ماذا تريد المرأة العدل أم المساواة؟
لا بدّ في معرفة كلّ مفهوم ومصطلح أن نعرف معناه في اللّغة العربية وما المقصود به في الاصطلاح حتى نستطيع أن نُدرك المراد منه.
فنبدأ بالتّعريف اللّغوي للمساواة:
المساواة في اللغة:
لقد وجدت للمساواة عدّة معانٍ في اللّغة، منها:
1- التماثل، يُقال: ساواه أي ماثله، وسَواءُ الشيءِ مثلُه.
2- ويقال: ساوى الشيءُ الشيءَ إذا عادَلَه. وساوَيْتُ بينَ الشَّيْئَيْنِ إذا عَدَّلْتَ بينَهما وسَوَّيْت، وتساويا في كذا أي تعادلا فيه، ويُقال: هذا لا يُساويه أي لا يُعادله. (1)
أمّا في الاصطلاح:
فنجد أنّ كلمة مساواة هي كلمة عامة وشاملة، وهي من المبادئ السامية، والشعارات الجميلة التي ينادي بها العلماء والمصلحون(2)، فالمساواة تعني: "جعل أشياء على مستوى واحد وانعدام الفروق بين الناس من الوجهة القانونية"(3).
ومن هذا التعريف يتبيّن المقصود من مساواة المرأة بالرجل، وهو عدم وجود الفروق الفردية، وتساويهما من جميع الجوانب (النفسيّة والصحيّة والجسميّة...).
كما أنّها تعني النظر إلى الجنسين على أنّهما متساويان في طبيعتهما البشرية، وأنّه ليس لأحدهما من مقومات الإنسانية أكثر ممّا للآخر، وأنّه لا فضل لأحدهما على الآخر بحسب عنصره الإنساني وخلقه الأول، وأنّ المفاضلة بين أي رجل وأيّة امرأة إنمّا تقوم على أمور أخرى خارجة عن طبيعتهما، وهي الأمور المتعلقة بالكفاية والعلم والأخلاق... وما إلى ذلك، كما هو شأن المفاضلة بين الرجال أنفسهم بعضهم من بعض (4).
وتعني المساواة أيضاً: ألاّ يكون هناك تمايز واختلاف بين الأفراد على أساس الجنس وبصفة خاصة فيما يتعلق بتوزيع الموارد والعائدات وتوفير الخدمات، والحقوق والواجبات، وذلك حسب مؤشرات خاصة توجد المساواة بين النوع، إضافة إلى أنّها: تعني المساواة في الفرص والنتائج بين أفراد المجتمع، فالمتأمّل لقرار الأمم المتّحدة الخاص بالقضاء على كلّ أنواع التمييز ضد المرأة ينبغي أن يفهم بصورة واسعة بأنّه يشير إلى ضرورة المساواة في الفرص والواجبات وفي الحياة العمليّة، بل وفي كلّ نشاط من أنشطة الحياة المختلفة، وعلى نطاق القطاعات الاقتصادية المختلفة(5).
فلقد نصت مواثيق وإعلانات ومؤتمرات الأمم المتحدة على قضية مساواة المرأة بالرجل دون أي تمييز كما جاء في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) في المادة رقم واحد صفحة ثمانية.
فالخلاصة: أنّ المساواة بين المرأة والرجل هي: التساوي بين المرأة والرجل في حق التعليم والعمل والزواج والاقتصاد والسياسة، بحيث لا يكون هناك أيّة فروق بينهما لا من الناحية الجسميّة ولا النفسيّة ولا غيرها، فلها مثل ما للرجل تماماً.
لكن بقي سؤال هنا.. هل هذه اللفظة "المساواة" صحيحة ومقبولة من الناحية الشرعية بل وحتى من الناحية العقليّة؟
إنّ أحكام الله الشرعيّة كلها مشتملة على التسوية بين المتماثلين وإلحاق النظير بنظيره واعتبار الشيء بمثله، والتفريق بين المختلفين، وعدم تسوية أحدهما بالآخر. كما فطر الله عباده على أنّ حكم النظير حكم نظيره، وحكم الشيء حكم مثله، وعلى إنكار التفريق بين المتماثلين، وعلى إنكار الجمع بين المختلفين، والعقل والميزان الذي أنزله الله شرعاً وقدراً يأبى ذلك(6).
ونجد أنّ المرأة والرجل بينهما فروق واختلافات كثيرة، فكيف نسوي بينهما؟ ولقد ثبت ذلك في كتاب الله، فلقد أشار القرآن الكريم إلى وجود بعض الفوارق بين الجنسين، قال - تعالى -: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [ آل عمران:36]، وفيها دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى، فهو أقوى في الخدمة، وهي للينها وضعفها لا تستطيع ذلك لما يعتريها من الحيض والنفاس(7)، كما يكون معناها أيضاً ليس الذكر كالأنثى فيما يصلح له كل منهما(
.
