د. حسن باصرة- رئيس قسم العلوم الفلكية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة تسبح الكرة الأرضية في فلكها حول الشمس فتختلف علينا الفصول السنوية نتيجة
هذه الدورة المدارية، بينما يكون اختلاف الليل والنهار ناتج عن دورانها
حول محورها إذ تتجلى السماء باللون الأزرق نهاراً ويتغشاها الظلام ليلاً.
وما اللون الأزرق والضياء إلا نتيجة تشتت أشعة الشمس في الغلاف الغازي
الأرضي، أما النصف الآخر فيكون مغمور بالظلام، وخلال دوران الأرض حول نفسها
تتعرض بقاع المعمورة للنهار والليل على التوالي.
وبحكم كروية
الأرض فإن الفاصل ما بين الليل والنهار على الكرة الأرضية عبارة عن دائرة،
(دائرة النور) وهي التي يقسمها خط الاستواء إلى قسمين شمالي وجنوبي وقد
تلامس دائرة النور هذه قطبي الكرة الأرضية، لكنها ملامسة غير دائمة بل قد
تتعدى حدود هذه الدائرة أحد القطبين بينما تنحسر عن الآخر، و يرجع السبب في
ذلك إلى حقيقة أن محور دوران الأرض ليس عمودياً على المستوى الذي تدور فيه
حول الشمس. فخلال الصيف (في النصف الشمالي من الكرة الأرضية) يكون القطب
الشمالي مائل قليلاً ناحية الشمس بينما الجنوبي يكون مبتعدا قليلاً، وخلال
الشتاء يحدث العكس انظر الشكل (1) وبالتالي فإن حدود دائرة النور تتغير
شمالاً وجنوباً وتتعدى القطبين بعض الشيء خلال السنة.
الشكل (1) الكرة الأرضية في مواقع مختلفة
على مدارها حول الشمس حيث يتضح أن محور دورانها يكون أحياناً في اتجاه
الشمس وأحياناً عكسها.
وإذا تتبعنا الأماكن التي ينسلخ فيها النهار من الليل، والتي يتزامن
فيها غروب الشمس في يوم معين، فإن الخط الواصل ما بينها يُدعى خط مغارب
الشمس أو خط المغارب، أما خط المشارق فهو الذي يمر على الأماكن التي يتزامن
فيها شروق الشمس. وخطي المشارق والمغارب عبارة عن النصفين الشرقي، والغربي
لدائرة النور. وقد جرت العادة في الدراسات الجغرافية أن تُستعرض قارات
الكرة الأرضية عن طريق الخرائط المسطحة والتي تمثل كروية الأرض، وبالتالي
فإن دائرة النور الفاصلة ما بين الظلام والضياء على الكرة الأرضية تصبح على
هيئة خطين (شبه) مستقيمين من الشمال إلى الجنوب، بينما الأطراف العليا
والسفلى منهما ينعطفان بتدرج نحو الشرق أو الغرب، وتختلف شدة الانعطاف من
فصلٍ إلى آخر فتكون شبه قائمة خلال يومي الاعتدال انظر الشكل (2)، وأكبر من
ذلك في غيرهما.
الشكل (2) خطي مشارق ومغارب الشمس لحظة
الغروب في مكة المكرمة في يوم الاعتدال. ويلاحظ عمودية خطي المشارق
والمغارب على خط الاستواء، ويتضح أن الأماكن ذات خط الطول الواحد يتزامن
فيها الشروق والغروب وكذلك تساوي النهار (المسافة مابين الخطين) في جميع
أنحاء المعمورة.
وسنستعرض كيفية تغير وضع خطي المشارق والمغارب بالنسبة لبعضهما البعض
خلال السنة، وذلك في محاولة للوقوف على ما يصاحب هذه التغيرات من تفاوت في
مواعيد شروق وغروب الشمس على الأماكن ذات خط طول واحد والذي يكون بالزيادة
أو النقصان، اعتماداً على فصول السنة. ففي يومي الاعتدالين: الربيعي 21
مارس، والخريفي23 سبتمبر يكون سقوط أشعة الشمس عمودياً على محور دوران
الأرض وبالتالي فإن دائرة النور تلامس القطبين الشمالي والجنوبي، ويكون
الشروق والغروب متفق ومتزامن في كل الأماكن الواقعة على خط طول واحد، وذلك
لأن خطي المشارق والمغارب يكونان موازيان لخط الشمال والجنوب انظر الشكل
(2)، ويعم هذا الوضع الكرة الأرضية خلال هاذين اليومين وفيه إشارة لتساوي
الليل والنهار في كل المعمورة.
