وقفت أمامي وهمست لي متسائلة - بكلمات متقطعة وبنبرة حزينة - قالت: الحب حرام يا أستاذة ؟.
كان سؤالا مباغتاً ومفاجئاً لي وبعيد عن موضوع المحاضرة.. ثبت عيني في وجهها لوهلة ولم أجد جواباً.
بعد برهة تكاثرت النساء من حولنا فغابت وسطهن ثم انسلت بجسدها النحيل وابتعدت دون أن أشعر.
غادرت
المسجد وسؤالها يتردد صداه في جنبات عقلي, أدركت أخيرا سر شحوبها وذهولها
الدائم وانفعالها الغير مبرر أحيانا، وتلك الدموع المخبأة بين أهدابها
والتي لمحتها مرار تمسح بعضها عندما تغافلها وتنحدر رغما عنها لتشي بسرها
الدفين.
قبل بضعة أشهر صعقت لسماعي نبأ شاب في "حارتنا" قتل نفسه لأن الأقدار حالت بينه وبين محبوبته بعدما رفض أبوها تزويجه بها!
وقتها
عجبت وقلت : أما يزال هناك أمثال مجانين العشق :"قيس ليلى, وكثير عزة,
وجميل بثينة.."؟! إلا أن حال تلك السائلة دفعني لأبحث..ليس عن حكم الحب
أحلال أم حرام؟
فلا
أظن أن المحب الولهان سيقلع عن الحب بمجرد سماع فتوى بتحريمه فالأمر أبعد
من ذلك بل بحثت عما يصيب المحبين أثر وقوع أحدهم في حالة حب.بحثت فوجدت
العجب.
أطلعت على الكثير مما لا يسمح المقام بإيراده ,وأبرز مايمكن ذكره أن العلماء توصلوا إلى حقيقة أثر انفعال الحب على جسم الإنسان
ووظائفه الحيوية ونظام تفكيره, فوجدوا على سبيل المثال "أن الانفعال بالحب
يؤدي إلى كسل في عمليات التفكير المنطقي كما أنه يؤثر على بعض مراكز
التنشيط والتهبيط في المخ.
كما
أن انفعال الحب يعطي إشارة معينة للمخ ترسلها للجسم ليقوم بإنتاج المورفين
الذي يجعل المحب في حالة من الدغدغة والاستلذاذ تدفع إلى الاشتهاء
الجنسي..كما وجدوا أن الجسم الذي يفيض صاحبه حبا يفرز في الدم مادة تشبه
الفاليوم مما يجعل العاشق أو العاشقة شبه متخدرين .."
وهنا مكمن الخطر عند الوقوع في حالة حب.. لذا نهى الشارع عن الخلوة بين الجنسين في الحالات العادية فكيف بمن تربطهما عاطفة الحب؟
ولكن
ماذا إن حال بينهما القدر كما حدث لذلك الشاب وكثيرين غيره؟ أو غدا الحب
أحبولة شيطانية يتصيد بها شاب ميت الضمير قلب فتاة مسكينة كتلك السائلة
الذاهلة؟.
حذر
سلفنا الصالح مرار في مصنفاتهم من خطر العشق والوقوع في الهوى.لكن المؤسف
أن فئة عريضة من أبنائنا عازفون عن قراءة مثل هذه المصنفات القيمة, وبمقابل
ذلك يوجد زخم منقطع النظير في شتى وسائل الإعلام لإغراءات متنوعة تزين
الحب وترغب فيه وتدعوا إليه، حتى يخيل للناظر أن لا معنى للحياة بدونه.
ونرى الكثيرات قد وقعن في مصائد الحب بوعي أو بدون وعي, وهناك من أرادت أن تجرب فحسب وعندما لذعتها لسعات الحب الملهبة وأحرق جواها الهوى صرخت مستغيثة: أريد فكاكا.
لكن
بعد ماذا؟ فأسعدهن حالاً وأوفرهن حظاً من استطاعت أن تنجو بشرفها وسمعتها
,أما أعماقها فقد تمزقت أشلاءا من وجع الشوق والوجد ومن ألم الغدر
والخيانة.
لذا لابد من وقفة جادة من قبل الوالدين والمربين لعلاج هذه الحالات ولمواجهة هذا المد والنظر في القضية بنظرة عميقة مستبصرة,
وعلى جميع العقلاء والمصلحين والمؤثرين السعي بجد والعمل بشفافية لتصميم
برامج إبداعية نخاطب بها هذا الجيل لتحذيره من خطر الوقوع في مزالق الحب
المهلكة.
ولابد
من معالجة المنكوبين منهم المبتلين بالحب من الجنسين معالجات قائمة على
الفهم والتقبل ومراعاة الضعف البشري , والرفق بهم ورفع تقديرهم لذواتهم
وعدم جلدهم وتمكينهم بتعزيز النفس الإيجابية فيهم للوصول بهم إلى الشفاء
التام.
سهل جداً أن نمطرهم ببوارق الترهيب ونطالبهم بفوقية وتعالي بالنزع والإقلاع عن الحب فورا "وليس دائما السهل هو الحل الأمثل" فليس
مهمة المصلحين إبراء الذمة بل أداء المهمة على أكمل وجه, فالحب إن تغلغل
في قلب المرء استحال إلى معانة قاسية وداء عضال مقلق للروح معطل للحياة.
كما أن الحب رغم أنه أرق وأسمى شعور أضحى مع ضعف الوازع الديني والخلقي وتوفر تقنيات الاتصال الحديثة الطريق الأيسر للوقوع في الخطأ.
أخيراً: ما أروع أن نتعامل مع المحبين تعامل الطبيب المشفق والمصلح الموفق ونكف عن لومهم العقيم فالحب باق ما بقيت الحياة.