محادثة رمضانية
كانت العائلة مجتمعة على مائدة الإفطار ,ولكن كان هناك شيء غريب يحدث ..!وهو أن أحد أفراد هذه الأسرة قد ارتسم على وجهه علامات الحزن والبؤس ..! استغربت ليلى هذا الأمر كثيراً..؟! وبعد الانتهاء من الإفطار رأت أن من الضروري البحث في هذا الأمر ؟ كيف ونحن في شهر يجيد رسم البسمة على الشفاه من رحمة إلى مغفرة ثم إلى عتق من النيران ... فذهبت لصاحب الأمر ألا وهي أختها حنان فسألتها :ما بالك اليوم لا تبدين على ما يرام ..؟؟أهناك شيء يضايقك قد عكر مزاجك ....؟!فأجابتها :أجل ولقد قالتها بحرارة يكاد حرّ زفرتها يحرق وجهي ..!فسألتها :وما هو كفانا الله الهم والحزن .. ؟فقالت :إنه العمل في المطبخ والبيت وأضيفي له الدراسة وهمها الثقيل ..!فوقتي كله يذهب سدىً في قضاء تلك الأشياء وعندما أذهب إلى المدرسة وأتحدث مع زميلاتي فجميعهن قد قضين اوقاتاً سعيدة مريحة ... إحداهن تنام بعد دوامها ولا تستيقظ إلا الساعة الثانية عشر ليلاً وبعدها تأكل وتمرح وتخرج وتؤدي ما عليها من واجبات ,والأخرى قد أعفيت من أعمال المنزل ولا تشارك سوى في الأكل وهي منهمكة في متابعة الجديد والرائع من البرامج والمسلسلات الرمضانية أما أنا فلا أكاد أنتهي من الدوام المدرسي إلا ويستقبلني العمل في المنزل ..إعداد إفطار وغسيل أواني وكنسٌ لجميع المنزل ..وهلم جرا ..... حتى لا أكاد أنتهي إلا والحقيبة تنتظرني تكاد تصرخ من كثرة ما فيها من واجبات ومذاكرات وكل هذا فوق رأسي الصغير ولا تريدينني بعد ذلك أن أحزن .؟ كيف..؟
قالت ليلى : يا إلـــهي..!
أتحملين كل هذا الهم ..؟!!
والله ظننتك قد حملت همّ تحرير القدس أو أنك قد حملت همّ دماء المسلمين المهدرة في العراق ..!؟ فقالت بعتب واستغراب؟! هل تسألين عن همي لتسخري مني؟؟!! أم لتخففي عني ليت أني لم أقل لك شيئاً..؟ هوني عليك يا حبيبتي ودعيني أقول لك ولا تقاطعيني حتى أنتهي ..نحن في شهر رمضان أليس كذلك ..نعم.. إذن اسمعي يا غاليتي :هذا الشهر الكريم عندما يأتي فهو يحمل الخير لمن يريده ,ويزيح الهم عمن يريد التنفيس حقاً,ويبشر بالسعادة من يستحقها ..هو شهر فرض للعبادة وللتزود بالطاعة ولنوقظ أنفسنا الغافلة وقلوبنا النائمة ..بل إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال "رغم أنف ..رغم أنف ..رغم أنف من دخل عليه رمضان ولم يغفر له أو كما قال عليه السلام ..
وقد تقولين ما دخل هذا بذاك ..!
أقل لك إن عملك المنزلي الذي تشكين منه هو عمل عظيم يغبطك الكثير عليه ..! أجل لا تتعجبي أليس هو تفطير للصائمين ..أليس كل هذا التعب هو من أجل إعداد الإفطار وتهيئة المكان لهم ..؟ إذن أنت لم تسمعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمفطرين الذين خدموا الصائمين "ذهب المفطرون اليوم بالأجر "
فهل أحزن على أن أكسب من الأجر الشيء العظيم وما أحوجنا له والله ..بل إن الرجال أنفسهم يغبطوننا على ذلك ...هذا غير المقعدات والعاجزات عن العمل ..!بل أضيف على ذلك أن عمل المرأة في بيتها قربة وصلة . فإن من عرف قدر هذا العمل فوا لله ليزداد حرصاً عليه ..ومن قال عنه أنه قضاء وقت ممل ومتعب فاسأليه بم يقضي وقته...؟!! فإن كان في نوم فيا لخسارة المحرومين وإن كان في مشاهدة القنوات فيا لخيبة المخذولين ..!
فإن لم يقض هذا الوقت في طاعة فبم يقضى إذن هذا الوقت الشريف الكريم ..وأنا لا أقول لك ذلك حتى تذهبي للمطبخ منذ أن تأتي من المدرسة حتى غروب الشمس بل إن قضاء الوقت الكثير في إعداد الطعام واستنزاف الساعات الطوال قبل الإفطار وبعده لإعداد الإفطار فإن هذا شيء يكره ..عندها أؤيدك بقولك أنه ضياع وقت ..ولكن ليس على حساب مشاهدة القنوات بل على حساب طاعاتك الأخرى من ذكر وتلاوة وقيام ..أما المدرسة وهمها فهي أيضاً عمل رائع تحتسبين فيه الأجر من عند الله .ألم يقل حبيبنا صلى الله عليه سلم "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل له به طريقاً إلى الجنة " فما بالك وأنت في شهر كريم تضاعف فيه الحسنات فاحمدي الله أن كنت كذلك ولم تكوني ممن ابتلين بضياع أوقاتهن حقاً ,
فهن والله من يجدر بهن أن يحملن الهم لالالا أنت ..
فلتفرحي ولتبتسمي ولتحسني النية ولتوقنين بالأجر ..فإنك تعبدين رباً كريما مناناً يستجيب دعوة عبده المطيع ..فإنك إن سألت غداً عن وقتك فيم أفنيته فإنك قد أفنيته بعمل صالح يملأ صحيفة أعمالك....
فلتجددي النية "فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ِ ما نوى " ولتنظمي وقتك
فحسب ....
عندها أجابت حنان بسرور تام قد بدا على محياها : يآ الله ..لقد كنت أجهل كل ذلك وقد غفلت عنه ......؟ والحمد لله أن سخر لي أختاً حبيبةً توقظ قلبي الغافل وتنير عقلي الخامل ..والشكر لله أولاً وآخراً