وبعد يوم الاعتدال الربيعي الموافق
21 مارس، أي خلال فصلي الربيع والصيف، يحدث انفراج ما بين خطي المطالع
والمغارب فيتباعدان تدريجياً في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وبالطبع
تزداد المسافة بينهما كلما اتجهنا شمالاً وفي هذا إشارة لزيادة طول النهار،
ويستمر هذا التباعد والانفراج حتى يبلغ ذروته في أطول أيام الصيف يوم 22
يونية الشـــكل (3)، ثم يتناقص الانفراج ما بين خطي المطالع والمغارب (فيقل
طول النهار في النصف الشمالي من الكرة الأرضية) حتى يعودا للتوازي في
يوم23 سبتمبر يوم الاعتدال الخريفي، وبالتالي يحدث التساوي في طول الليل
والنهار مرة أخرى.
الشكل (3) خطي المشارق والمغارب للشمس لحظة الغروب بمكة المكرمة في أطول
نهار في السنة حيث يلاحظ أن الخطين منفرجان من الشمال ومقتربان من الجنوب،
كما يتضح أنه كلما اتجهنا شمالاً يزيد طول النهار وعند خطوط العرض العليا
ينعدم فيها الليل.
وبعد 23 سبتمبر، أي خلال فصلي الخريف والشتاء
يحدث تقارب ما بين خطي المشارق والمغارب في النصف الشمالي من الكرة
الأرضية، بينما يبداء التباعد والانفراج في النصف الجنوبي. وفي هذا إشارة
لبداية تناقص طول النهار في النصف الشمالي ويستمر هذا التناقص وذلك
باستمرار التقارب ما بين خطي المشارق والمغارب الذي يبلغ مداه في ذروة
الشتاء يوم 22 ديسمبر الشـكل (4). وهذا التاريخ الذي يوافق أقصر نهار خلال
العام في النصف الشمالي من الكرة الأرضية .
الشكل (4) نفس الأوضاع في الشكل (3) لكن لأقصر نهار في السنة، عز الشتاء.
وبناء
على هذه الاختلافات فانه سيكون هنالك فارق خلال العام في دخول وقت صلاة
معينة ما بين مدن مختلفة واقعة شمالاً وجنوباً بعضها البعض، وكلما زاد
البُعد ازداد التغير في هذا الفارق. فعلى سبيل المثال يكون دخول وقت الصلاة
في مدينتي صنعاء وبغداد، الواقعتان تقريباً على خط طول واحد، متزامن في
أيام معينة من السنة بينما خلال بقية الأيام يكون هنالك تفاوت بالتزايد أو
التناقص. ويعتمد هذا التفاوت على الانفراج أو التقارب ما بين خطوط المشارق
والمغارب، كما أوضحناه سابقاً. فخلال الصيف يكون الشروق في بغداد قبل صنعاء
والغروب في بغداد بعد صنعاء الشكل (3)، وبالتالي فالفجر يدخل وقته في
بغداد قبل صنعاء والمغرب بعدها، أما خلال فصل الشتاء فيحدث العكس. أما دخول
وقت صلاة الظهر فلا يشمله هذا التفاوت لأنه يكون في منتصف الفترة الواقعة
ما بين الشروق والغروب. وهذا التفاوت يكون بتدرج يومي بسيط ولا يلاحظ خلال
أيام قلائل، ولأنه تراكمي فإنه سيكون ملموس عند المقارنة ما بين فصل وآخر.
وعلى نطاق أقل من الذي يحدث ما بين صنعاء وبغداد يكون ذلك الذي ما بين مكة
المكرمة والمدينة المنورة، إذ يسبق شروق الشمس في المدينة المنورة عنه في
مكة المكرمة بحوالي 7 دقائق بينما يتأخر الغروب 7 دقائق هذا في ذروة الصيف
والعكس في ذروة الشتاء وهكذا يصل الفرق في طول اليوم ما بين مكة المكرمة
والمدينة المنورة خلال ستة أشهر إلى حوالي ربع ساعة.
لذا فإن
مقارنة دخول أوقات الصلوات (في البلدان الواقعة شمال وجنوب الحرمين) من
الأمور التي تحتاج إلى دقة ودراية ويتضح هذا الإشكال عندما يُقارن دخول وقت
المغرب خلال شهر رمضان مع دخوله في مكة المكرمة أو المدينة المنورة إذ
يلاحظ أن الواقع يخالف ما قد يُعتقد بأن هنالك فرق ثابت في التوقيت. ولأن
شهر رمضان المبارك يمر على كل فصول السنة لزم التأكد من الفصل الذي يكون
فيه وتحري الفرق الصحيح لذلك الفصل وعدم الاعتماد على معرفة سابقة لوقت
آخر. لذا فلابد الانتباه لهذا التفاوت في دخول الأوقات وعدم جعله حقيقة
ثابتة، هذا وسبحان الذي له الديمومة والثبات، والصلاة والسلام ما تفاوتت
الأوقات، على سيدنا محمد وآله وصحبه الثقات.