تريد أن تبني بيتاً يخلو من العوارض ؟
عجيبة هذه الدنيا فمنذ يولد الإنسان وحتى آخر لحظات حياته وهو في حركة دؤوب في سبيل تحصيل لقمة العيش وغيرها من حاجات الحياة من بيت وسيارة و..و..و, ألم تر إلى المولود حين يولد يبدأ حياته بفتح فمه بحثا عن طعام وما إن يلتقم ثدي أمه أو يمسك بزجاجة الحليب حتى يرضعها ثم يخلد للنوم!!!
وهكذا الإنسان في جميع مراحل حياته ..يشقى في سبيل نفسه وأهله وزوجه وأبنائه.. نعم هو مأجور إن احتسب الأجر في ذلك ,فحتى اللقمة يضعها في فم امرأته له فيها أجر .. يا الله يا لعظمة هذا الدين وجلال قدره ..حتى اللقمة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
ولكن وفي قمة انغماسنا وانشغالنا في هذه الدنيا مع يقيننا بفنائها هل فكرنا بآخرتنا؟!
من منا من بذل ماله في بناء مسجد أو المشاركة فيه .. من منا من حفر بئرا ليشرب الناس منه .. من منا من أوقف مصحفا في بيت من بيوت الله أو في دار تحفيظ أو في أي مكان يستفاد منه؟؟ من منا من نشر الخير بإهدائه كتابا أو شريطا لمن يستفيد منه وما أكثر من يحتاج للفائدة.
وعلى أقل تقدير من منا من يحرص على عدم فوات ما سنتحدث عنه في الأسطر القادمة ..
أخي.. أختي.
لو أن إن إنساناً أراد بناء قصر شامخ عال في هذه الدنيا على مساحة كبيرة في موقع جميل ,فكم سيستغرق في بنائه؟ وكم من المال الكثير سينفق على البناء والتشييد؟ وكم من الجهد و التفكير سيبذل في التخطيط والتعديل؟ وكم ... وكم من الأمور سوف تتم ليخرج هذا القصر إلى حيز الوجود؟ وكم سيبهر أنظار البشر بناؤه وتصميمه؟ وكم من إنسان يتمنى أن يدخله فضلاً عن أن يمتلكه؟ سبحان الله هذا قصر بناؤه من تراب وإسمنت وحديد وهو إلى الزوال قريب ,وأعجب من ذلك أنه تجري تحته مجاري وقاذورات البشر , وبداخله دورات للمياه , والذي يملكه ويسكنه لايكاد يمر عليه يوم إلا ويحصل له وبه نكد وتكدير ,بما جبلت عليه هذه الدنيا الفانية. لكنك أخي المسلم تستطيع أن تبتني لك بيتا لا تعتريه العوارض,ولا تكدره المكدرات ولا يكلفك مالاً,ولا سنوات, وهو باق على نظرته وجماله, وأنسه دائم مادامت السماوات والأرض .
إنه بيت في الجنة لا نصب فيه ولا وصب, الأنهار من تحته جارية, بناؤه يسر الناظرين, لبنة ذهب, ولبنة فضة,ملاطه المسك,وحصباؤه اللؤلؤ, وحشيشه الزعفران, والأنيس فيه حور مقصورات في الخيام كأمثال اللؤلؤ المكنون, لو اطلعت امرأة من نساء الجنة على الدنيا لملأت الدنيا نوراُ وعطرا, ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها, نعيم مقيم ,وقرة عين لاتنقطع,أهلها يأكلون ويشربون ويحيون ولا يموتون, ويزورون ربهم ويستمعون إلى خطابه ويسعدون برؤية وجهه الكريم قال تعالى( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فإن سألت يا عبد الله: كيف أبتني هذا القصر وهو على هذه الصفات السابقة؟
نقول لك: تأمل رحمك الله هذا الحديث: أورد الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في "باب فضل السنن الرواتب قبل الفرائض وبعدها عن عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه قال: سمعت أم حبيبة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من " صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة " قالت أم حبيبة : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عنبسة : فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة , وقال عمر بن اوس : ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة , وقال النعمان بن سالم ما تركتهن منذ سمعتهن من عمر بن اوس.
فما أحرانا بعد ذلك أن نحرص على بناء بيوتنا في الجنة أشد مما نحرص على بناء بيوتنا في هذه الدنيا لأن نعيم الجنة باق لايفنى..وهذه الدنيا مهما طالت فمصيرها إلى الزوال.