجي ولكن يبدأ التآكل ثم البناء على سطح الشرائح
العظمية.
وتحدث عملية البناء والهدم بمعدل متوازن نسبيا، أي أن البناء يعادل الهدم.
أما
في مراحل النمو فإن البناء يفوق الهدم ويستمر ذلك حتى سن العشرين، ثم يفوق
الهدم تدريجيا بعد ذلك ويفقد الجسم ما بين 0,5 إلى 1% من كتلة العظام
سنويا، وتصل هذه النسبة في النساء إلى ما يقرب من 3% سنويا على مدى 3 ـ 15
سنة بعد توقف الطمث، وبعدها يستوي معدل الفقد في كلا الجنسين. وينتهي ذلك
إلى ظهور ما يعرف بهشاشة العظام.
وهكذا
فإن هشاشة العظام تظهر في مرحلة مبكرة في النساء، ولا تظهر في الرجال
بصورة مرضية ــ في الأحوال الطبيعية ــ إلا مع التقدم البالغ في العمر.
وتعتبر عملية البناء والهدم مما يحدث ويلاحظ ولكن لم يفهم إلى الآن العوامل المتحكمة في هذه العملية على المستوى الخلوي.
فإن الهدم يحدث بعد التشققات الدقيقة التي تسببها الاجهادات المتوجهة للعظام في النشاط الطبيعي، ثم يصلح البناء الهدم الذي حدث.
وقد ثبت ذلك فعلاً، ولكن تجري الدراسات لمعرفة الأسباب التي تربط البناء بالهدم على المستوى الخلوي.
أما
على المستوى العام في الجسم، فإن هناك الكثير من العوامل التي تؤثر على
عملية البناء والهدم في العظام، نستعرضها في العناوين التالية:
دورة الكالسيوم في الجسم:
يأتي الاهتمام بمستوى الكالسيوم في الدم لما يدل عليه من انعكاس لنشاطه الحيوي في الجسم، ومنها عملية البناء والهدم للعظام.
وتتوقف نسبة الكالسيوم في الدم على التوازن الحادث بين أعضاء ثلاثة: الكلى والأمعاء ثم العظام.
تعتبر
عملية البناء والهدم في الجسم عملية دائبة على وجه العموم، ولا يستثنى في
ذلك شيء من بناء الجسم، سواء الخلايا أو النسيج الضام.
فبالنسبة
للخلايا فإن لكل نسيج خاصيته تبعاً لوظيفته والتزاماته في الجسم، فإن
خلايا الجلد مثلاً في نشاط وانقسام دائم لاستبدال الخلايا التالفة من
الاحتكاكات الخارجية وكذلك النسيج المخاطي المبطن للأمعاء.
أما النسيج العصبي فلا يتغير ولا تنقسم خلاياه في الظروف الطبيعية بعد الفترة الأولى من الحياة.
ولكننا نرى الثبات بالنسبة للنسيج الضام في أغلب الأعضاء إلا ما يطرأ عليها من تغيرات الأيض، أو الهدم المباشر لأي سبب من الأسباب.
ولكننا نرى هنا تميز العظام:
إذ
إن عمليات الهدم والبناء في النسيج الضام دائبة مستمرة، ويرجع إليها قوة
هذا النسيج وتحمله للاجهاد، والذي لا يرى مثله في أي تركيب حتى المعادن
والسبائك المعروفة بتماسك جزيئاتها.
وهكذا
تحدث يوميا في الحياة العادية تصدعات دقيقة في بناء العظام بسبب الاجهادات
الواقعة عليها في أداء وظيفتها. ويقابل ذلك رتق وإصلاح، وعودة للبناء على
ما كان عليه مع تحور لمواجهة أي إجهاد مستجد.
وهكذا تستمر علمية الهدم والبناء في هيكل العظام مدى الحياة.
