اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  البيت والمعاني الغائبة تأملات قرآنية لمرأة راشدة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100205
 البيت والمعاني الغائبة تأملات قرآنية لمرأة راشدة  Oooo14
 البيت والمعاني الغائبة تأملات قرآنية لمرأة راشدة  User_o10

 البيت والمعاني الغائبة تأملات قرآنية لمرأة راشدة  Empty
مُساهمةموضوع: البيت والمعاني الغائبة تأملات قرآنية لمرأة راشدة     البيت والمعاني الغائبة تأملات قرآنية لمرأة راشدة  Emptyالأحد 24 مارس 2013 - 15:33

البيت والمعاني الغائبة تأملات قرآنية لمرأة راشدة

إن من معاول الهدم التي استخدمها أعداء الأمة اليوم من اليهود والنصارى وحلفائهم من المنافقين، لهدم المجتمع المسلم: نشر وترويج المعاني القاصرة والسطحية لمعنى البيت[1].

إذ جعلوا معناه محصوراً على الجدران والحيطان، قد خلا من أي معنى جميل يليق بمكانة وجمال المرأة المسلمة، فادعوا أنه سجناً قد كبل هذه المرأة بقيود وحبسها عن حريتها، أو قبر دفنت فيه المرأة مواهبها ومهاراتها. فطالبوا بذلك إلى تحرير المرأة وخروجها إلى فضاء الحرية -وهو ضيق- بحجة حاجة المجتمع لنصفه الثاني، والاستفادة منها في العملية الإنتاجية والرقي بالمجتمع حضارياً، والمشاركة في التنمية الاقتصادية، والمساهمة في الحياة الفكرية والعلمية إلى غير ذلك من الدعاوي المنمقة التي تحمل في ظاهرها الرحمة والشفقة عليها، وفي باطنها العذاب الأليم والسم الزعاف.

وقد تلقفت المرأة اليوم هذه الدعاوات بسبب الترويج لها من قبل الإعلام بوسائله وطرقه وعن طريق أقزام الغرب الكافر الذي كان صنيعه ويده في تنفيذ مخططاته ومكائده.

ومن هنا أحببت أن أبين قصور هذا المعنى السطحي المزيف الخادع، وأستخرج درر من المعاني الناصعة الجميلة الغائبة عن أذهان كثير من النساء اليوم حتى تستيقظ من غفلتها، وتدرك الخطر المحدق بها، وتوقن بما لبيتها من الأثر عليها، فهو عنوان سعادتها وطريق نجاتها في الدنيا والآخرة.

وسأقتصر هنا على بعض التأملات القرآنية التي ذكر فيها لفظ البيت، وأضعها بقالب أدبي ليس شرطاً أن يكون تفسيراً حرفياً-إذ أستقي المعنى العام وأضعه في مدلول لا ينفك عن المفهوم العام للآية بإذن الله- لأخرج بنتيجة مدى أهمية البيت بالنسبة للمرأة، وكيف أنه لا ينفك عنها، ومن ثم تحرص كل امرأة على بيتها انطلاقاً من تلك المعاني[2].

1- البيت هو السكن الذي يخلد إليه المرء، فيخلص من أعباء الحياة، ومشاق العمل، ولا يجد الراحة من ذلك إلا في البيت يسكن إليه فيسكن تفكيره ويرتاح باله، ويأوي إليه فيقيه لهب الحر وقرص البرد، فهو بذلك حماية له ووقاية لجسمه وبدنه من التعرض للأخطار والآفات وسواءً كانت هذه البيوت من الخيام أو الفساطيط أو مبنية من اللبن والحجر، ولذلك امتن الله على عباده بهذه النعمة، فقال -تعالى-: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)[النحل: 80].

2- البيت هو مسجدكِ أيتها المرأة، هو محرابكِ الذي تفزعين إليه بالصلاة والاستغفار والدعاء، إنه محل الذكر وتلاوة القرآن، مركز الإشعاع الروحي والإيماني لكِ أيتها المرأة لكي تغذي فؤادكِ وتنطلق إلى ربكِ مؤمنة عابدة، تائبة، طائعة، قال -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 87]. وقال -تعالى-: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) [الأحزاب: 34].

