عجيب أمر هذا الدين ..
عجيب أمر هذا الدين . . بالرغم من تفكك أهل هذا الزمان وتباعدهم إلا أنه يجمعهم تحت ظل من الإخاء والمحبة ، ومهما قست القلوب وحاولت الأحقاد سكناها .. إلا أن هذا الدين يوفر لهم أجواء تكون كمصفاة لقلوبهم من تلك الشوائب ...فتتجدد النفوس وتصفو القلوب..
وليس هناك مثال أفضل نستدل به مما نعيشه هذه الأيام .. أيام عشر ذي الحجة .. فلله درها من أيام .. لها شأن عظيم لكل شخص سكن هذه البسيطة وعاش تحت ظلال سماء الرحمن .. ووحد خالق الأكوان ...
· لله درها من أيام ما إن يشد فيها الحاج الرحال إلا وتجد القريب والبعيد يسأل عنه .. والحبيب والرفيق .. يعيشون معه روح الوجدانية .. وكأنهم معه ...يشعرون كما يشعر ويعملون كما يعمل .. فلله درها من ايام نفس الهدف( رضا الله سبحانه ) ونفس المشاعر ..
· لله درها من أيام كما لها شأن مع الحاج فهي أيضا لها شأنها مع المقيم فهم
كما عزم الحجاج على الحج فهم عزموا على الصيام والقيام والذكر وقراءة القرآن ..
ومن منهم عزم على الأضحية يمتنع عن ما يمتنع عنه الحاج .. فكل تلك الأمور تعتبر معادلة رائعة فيها الشعور الوجداني والجو الإيماني وتآلف القلوب تتساوى وتجتمع .. فنحن أنتم وأنتم نحن .. وكلانا ننشد هدفاَ واحداَ ( رضا الله سبحانه ) ..
نحن وأنتم إخوة نسعى إلى درب الجنان..
فياله من شعور ويالها من أخوة.. فلله درها من أيام ..
· لله در يوم عرفة... هم وقفوا للرحمن .. ليباهي بهم ويغفر لهم الزلل ..
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
إن الله تعالى يباهِي بأهل عرفات أهلَ السماءِ، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبرًا من كل فَجٍّ، أُشهدكم أني قد غفرتُ لهم.)
ونحن نصوم هذا اليوم ليكفر سنتين لنا ..
لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن صوم يوم عرفة: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)
لله در هذا اليوم .. ولله در هذه الأيام ...
ثم تنتهي هذه الأيام المباركات ليأتي فجر يوم جديد وهو فجر عيد القلوب فينزاح بمجيئه آخر شائبة من شوائب القلوب .. وتتألف القلوب وتتعايد .. وتنير محياها ببسمات الإخاء ...
وتكتمل الفرحة وتزكى النفوس حينما يكون للمحتاجين نصيباَ من لحوم أضاحيهم ...
لله در هذه الأيام ولله در هذا الدين العجيب .. وكأنه يقول هذا دين القلوب المجتمعة .. نعطيهم ونعطيكم لكي تجتمع قلوبكم وتتألف على رضا الله سبحانه
فلك الحمد ربنا على نعمة الإسلام ...
ولعلنا قبل الختام::
نقف وقفة عند قول ابن رجب ليتجلى لنا أسمى وأزكى معاني هذا الدين في الحفاظ على الأحاسيس والمشاعر وتآلف القلوب التي طالما نسمع عنها في الفضائيات وفي كتب علم النفس وغيرها .. وما استشعرناها في هذا الدين..
قال ابن رجب: "لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادراً على مشاهدته في كل عام، فُرض على المستطيع الحج مرة واحدة في العمر، وجُعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته، يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج"
وفي هذا الكلام دلالة واضحة أن الله سبحانه لما شرع هذا الدين حافظ على نفسيات عبيده فلما فرض عليهم الجهاد عوض من لم يتسنى له الجهاد بالحج المبرور ولما فرض الحج المبرور عوض من لم يستطيعه بالأعمال الصالحات .. التي قد تصل بها إلى أجر الحج ومن ثم الجهاد .. وكأننا نسير في دائرة مفعمة بمعاني الرحمة والمحافظة على شعور المسلم وأن لا يكون في نفسه على أخيه الذي استطاع الحج أو الجهاد شيئاَ وأن يشاركه الشعور والأجر سواءَ بسواء .. فلله در هذا الدين ..
فاللهم احفظ لنا حجاجنا وأعتق رقابنا ورقابهم من النار وتقبل منا ومنهم الأعمال ..