ولا تنحصر الفروق بين الجنسين في التكوين البدني فقط، بل تمتد لتشمل التكوين النفسي والعقلي والعاطفي أيضاً(9)، فقد أثبت أهل التشريع والطب أنّ الأجهزة الخاصة بالذكر والأنثى تختلف أشد الاختلاف، لدرجة أنّه يرجع لأصل الخلية، فالمرأة تحيض ويعتريها النفاس والرضاعة، والرجل أقوى صلباً، وهي أرق عاطفة ومهيأة لوظيفة الأمومة، وطول الرجل يزيد على طول المرأة في المتوسط (10 سنتيمترات)، وهيكلها العظمي أخف من هيكله، وتختزن الدهون أكثر من الرجل، كما أنّ خلايا مخ الرجل أكثر تلفيفاً وأكبر من خلايا مخ المرأة، والجهاز التنفسي عند الرجل أكثر امتصاصاً للأكسجين، كما أنّ المضغ عند المرأة أقوى من الرجل لأنّها تتحكم باللسان أكثر منه، وعندها القدرة على السمع والتذوق وعلى الرؤية في الليل والضوء الخافت والقدرة على سماع التوترات الصوتية أعلى من الرجل، كما أنّ المرأة في الحيض تقل درجة حرارة جسمها ويتباطأ النبض وينقص ضغط الدم وتصاب الغدد الصماء بالتغيرات وتصاب بصداع، وتقل درجة التركيز عندها، ونسبة النّساء اللاتي يعانين من هذه الأعراض في فترة الحيض هي(75%)، يقول "جب هارد": "قلّ من النساء من لا تعتل بعلة في المحاض، ووجدنا أكثرهنّ يشكين من صداع ووجع أسفل البطن، وقلة الشهوة للطعام، ويصبحن مائلات للبكاء، وتؤثر هذه على حالتهن الذهنية"(10).
كما تتفوق النساء على الرجال في قدرتهن على سماع الأصوات الخافتة، أما الرجال فيستطيعون تحديد مصدر الصوت ومكانه بشكل أفضل من النساء. فهلا فكرنا في مسألة رعاية الرضيع ومسألة الصيد! (11) وغيرها من الفروق التي لا مجال لذكرها هنا للاختصار(12)، ولعل من أبرز الذين ألَّفوا في بيان الفارق بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل هو "جون غراي" في كتابه المشهور (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة).
يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "وهنا يجب أن ننبه على أنّ من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة، وهذا خطأ؛ لأنّ المساواة تقتضي التسوية بين شيئين الحكمة تقتضي التفريق بينهما، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة ساووا بين الذكور والإناث باسم المساواة، لكن إذا قلنا العدل وإعطاء كل واحد ما يستحقه صارت العبارة سليمة، ولم يأت في القرآن أنّ الله يأمر بالتسوية لكن العدل، وأخطأ على الإسلام من قال الإسلام دين المساواة، بل هو دين عدل، وهو الجمع بين المتساويين والتّفريق بين المفترقين، لهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة (قل هل يستوي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)(الرعد:16)، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9)، فالمساواة مرفوضة" (13).
يتبيّن من هذا أنّ هناك فرقاً بين المطالبة بالعدل وبين المطالبة بالمساواة، فالعدل حقيقة هو ما تحتاجه المرأة، وهو أن تعطى حقها كاملاً بما يناسب فطرتها وطبيعتها لا أن تتساوى مع الرجل في كل شيء، فهذا ظلم لها للفروق بينهما، فكيف يتساويان!!
ــــــــــــــــــــ
1) ينظر: مختار الصحاح، ص:158، ولسان العرب، ( )، والمعجم الوسيط، (1/466).
(2) ينظر: قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية، فؤاد العبد الكريم، ص:182.
(3) المنجد في اللغة العربية المعاصرة، مادة سوي.
(4) ينظر: تسوية الإسلام بين الرجل والمرأة، د. عبد الواحد وافي، ص:7.
(5) ينظر: موقع أمان المركز العربي للمصادر والمعلومات حول العنف ضد المرأة، مصطلحات ومفاهيم.
(6) ينظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، (2/330).
(7) ينظر: تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص:129، ومختصر تفسير البغوي (2/116).
(
ينظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا، (3/255).
(9) ينظر: الموسوعة الطبية الفقهية، أحمد كنعان، ص:108.
(10) شريط ليس الذكر كالأنثى، للمنجد.
(11) ينظر: الإسلام في الألفية الثالثة، لمراد هوفمان، ص:166.
(12) راجع الموسوعة الطبية الفقهية، أحمد كنعان، (أنثى-ذكر).
(13) شريط ليس الذكر كالأنثى، للمنجد