3- البيت مكان للتقوي والاستقواء لهذا الجسد الذي قد لا يجد للذة الأكل وشهوة الطعام إلا في كنفه: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا...) [النور: 61].

4- البيت سفينة نجاتكِ أيتها المرأة، قال -تعالى-: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) [نوح: 28]. فهي سفينة النجاة ورمز الحماية الذي إن بقيتِ فيه سلمتِ من الغرق من طوفان الظلمات والدعاوي الكاذبة الضالة المنحرفة، وقادتكِ هذه السفينة إلى بر الأمان وإلى نور الإيمان.

5- البيت فطرة فطر الله المخلوقات عليها جميعاً، فهذه النحلة تتخذ لها بيتاً.. سواءً كان من الجبال أو من الشجر أو أي شيء.. المهم ألا تبقى مشردة بلا مأوى ولا بيت يضمها وتبني فيه عشها وتقيم عليه أسرتها، قال -تعالى-: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) [النحل: 68].

وهذه العنكبوت التي هي قريبة من ناظريكِ أيتها المرأة، تنسج خيوطها لتبني به بيتاً لها، فتعشش وتأكل فيه فريستها، وكلما هدم هذا البيت سعت هذه العنكبوت لبناء بيت آخر، وهكذا.. لأنها تحس بعدمية الحياة بدون هذا البيت الذي يمثلها، وإن كان هذا البيت وهناً ضعيفاً، قال -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 41]. فهل لكِ أيتها المرأة بهذه المخلوقات الضعيفة الصغيرة عظة وعبرة بأهمية البيت، والقيمة الحقيقة منه.

6- البيت محل العفة والطهارة وعنوان الفضيلة والشرف، ولكِ أن تتصوري عظم المقام في البيت والمكث فيه من هذا الأمر الإلهي لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين يأمرهن ربهن بأن يقرن في بيوتهن وهن من هن في الطهارة والعفاف، ليدلكِ على أن البيت يجلب للمرأة أسباب الطهارة والعفة، ويقيها ويجنبها أسباب الرذيلة والدناءة، ولذلك تجدين أن الله بعد أن أمرهنّ بالقرار في البيوت وعدم الخروج إلا لحاجة، نهى وحذر من التبرج، وختم الآية ببيان المقصد من ذلك وهو التطهير، قال - تعالى -: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب: 33]. كما أن التي لا تتخلق بأخلاق هذا الدين لا تستحق أوسمة العفة والطهارة الممثلة بالقرار في البيت، قال - تعالى -: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق: 1].

7- البيت منطلق الصلاح والخير، وهو أول بداية لصلاح المجتمع، قال -تعالى-: (.. وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[النساء: 100]. قال - تعالى -: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) [الأنفال: 5].

8- البيت مؤسسة اجتماعية لها حرمتها ومكانتها عند الناس جميعاً، لا سيما بيت الأشراف منه، لذا كان يحاط بسياج من الآداب والأحكام التي ينبغي الالتزام بها لكي تزيد هذا البيت حرمة وفضلا، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النور: 27]. وقال - تعالى -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [البقرة: 189]. وقال - تعالى -: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً.. ) [النور: 61].

9- البيت عنوان لأهله، وميزة يتعارفون به فيما بينهم، وذلك لأهميته ودلالته على أصحابها، فيقال: هذا بيت الأبرار، أو بيت الفجار الأشرار، قال - تعالى -: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) [القصص: 12]. (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات: 36].

10- البيت هاجس إيماني يختلج في فؤاد الصالحات، ويسبح في تفكير المتألهات، ويتردد في قلب كل الطاهرات العفيفات، قد جعلن من بيوتهن أنشودة يترنمن بها، وحلم يتمنين تحققه سواءً في الدنيا أو في الآخرة، فهذه زوجة فرعون -إحدى كُمّل النساء- تطلب من ربها الجوار ببيت وليس بأي شيء آخر، قال - تعالى -: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: 11].

