تشعر
المرأة بحكم فطرتها بحالة من الضعف في مواجهة مشكلات الحياة والتعامل مع
المجتمع بكل تعقيداته ولذلك فهي تحتمي بأبيها ثم زوجها للقيام بهذا الدور
بديلاً عنه, وتضطر بدون رغبة منها إلى اقتحام هذه المشكلات لو فقدت
زوجها وعائلها, غير أنَّه في أحيان كثيرة تختار الأسرة بمحض إرادتها أن
يسافر العائل ويترك أولاده الصغار مع أمهم لمواجهة مشكلات الحياة, فتجد
الأم نفسها تقوم بدور الأب والأم معًا, فما الذي تكسبه الأسرة وما الذي
تخسره في ظل هذا الظرف؟ وما هي التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تتعرض
لها الزوجة؟.
الأسرة تدفع الثمن: يقول
د. كارم غنيم (الأستاذ بجامعة الأزهر) إنَّ سفر الزوج لا بد أن تدفع
الأسرة أو أحد أعضائها ثمنه لا محالة فقد رأيت زملائي أساتذة الجامعة الذين
يسافرون كأساتذة وهذا يعني أن لديهم أبناءً كبارًا في المرحلة الثانوية أو
الجامعية, وقد لاحظت أن البحث عن المال له بريق كبير فالذي يحقق قدرًا
معقولاً منه تنفتح شهيته على المزيد, وعلى الجانب الآخر الأبناء الذين
كانوا متفوقين أصبح منهم مدمن مخدرات, وآخر يرسب في دراسته. فالمال في
أيديهم والرقابة شبه منعدمة وحياة الترف تقود إلى الفساد.
كنت
أرى الذين يطول سفرهم ويحرصون على المال لا بد أن يكون لهم ضحية لا ينفع
معها الإصلاح بعد ذلك, لذلك فترابط الأسرة والحفاظ على كيانها وأخلاق
أعضائها مقدم على كل شيء والمال لن يجلب السعادة للأسرة, والسفر يجب أن يتم
تحديد الغرض منه والحرص على أن لا تكون له تداعيات سلبية.
ويضيف د. غنيم: "إنَّ الأم غير مهيأة لتقوم بدور الأب فهي رقيقة وتتحكم فيها مشاعر العطف واللين التي هي مطلوبة لو كان بجوارها زوج يمارس دوره في الحزم والتوجيه والرقابة والشدة أحيانًا وقضاء كل حاجات الأسرة ومصالحها".
الدور
الثقيل: وتقول د. سعيدة أبو سوسو (أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر): "إنَّ
التكوين النفسي والعصبي بل والبيولوجي للزوجة إنَّما هو جزء مهم من
التكوين الأسري بمعنى أنه يعمل في صالح الأسرة سواء كان ذلك للزوج أو
للأبناء.
ويكمل هذا تكوين الرجل النفسي والعصبي, فالرجل يوفر الحماية للأسرة فتستظل بمظلة الأمن في وجوده, والأم هي المظلة العاطفية,
فكيف أطلب من الزوجة أن تقوم بدور غير مهيأة له نفسيًّا وعصبيًّا, صحيح
أنَّ كثيرًا من حالات سفر الأزواج بدون زوجاتهم وأولادهم مرَّت بسلام.
وصحيح أنَّ المرأة حينما تتعرّض لموت زوجها تنفجر في داخلها طاقات كبيرة
لتعويض فقده, إلا أنني أعتبر سفر الزوج وحده هروبًا من المسئولية وعدم
تقدير لما ينتظر الأسرة من مشكلات في غيابه, فالطفل ذكي وهو يشعر أن أمه
مهما بلغت شدتها معه, فإنها شدة فيها لين ورقة يلتف عليها, أما شدة الأب
وحزمه فشيء هام جدا ورمانة ميزان تضبط إيقاع الأسرة".
وتحكي د. سعيدة عن سيدة سافر زوجها وتركها مع أولادها, تقول: "إنني كنت أنظر من نافذة منزلي إلى الناس الذين يسيرون في الشارع فأرى
المرأة تسير مع زوجها فأحسدهم وأشعر بأن هذه المرأة تملك شيئًا عظيمًا لا
أملكه".. وتضيف د. سعيدة: "هذه السيدة وهي متعلمة ومثقفة تقول لي لم أكن
أدري أنني بهذا القدر من الضعف بدون زوجي, إن أولادي الصغار كنت أصاب بصداع
منهم ومن مجهودهم الزائد, وكنت أبكي منهم فإذا أمرتهم لا ينفذون أوامري
وأحسست بالغربة والانكسار فأرسلت إلى حماتي كي تقيم معي في شقتي لتؤنس
وحدتي من ناحية ولتساعدني في السيطرة على الأبناء من ناحية أخرى, ومع ذلك
لم نستطع أن نفعل شيئًا وحينما عاد زوجي قبلت يديه ورويت له ما حدث, فقرر
عدم السفر مرة أخرى". تقول هذه السيدة "إن أولادي بمجرد أن حضر أبوهم انضبط
أمرهم تمامًا وكأنهم تغيروا مائة وثمانين درجة, فأحسست بالأمان وزادت
ساعات نومي وزال التوتر والقلق والخوف الذي كنت أعيشه".
كارثة: أما د. عبد الغني عبود (أستاذ التربية بجامعة عين شمس): "إنَّ الأب عمود الأسرة ودوره جوهري في عملية التربية وفقدان
هذا الدور يؤثر سلبيًّا على التربية, إنَّ الأسرة العربية الإسلامية
التقليدية والممتدة عرفت تاريخيا هذا الدور الذي استمد منه جميع أعضاء
الأسرة والعائلة الممتدة الكثير نفسيًّا وتربويًّا بالتوجيه والإرشاد
والمشورة ونقل الخبرة والرؤية السديدة التي اكتسبها من تمرسه بشئون الحياة,
والرجل في مجتمعنا يحسم التعامل مع المؤسسات خارج المنزل ولديه صبر وجلد
وقوة تحمل وهو مؤهل لذلك, وهذه أمور تفقدها الزوجة ولا تجيدها, وحينما
تؤديها لابد أن يكون فيها نقص, فرقة المرأة وعواطفها وحدها لا تقيم جيلاً
فلا بد من حزم الأب وشدته وتقويمه للابن.
إنَّ التربية لا تصلح ولا تستقيم إلا بالعنصرين معًا, وفقدان أحدهما يجعل عملية التربية ناقصة؛ فقدان
عطف الأم وحنانها يجعل الابن مفتقدًا لهذا البناء العاطفي في شخصيته ويترك
خللاً يمكن أن ينتج عنه فجوة نفسيَّة وسلوكيَّة في الكبر, أما فقدان دور
الأب فهو كارثة حيث ينشأ الابن منفلتًا غير آبه بالضوابط والقيود, فسلطة
الأب التي تجعل الابن يخاف منها ثم يحترمها, تعوده على التعامل مع الأفراد
والهيئات ثم إنه يختزل كل هذه الخبرات لينقلها لأبنائه فيما بعد, ومن غير
المقبول أن تخفي الأم نتيجة عواطفها أخطاء الأبناء عن أبيهم وتتستر عليهم
حتى لا يقوّمهم وينزل بهم العقاب وإنما المطلوب أن يكون رأيهما واحد".