الحــلاق الملــحــد
الإيمان بالله هو الفطرة التي فطر الله عليها عباده, و يدل على هذا قوله تعالى: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين, أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون".
و الإلحاد أمر طارئ على الإنسان, خرج به أصحابه عن أصل الخلقة و مقتضى الفطرة فهم لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى, و يبررون ذلك بأنه لا تدركه الحواس, واتبعوا بهذه الأقوال سنن أعداء الإيمان الذين كانوا من قبلهم عندما جعلوا رؤية الله شرطا للإيمان. و هذه المكابرة هي منطق الكافرين قديما و حديثا, و لكنها في الحقيقة شبهة باطلة لأن هؤلاء يؤمنون بوجود العقول المفكرة و لم يروها, و يؤمنون بالجاذبية الأرضية ولم تدركها حواسهم وغيرها كثير. و لكنهم آمنوا بكل هذه الأشياء التي لا يرونها لما يرون من آثارها, كأثر الجاذبية في جذب الأشياء إلى الأرض.
ومن الأمثلةعلى تعنتهم ما ذكر أن رجلا ذهب إلى حلاق من هؤلاء ليقص شعره ويشذب لحيته؛ وحينما بدأ الحلاق بالقص دارت بينهما محادثة تتكلم عن أشياء متعددة ثم تطرقا إلى موضوع يتحدث عن عبادة الله .
فقال الحلاق: أنا لا أؤمن بأن الله موجود!!
الزبون: لماذا تقول ذلك؟؟
الحلاق: عليك فقط أن تخرج إلى الشارع وسوف تدرك أن الله غير موجود,أخبرني لو أن الله موجود هل سيكون هناك العديد من الأشخاص المرضى؟؟ هل سيكون هناك أطفال مشردون ؟؟
إذا كان الله موجود ,فهل سيكون هناك معاناة أو آلام في هذه الحياة؟؟
لا يمكنني أن أتخيل أن حب الله سوف يسمح لهذه الأشياء أن تكون في حياتنا.
سكت الزبون وأخذ يفكر قليلا, لكنه لم يرد عليه كي لا يدب بينهما نزاع حيث أن حجته كانت ضعيفة نوعاً ما .
أنهى الحلاق عمله ثم هم الرجل بالخروج, وعندما وقف خارجاً عند باب المحل بجانب الرصيف أخذ ينظر إلى الناس ثم وجد من بينهم رجل ذو شعر طويل وقذر وقاسي ولحية مبهذلة وكان شكله غير مقبول أبدا.
عندها عاد الزبون إلى الحلاق وقال له: هل تعلم أن الحلاق غير موجود؟
تفاجأ الحلاق بسؤال الزبون وبادره قائلا: من يمكنه قول ذلك ؟ فأنا هنا وأنا الحلاق وقد عملت على حلق شعرك وترتيبه قبل قليل فقط, فهل تنكر ذلك ؟!(وكانت علامات الغضب بادية على وجه الحلاق).
أجاب الزبون: كلا، الحلاقين غير موجودين لأنهم لو كانوا موجودين لما كان هناك أناس من ذوي الشعر الطويل مثل هذا الرجل" وأشار إلى الرجل الذي رآه في الخارج".
قال الحلاق: لكن الحلاقين موجودين، ماذا أفعل!! فهؤلاء الناس لم يأتوا كي أعمل على حلاقة شعورهم وتصفيفها!!
عندها قال الزبون: بالضبط، هذه هي النقطة التي أريد الوصول إليها، فالله موجود لكن الناس لم يبحثوا عنه ولم يلتجئوا إليه.. لذلك سيكون هناك الكثير من المعاناة والآلام في هذا العالم .
والمسلم يؤمن بوجود الله -عز وجل-، ويدرك ذلك بفطرته التي فطره الله عليها, ويعلم أن الطريق الموصل للإيمان بالله عز وجل هو التدبر في آياته, والتي من ثمراتها الحياة الطيبة في الدنيا والهداية و العزة و التمكين و النصر على الأعداء و الفوز برضوان الله و الجنة في الآخرة. ومن الآيات التي تؤكد هذا قوله تعالى:"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" [النحل 97].
وقد جاء سبعة عشر رجلاً من الزنادقة إلى الإمام الشافعي -رحمه الله- وسألوه: ما الدليل على وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم (الحرير)، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعرًا وروثاً، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد. فاستحسنوا كلام الإمام وأسلموا على يديه.
نسأل الله الكريم أن يرزقنا الإيمان به حق الإيمان وأن يغفر لنا ويتجاوز عن تقصيرنا.