ولكِ أن تتأملي عمق هذا المدلول في ذاك الرجل من أهل الجنة الذي عندما دخلها استأذن ربه في الزرع، ورغم أنه في غنى عنه لكنه يريد أن يشبع هاجسه ونفسيته، فأذن له الله -تعالى- فزرع وبذر وحصد[3].

11- البيت مؤسسة التموين، ومكان لادخار أقوات الناس، ووضع أمتعتهم وحاجياتهم فيه، قال -تعالى- عن معجزات عيسى - عليه السلام -: (وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 49].

ولا شك أن هذه المؤسسة تحتاج إلى من يديرها ويكون مسؤولاًً عنها، والمرأة بما لديها من خصائص قادرة على إدارة منزلها، وبالتالي تنمي مواهبها وقدراتها لتثبت كفاءتها، لا كما يزعم الأعداء مقبرة لها.

12- البيت عنوان الحضارة والتقدم وليست الرجعة والتخلف، وقد ذكر الله لنا عن حضارة قوم عاد وكيف أنهم جعلوا بناء البيوت عنواناً لهذه الحضارة، قال - تعالى -: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الأعراف: 74]. وقال -تعالى-: (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ)[الحجر: 82]. فإياكِ أن تخدعي باسم التقدم والتحضر.

13- البيت محل اهتمام الناس، وحديث مجالسهم، وزينته من أساسيات ترفهم ورفاهيتهم، ولذلك جعله الله محل ضرب مثل: (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 33-35]، فالناس يقبلون على بيوتهم بإصلاحها وزخرفتها وتزيينها إلى غير ذلك من الأمور التي تدل على اهتمامهم بها، ويدعون الناس إليها من أقربائهم وأصدقائهم ليفخروا بها عندهم وتكون حديث مجالسهم، وإن زاروا بيتاً غير مرتب، أو منظم أو مزينن تكلموا في أهله ولاموا صاحبته؛ لأن البيت عنوان صاحبته.

14- البيت قد يكون عنوان الخراب والدمار، وذلك إذا عطل من وظيفته، واستوحش من سكناه والبقاء فيه، ولم يهتم به، فخواء البيت دليل على بداية انهياره وتمزقه، قال - تعالى -: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[النمل: 52]. فهل تتركين بيتكِ خاوياً هاوياً إلى الجحيم؟



15- هدم البيت دليل الشقاء والضياع، ولا سيما إن كان من فعل الشخص نفسه، قال -تعالى- واصفاً حال يهود بني النضير كيف يخربون بيوتهم لكي لا يمكنوا المؤمنين من بيوتهم: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)[الحشر: 2]. فهل ستهدمين بيتكِ أيتها المرأة المسلمة بيديكِ، لتعبري عن شقائك وضياعكِ؟

16- البيت وسيلة يتخذها أهل النفاق لتبرير مواقفهم عندما ينشرون فكرهم وخبثهم، فهم يتخذون من البيت وسيلة لنفث سمومهم بحجة التحرر من سجن البيت إلى فضاء الحرية.. إلى غير ذلك، وهم كذبة في ذلك، بل هو –أي البيت- قلعة وحصن وقصر منيف لكِ أيتها المرأة، فاحذري أن يغرروا بكِ بشبهتهم الباطلة ومخططاتهم الحاقدة، قال - تعالى -: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا).

17- البيت عند فساده قد يكون كالخانات، التي يسرح فيها ويمرح كل من هب ودب، ويأتيها الصالح والطالح، فتذهب حرمتها، وتصبح وكراً للفساد؛ لأنه لا أهل له، قال - تعالى -: (لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) [النور: 29]. فهل ستصيرين بيتكِ كحانات للرايحين والغادين؟

18- البيت حق من حقوقكِ أيتها المرأة يجب أن تتمسك بهذا الحق، إلى آخر لحظة من لحظات حياتكِ، أياً كانت، فإن كنتِ زوجة فمن حقكِ أن تبقي فيه ولا تغادريه أو تتركيه، حتى وإن طلقكِ زوجكِ، إلى أن تنتهي حياتكِ الزوجية تماماً والذي كان البيت محضناً لها، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)[الطلاق: 1].