وكما
نرى في ملاحظتنا أن الهدم يسبق البناء، ولا يأتي البناء قبل الهدم في هذه
الحياة، فإن النشاط الحركي للجسم والذي يعرض العظام للاجهادات والتصدعات،
هو نفسه يلعب أعظم الدور في بناء وتقويم العظام.
يلاحظ ذلك بوضوح فيما يلي:
إخفاق البناء العظمي، إذا تم تجبيس أحد الأطراف.
وزيادة إفراز الكالسيوم في البول، وضعف العظام العام مع ملازمة الفراش لأي سبب مرضي.
ثم في تغير اتجاه بناء العظم الاسفنجي بعد جراحات العظام التي يتغير فيها اتجاه التحميل على العظام.
وتغير
اتجاه بناء العظام إذا تغير اتجاه الإجهاد الواقع عليها وإن كانت العوامل
المؤثرة على البناء الذي يأتي من الهدم، لم تفهم بعد على المستوى الخلوي،
أو أنه يعتقد أنها تتم عن طريق مؤثرات خلوية موضعية، تؤثر بدورها على
الخلايا العظمية ــ فإنها عملية دائمة مستمرة وواقعة وإن لم تفهم الأسباب
فيها على الوضوح التام.
ومن
مفهوم وواقع وجود تفاعلات خلوية وراء بناء وهدم العظام: فإن تتبع عملية
بناء العظام تتم بالقياس المختبري لنسبة الفوسفاتيز القلوي في الدم أو
مركب الأستيوكالسين.
وكذلك يتم تتبع عملية الهدم للعظام، بقياس نسبة الهيدروكسي برولين، أو مكونات رابطة البيريدنولين في البول.
وهكذا
فإن العظام لا تخرج عن القانون العام في الحياة للخلايا، وهو في نشأة
الحياة بعد الموت، إلا أن نسيجها الضام يتميز بالهدم المستمر الذي يتبعه
الإصلاح، ما استمرت به الحياة.
ومقارنة بالعضلات في جسم الإنسان، فإنه مع الكبر وتقدم السن يحدث ارتداد إلى ضعف في تركيب ووظائف الأعضاء على وجه العموم.
وقد رأينا أن ذلك يحدث حتما في العظام لارتباطه بعوامل اكثرها لا يمكن التحكم فيه.
اما
مع العضلات فإنه يحدث ضمورا في العضلات بنقص عدد من الخلايا وتدهور في
وظائفها، ولكن وجد من خلال الأبحاث أن ذلك مرتبط فقط بتدهور النشاط الحركي
مع الكبر، وليست وراءه علاقات هرمونية أو تداخلات أخرى مع الجسم.
وهكذا يمكن استرداد وظائف العضلات وتمام كتلتها مع تعهدها بالنشاط الحركي المناسب.
الخلاصة:
رأينا بالعين المجردة انهدام بناء العظام بعد الموت، وتفتتها حتى صارت رميما، فإن الذي أنشأ فيها الحياة قادر على إعادتها مرة أخرى.
قال تعالى:
(أَوَلَمْ
يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ
مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ
الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ) (يس 77 -78)
وهكذا نرى الإجابة لكل راءٍ في دلالة الآية الكريمة:
(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس: 79)
هشاشة العظام، والكسور: يمكن
اعتبار هشاشة العظام تغيرا، يبدأ من انقطاع الطمث في النساء وبلوغ الكبر
في الرجال، وتلعب الوقاية دورا لا بأس به في الحد من المضاعفات الناتجة
عنه، ولكن إذا وصلت الهشاشة إلى الدرجة المرضية فإنه لا تجدي فيها العلاجات
والأدوية الموجودة حاليٌّا.
ومن
الأعراض الرئيسية لهذا المرض الآلام المبرحة التي قد تماثل الآلام
الروماتيزمية في كل الجسم وخاصة الظهر، والكسور التي أكثر ما تصيب الرسغ
وعنق الفخذ، أو فقارات الظهر، والتشوهات مثل انحناء الظهر، ومن المعروف أن
الكسور في ذلك، هي التي قد تودي بالحياة.
وتتلخص الوقاية من هذا المرض في التالي:
1ـ النظم الغذائية السليمة.
2ـ الحذر من العادات غير المرغوبة (التدخين والمسكرات).
3ـ
تجنب بعض الأدوية والأمراض قد تكون من العوامل المساعدة لحدوث المرض، فيجب
اكتشافها وسرعة التعامل معها (زيادة إفراز الغدة الدرقية أو الكظرية أو
الجاردرقية أو الغدد التناسلية، امراض الجهاز الهضمي وفشل الكلى، بعض
الأدوية مثل بعض الأدوية المسيلة للدم كالهيبارين أو أدوية الصرع).
4ـ التزام بعض النظم الدوائية، التي قد تكون مناسبة لبعض المعرضين لهذه الإصابة على سبيل الوقاية.
5ـ
ومن أهم العوامل في الوقاية أيضًا، زيادة النشاط اليومي، وتجنب زيادة وزن
الجسم، وملاحظة التمارين العامة والخاصة لمجموعات العضلات، وممارسة الأنشطة
الرياضية والعادات الصحيحة في الحفاظ على كل جزء من الجهاز الحركي بما
يناسبه فلابد من:
الحفاظ على الفقرات القطنية وفقرات العنق وأعلى الظهر وتجنب الأحمال الثقيلة التي قد تؤثر على الفقرات وعنق الفخذ
وإذا نظرنا لهشاشة العظام بين أمراض البناء في العظام، نجد أننا أمام ثلاث مجموعات:
أمراض الكساح أو لين العظام في الأطفال Rickets لين العظام في الكبار Osteomalatia
ويحدث في هذه الأمراض كما ذكرنا نقص في نسبة أملاح الكالسيوم في العظام بسبب نقص فيتامين د.
تكيس وتليف العظام Ostieties Fibrosa Cystica، مع زيادة إفراز هرمون الغدة الجارالدرقية.
ويحدث هنا مع نقص أملاح الكالسيوم في العظام، تكون الأكياس الممتلئة بالنسيج الليفي والخلايا الأكولة للعظام Osteoclast
هشاشة
العظام، ضعف البناء في هذا المرض لا يصحبه تغير في نسب مكونات العظام.
وإنما يبقى المكون الطبيعي للعظام، ولكن في كثافة أقل.
وهو ضعف العظام الذي يحدث عند الكبر في الرجال. ودلت عليه الآيات الكريمة، في قوله تعالى: (كهيعص
* ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ * إِذْ نَادَى رَبَّهُ
نِدَآءً خَفِيٌّا * قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيٌّا *
وَإِنِّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا
فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيٌّ) (مريم: 1 ـ 5).
والوهن:
هو الضعف الذي يقعد عن الحركة. وقد علمنا أنه مع الكبر يسبق ضعف العظام
ضمور العضلات. وهكذا يكون الاجهاد الواقع على العظام أكثر مما تحتمله،
فتحدث الآلام أو الكسور.
وهذا
الضعف الذي يحدث للعظام في الكبر، وترددنا في وضعه ضمن امراض البناء
للعظام، إذ لا يصحبه التغير التركيبي المصاحب للأمراض، نرى الوضوح في
الآيات الكريمة في تعريفه بالضعف الذي يكون في مراحل العمر الأولى، والتي
يرتد إليها الإنسان إذا عمر في الأرض ووصل لسن الشيخوخة. يقول الله تعالى:
(وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ). (يس 68). والتنكيس هو الرجوع والارتداد بعد العلو والارتفاع. ويقول تعالى: (اللَّهُ
الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً
ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ
وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم 54).
هذا والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المراجع:
القرآن الكريم.
تفسير القرآن العظيم للإمام الجليل الحافظ أبي الفداء
إسماعيل بن كثير.
القاموس المحيط للعلامة اللغوي مجد الدين الفيروزآبادي.