قوة الإيمان وقوة الطغيان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام المجاهدين محمد - صلى الله عليه وسلم - الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير.
فعندما نقرأ سورة الأنفال فإن أعيننا تقف على معان عجيبة، ومن أهم هذه المعاني، انه إذا كان للطغيان قوة، فإن للحق قوة أيضاً أكبر وأقوى من قوة الطغيان.
خرج المسلمون في هذه الغزوة (غزوة بدر) هدفهم ومبلغ جهدهم هذه الفئة القليلة التي كانت في قافلة أبي سفيان، ولكن الله قدَّر شيئاً آخر، وهو أن يقابل المسلمون قريش بقوتها وعدتها، والتي أخرجت فلزات أكبادها، وقوادها وجنودها. أصاب المسلمون الهم والحزن الشديدان حتى عبَّر الله عن ذلك بقوله: ((يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون))[الأنفال: 6]، ولكنَّ الله أراد شيئاً آخر، أراد الله أن تكون بدراً قصة تتلى إلى يوم القيامة تعبِّر عن إرادة الله وإرادة الناس، تعبر عن قوة الإيمان وقوة الطغيان، أراد الله أن تكون بدرا ملحمة تتدارسها الأجيال جيلا بعد جيل، وليست مجرد غنيمة اغتنمها المسلمون، وصدق قوله - تعالى -: ((ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) [(7) (
الأنفال]، وقوله - تعالى -: ((فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى))[الأنفال: 17].
وإذا نظرنا اليوم فإننا نرى أن الباطل أعد قوته، وشحذ همته، وحشد جنده وعدته في مقابلة الحق، هذه القوة تمثلت في:
- حرب ضروس على كل من يدين بالإسلام في كل مكان.
- الحول بين المسلمين وبين تطبيق شعائرهم، وتطبيق أحكام دينهم.
- استخدام وسائل القمع والإرهاب للحيلولة دون وصول المصلحين إلى أهدافهم.
- إشاعة روح اليأس والقنوط في نفوس المسلمين وخصوصاً الشباب منهم.
- الحيل بين المسلمين وبين فهم دينهم ومبادئ شريعتهم الوسطية والشمولية.
- نشر الرذائل والمنكرات وتغييب المسلمين عن مهمتهم في الحياة.
- تجفيف المنابع وتجهيل المسلمين بتاريخهم وماضيهم.
- التضييق والتقتير في وسائل المعيشة.
هذه هي قوة الطغيان، والسؤال أين قوة أهل الإيمان ؟.
• الإيمان بالله أقوى الأسلحة.
قال - تعالى -: ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين))[آل عمران: 139].
فهل تستطيع أمة مقاومة الظلم والطغيان ؟، وهي بعيدة عن ربها، وبعيدة عن تعاليم دينها ونهج نبيها. وهل ينصر الله أمة؟ قد أصيبت بالوهن نتيجة لحبها للدنيا وكراهية الموت.
وهل تنتصر أمة؟ انتشرت فيها الرذائل والمنكرات دون أن يوجد من يقضي على هذه الرذائل، ويحارب هذه المنكرات، وأسلحة الإيمان تتمثل في:
- حب لله ولرسوله دونهما كل حب.
- مسارعة إلى الطاعات، واغتنام الأوقات.
- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
- استشعار المسئولية وعظم التبعة.
- استشعار الأجر والثواب الجزيل من الله.
- نشر قيم الخير في المجتمع، ومقاومة قيم الشر.
• واعدوا لهم ما استطعتم من قوة.
وذلك عن طريق:
-العمل المتواصل الذي لا يتخلله قعود أو كسل.
- الإرادة القوية التي لا يتطرق إليها ضعف.
- الإخلاص الشديد الذي لا يعتريه تلوُّن أو غدر.
يقول الإمام البنا - رحمه الله -: "إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفَّر الإخلاصُ في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووُجد الاستعدادُ الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها".
• الأمل في نصر الله عز وجل.
قال - تعالى - في سورة غافر : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) [الآية 51)].
وهذا وعد للمؤمنين بأن الله ناصرهم على من ظلمهم في الحياة الدنيا بأن يوقع الظالم في سوء عاقبة أو بأن يسلط عليه من ينتقم منه بنحو أو أشد مما ظلم به مؤمنا.
قال - تعالى -: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)[الصف-8]
وقال - تعالى -: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا)[الفتح-28].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله زوي لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض))[رواه مسلم وأبو داوود].
وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم -: ((ليبلغن هذا الأمر أي الإسلام - ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل، عزا يعز الله به أهل الإسلام وذلا يذل الله به الكفر))[حديث حسن].
قال - تعالى -: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)[الروم-47] وقال - تعالى -: (ألا إن نصر الله قريب)[البقرة-214] وقال - تعالى -: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)[جزء من الآية249- البقرة].