19- البيت هو مملكتكِ أيتها المرأة، الذي يحسن بكِ أن تحسني تدبيره، وتقوديه بحنكة ودراية، ولا تمكني أحداً من اختراقه أو التسلل إليه بألوان المعاصي والمنكرات، فيصير من قصر منيف إلى بيت كنيف، فحافظي عليه من أن يدنس أو أن تنتهك كرامته، قال - تعالى -: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23].

20- وفي الأخير: نقول للواتي رفض القرار في بيوتهن وأبين الاستجابة لأمر ربهن، وأقبلن على تعاليم الغرب يقتبسن ظلمة من ظلماته، وهن بذلك قد خالفن أمر ربهن بل الفطرة السوية، بحجة أن البيت إنما هو سجن قد قيد حريتهن، أو قبر قد دفنّ فيه، فنقول لكِ: نعم، إن البيت لكنّ أيتهنّ العاصيات لربهنّ بهذا الفهم الذي تفهمينه، وذلك جزاء من الله –تعال- لكنِّ، وعقاباً منه لمن خالفنّ أمره، لأن قلوبكنّ قد خلت من البصيرة والنظر بنور الله، فأصبحت تنظر بنظر غيرها، ولذا نجد أن البيت قد عبر عنه بالسجن ولكن لمن يا ترى، لمن؟ قال تعال: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) [النساء: 15].

وبعد أن بانت لكِ أيتها المرأة المسلمة هذه المعاني الغائبة عن ذهنكِ الحاضرة الآن بين يديكِ، أراكِ قد تغيرت نظرتكِ نحو بيتكِ الذي تسكنينه، فلم تعد عيناكِ تنظر إلى الجدار والحيطان، بل تجاوزت الفِناء والبينان لتحلق في رحاب الإيمان، فقد أصبح لكِ –البيت- قلعة حصينة ضد الأعداء، وسفينة راسية للنجاة، وصدفة أنتِ لؤلؤتها، وبستان أنت زهرته، ومحراب أنتِ فيه عابدة، وعش أنتِ عروسه، وقصر أنتِ ملكته، وكل هذا يقودكِ -بإذن الله- إلى بيتكِ الأسمى والأغلى في الجنة.

والحمد لله رب العالمين..

ـــــــــــــــــ

[1] - البيت: ما يأوي إليه الإنسان ليقيه الحر والبرد. وهو في تعارف أهل الأبنية أرض عليها دائر من البناء يظله سقف، وفي تعارف العرب وأصحاب الوبر: دائر من صوف أو غير ذلك يظله سقف من جنسه، وقيل: سمي بيتا؛ لأنه يصلح للبيتوتة فيه"[نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر- لأبي الفرج الجوزي - (1/205)].

[2] - غالبية هذه المعاني مأخوذة من كتاب: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لأبي الفرج الجوزي، وكتاب: إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم للدامغاني. وهذه المعاني هي: (المنزل، الخيام والفساطيط، الكهوف والغيران، الحانات، السجن، المسجد، العش، السفينة، الملك، المنزلة في الجنة)، وأما غير هذه المعاني فإنما هي استنباطات لمدولاتها بالتأمل في كتب التفاسير، واجتهاد أدبي لا يخرج بإذن ا لله عن جوهر النص والفكرة العامة وليس المقصود التفسير الحرفي أو المقصود بالآية مباشرة، وأسأل الله أن ألهم الصواب في ذلك.

[3] - انظري الحديث: في البخاري، برقم (7519).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
البيت والمعاني الغائبة تأملات قرآنية لمرأة راشدة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ المكتبه الاسلاميه والفتاوي الشرعيه ۩✖ :: المـــرأه المسلمه-
انتقل الى: