اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
 وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام  Oooo14
 وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام  User_o10

 وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام  Empty
مُساهمةموضوع: وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام     وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام  Emptyالخميس 21 مارس 2013 - 21:10

وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة، وأنهى بالموت آمال القياصرة، فنقلهم بعظمة الموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم في الطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب، - سبحانه -!! اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ونبرأ من الأمل إلا فيك، ونبرأ من التسليم إلا لك، ونبرأ من التفويض إلا إليك، ونبرأ من التوكل إلا عليك، ونبرأ من الصبر إلا على بابك، ونبرأ من الذل إلا في طاعتك، ونبرأ من الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين، ونبرأ من الرهبة إلا لجلالك العظيم. اللهم تتابع برك، واتصل خيرك، وكمل عطاؤك، وعمت فواضلك، وتمت نوافلك، وبر قسمك، وصدق وعدك، وحق على أعدائك وعيدك ووعدك، ولم تبق حاجة لنا إلا قضيتها ويسرتها يا أرحم الراحمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو جبار السموات والأرض، لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره، هو الأول فلا شيء قبله، وهو الآخر فلا شيء بعده، وهو الظاهر فلا شيء فوقه، وهو الباطن فلا شيء دونه وهو على كل شيء قدير، صاحب الملك والملكوت، صاحب العزة والجبروت، الذي كتب الفناء على جميع خلقه وهو الحي الباقي الذي لا يموت.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وعبد ربه حتى لبى داعيه، وجاهد في سبيله حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين، حتى علَّم الجاهل، وقوَّم المعوج، وأمَّن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار.

فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الأحبة الكرام: تلبيةً لرغبة أحبابنا وإخواننا في الله - جل وعلا -؛ فأنتم اليوم في موعدٍ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين التكريم والموت، وما أحلى أن يكون اللقاء مع رسول الله، وما أجمل أن يكون الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو إمام الأنبياء، وإمام الأصفياء، وإمام الأتقياء، وخاتم الأنبياء، وسيد المرسلين، وقائد الغر الميامين، وقائد الغر المحجلين، وصاحب الشفاعة العظمى يوم الدين.

هو صاحب المقام المحمود، وصاحب اللواء المعقود، وصاحب الحوض المورود، وصاحب الشفاعة العظمى يوم الدين، شرح الله له صدره، ورفع الله له ذكره، ووضع الله عنه وزره، وزكاه ربه في كل شيء؛ زكاه في عقله فقال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) [النجم: 2].

وزكاه في صدقه فقال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) [النجم: 3].

وزكاه في علمه فقال: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: 5].

وزكاه في فؤاده فقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) [النجم: 11].

وزكاه في بصره فقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) [النجم: 17].

وزكاه في صدره فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح: 1].

وزكاه في ذكره فقال: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح: 4].

وزكاه كله فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم) [القلم: 4].

فهو إمام الأنبياء، هو حبيب الله، وهو خليل الله، وهو أكرم الخلق على الله - جل وعلا -، فما أحلى أن يكون اللقاء معه، وما أجمل أن يكون الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوالله الذي لا إله غيره ما خلق الله من خلقه رجلاً أحب إليه من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما من نبي بعثه الله -أيها المسلمون- إلا وقد أخذ الله عليه العهد والميثاق أن يؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث في وجود هذا النبي كما قال ربنا - جل وعلا -: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81].

وإذا بعث الله محمداً في وجود هذا النبي وجب على هذا النبي أن يذهب إلى رسول الله وأن يؤمن به وأن ينصره: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81]، وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم والإمام الترمذي وأحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فضلت على الأنبياء بستٍ: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب -وفي رواية البخاري: ونصرت بالرعب مسيرة شهر- وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الناس كافة، وختم بي النبيون)) - صلى الله عليه وسلم -.

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلاّ وضعت هذه اللبنة)) أي: لو وضعت هذه اللبنة لتم لهذا البنيان كماله وجماله وجلاله، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين))...

وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم، والإمام أبو داود، والإمام أحمد من حديث أبي هريرة -أيضاً- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع ومشفع يوم القيامة))، ففي يومٍ يا عباد الله! يزداد همه وكربه على جميع الناس حتى على أنبياء الله ورسله - جل وعلا - ((تدنو الشمس من الرءوس فتغلي رءوس لحرارتها -والعياذ بالله-، ويؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها))، كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود.

فإذا ما رأت جهنم الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب الله - جل وعلا -، فحين يراها الخلائق بهذه الكيفية وهذا الحال لا يقوى مخلوق على أن يقف على قدميه فيخر كل مخلوق جاثياً على ركبه: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) [الجاثـية: 28]، في هذا اليوم العصيب الرهيب يزداد الهم والكرب على خلق الله، وعلى عباد الله، فيقول بعض الناس لبعض -كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد، وهذا لفظ أحمد من حديث أبي هريرة - يقول بعض الناس لبعض: ((ألا ترون ما نحن فيه، ألا ترون ما قد بلغنا، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيأتون آدم - عليه السلام -، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول آدم - عليه السلام -: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد عصيت الله - عز وجل - وطردت من الجنة بمعصيتي، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً - عليه السلام - ويقولون: يا نوح، أنت أول رسل الله إلى الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح - عليه السلام -: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كان لي دعوة فدعوت بها على قومي، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم الخليل؛ فيأتون إبراهيم - عليه السلام -، فيقولون: يا إبراهيم، أنت خليل الله، وأنت رسول الله، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول إبراهيم - عليه السلام -: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولم يغضب بعده مثله، ثم يذكر كذباته الثلاث -التي شرحناها في اللقاء الماضي كما صح بها الحديث في البخاري ومسلم-، ثم يذكر كذباته الثلاث ويقول: نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى - عليه السلام - ويقولون: يا موسى، أنت رسول الله، اصطفاك الله على الناس برسالاته وبكلامه، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول موسى -عليه السلام-: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي.. نفسي.. نفسي.. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى - عليه السلام - ويقولون: يا عيسى، أنت روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك، فيقول عيسى - عليه السلام -: نفسي.. نفسي.. نفسي.. -ولم يذكر عيسى شيئاً- اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -)).

يقول الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: ((فيأتوني في أرض المحشر، فيأتوني يوم أن قال كل رسول: نفسي، ويوم أن قال كل نبي: نفسي، -يقول - صلى الله عليه وسلم -: فيأتوني ويقولون: يا رسول الله، أنت خاتم الأنبياء، وأنت رسول الله، خلقك الله - عز وجل - وفضلك على جميع الأنبياء، فغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ألا ترى ما نحن فيه يا رسول الله، ألا ترى ما قد بلغنا؟ اشفع لنا إلى ربك)).

يقول الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: ((فأقوم وأقول: نعم، أنا لها، أنا لها، فآتي تحت عرش الرحمن وأخر ساجداً لله - جل وعلا -، فيفتح الله عليَّ بمحامد ويلهمني من الثناء ما لم يفتح به على أحد قبلي، فينادي عليه الحق - جل وعلا - ويقول: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فيقول الحبيب: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فيقول الله - تعالى -: قد شفعتك يا محمد، ارجع فإني آتيكم لأقضي بينكم)) وصدق الله - جل وعلا - إذ يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، ((يا ربي لقد وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك))، وهذه هي أعظم شفاعات المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، فيشفع الحبيب لجميع الخلق في أرض المحشر؛ ليقضي الله - جل وعلا - بين خلقه وعباده، فهو حبيب الله، وهو خليل الله، وهو أكرم الخلق على الله -جل وعلا-.

ظل الحبيب مكرماً إلى أن نزل عليه -يا عباد الله، وأصغوا السمع والقلب- إلى أن نزل عليه قول الله - تعالى -: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) [النصر: 1-3]، أخرج الإمام الطبراني من حديث جابر بن عبد الله أنه قال: "لما نزلت هذه السورة على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل - عليه السلام -: ((يا جبريل، أرى أنه قد نعيت إليَّ نفسي بهذه السورة يا جبريل، فقال جبريل: يا رسول الله! والآخرة خير لك من الأولى)).

نعم أيها الأحباب: وفي أول شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشرة لهجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - يشتكي بألم شديد وصداع شديد في رأسه، وكان أول ما ابتدأ به من شكوى أنه ذهب إلى بقيع الغرقد كما ورد في الحديث الذي رواه ابن إسحاق وابن سعد في الطبقات، وابن جرير وابن كثير والإمام أحمد وأبو داود وغيرهم من حديث أبي مويهبة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو مويهبة: "بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل وقال: يا أبا مويهبة! لقد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، فانطلق معي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما وقف بين أظهرهم سلم على أهل البقيع فقال: ((السلام عليكم يا أهل المقابر، هنيئاً لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، وآخرها أشر من أولها))، ثم التفت إليَّ وقال: ((يا أبا مويهبة، لقد أعطيت -أو أوتيت- مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة))، فقال أبو مويهبة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقال الرسول: ((لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة))، يقول: ثم استغفر لأهل البقيع، وعاد إلى بيت عائشة - رضي الله عنها - فوجدها تقول: وارأساه، رأسي يا رسول الله، أحس بألمٍ شديدٍ في رأسي، فأمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه الشريف وقال: ((بل أنا والله يا عائشة وارأساه))، أحس بألمٍ شديد في رأسي يا عائشة، فنسيت عائشة ألمها - رضي الله عنها - وقامت لترقي المصطفى - صلى الله عليه وسلم –"، ورد في صحيح البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، فمسح بها على جسده، فلما اشتكى في مرضه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات، وأمسح بيده الشريفة على جسده"، وفي رواية مالك: "رجاء بركة يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم –"، وفي رواية مسلم: "لأن يده أعظم بركة من يدي"، ومسحت جسد الحبيب بيد الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وهي تقرأ عليه المعوذات.

واشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الألم والوجع، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ليطوف على نسائه، فاشتد به الألم في بيت ميمونة - رضي الله عنها - فاستدعى نساءه واستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة -وكانت أحب أزواجه إليه-، فأذن له في ذلك -رضي الله عنهن جميعاً-، وعاد الحبيب إلى بيت عائشة وهو يتكئ على العباس وعلى علي من شدة الألم والوجع، ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت عائشة - رضي الله عنها - وقد اشتد به الألم والوجع، وفزع الصحابة، وقلق الناس قلقاً بالغاً، وخاف الناس خوفاً شديداً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك قال: ((هريقوا عليَّ من سبع قرب من الماء)) كما ورد في حديث البخاري من حديث عائشة: ((هريقوا عليَّ من سبع قرب من الماء))، تقول عائشة: فأجلسناه في مخضب -أي: في طست أو إناء - لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذنا وطفقنا نصب عليه الماء حتى قال بيده: ((قد فعلتن، قد فعلتن))، وفي رواية ابن إسحاق: ظل يقول لهن - صلى الله عليه وسلم -: ((حسبكن حسبكن)) -أي: كفى- فأحس الحبيب - صلى الله عليه وسلم - بنشاط، فعصب رأسه - عليه الصلاة والسلام -، وخرج إلى الصحابة - رضي الله عنهم - وقد فزعوا فزعاً شديداً، وقلقوا قلقلاً شديداً، وحزنوا على مرض رسول الله، وخافوا على فراقه - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إليهم وصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، والتف الصحابة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخطب فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال بعدما حمد الله - عز وجل - وأثنى عليه، وصلى على نفسه - صلى الله عليه وسلم -، واستغفر لأهل أحد، وصلى عليهم، وأكثر عليهم الصلاة، وأكثر لهم الدعاء، ثم قال: ((أيها الناس، إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، أيها الناس، إني لا أخشى أن تشركوا بعدي؛ ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم))، ثم قال: ((أيها الناس، إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله))، فبكى الصديق - رضي الله عنه - وارتفع صوته بالبكاء، وعلم أن العبد المخير هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع يديه إلى رسول الله وقال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فديناك بآبائنا، فديناك بأمهاتنا، فديناك بأموالنا، فديناك بأنفسنا يا رسول الله، فضج الصحابة وقاموا على أبي بكر - رضي الله عنه -، وقالوا: عجباً لهذا الشيخ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم عن عبدٍ خير بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله - عز وجل -، فلماذا يبكي هذا الشيخ؟! ولكن الصديق كان أعلم الصحابة برسول الله، وعلم أن العبد المخير هو المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فبكى، فقام الناس على أبي بكر - رضي الله عنه -، فقال الحبيب: ((على رسلك يا أبا بكر..، أيها الناس: إن أمنَّ الناس عليَّ بصحبته وماله أبو بكر، كلكم كان له عندنا يد كافأناه بها إلا الصديق فإنا تركنا مكافأته لله - عز وجل -، ولو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة وصحبة، أيها الناس: انظروا إلى هذه الأبواب التي تنفذ إلى المسجد سدوها من اليوم إلا باب أبي بكر - رضي الله عنه -))، وكما جاء في بعض الروايات رواها البزار وغيره: ثم نظر إليهم - صلى الله عليه وسلم - وبكى، فبكى الصحابة - رضي الله عنهم - وقال لهم: ((حياكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رزقكم الله، أيدكم الله، إني أحذركم الله، إني لكم نذير مبين))، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أقرئوا مني السلام من تبعني إلى ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة)) -وعليك السلام يا رسول الله- فبكى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعاد الرسول وهو يتكئ على العباس وعلى علي - رضي الله عنهما - فدخل بيت عائشة - رضي الله عنها -، واشتد به الوجع، واشتد به الألم، وزاد به المرض، وزادت عليه الحمى - صلى الله عليه وسلم -، تقول عائشة - رضي الله عنها -: دخل عليه عبد الله بن مسعود -كما ورد في صحيح البخاري - فوجد الحمى تشددت برسول الله، فقال: يا رسول الله، إني أراك توعك وعكاً شديداً، فقال الرسول: ((أجل يا عبد الله، إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم))، قال عبد الله: ذلك وأن لك لأجرين يا رسول الله، قال: ((نعم، يا عبد الله، فما من مسلم يصيبه أذى حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بها من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها))، تقول عائشة - رضي الله عنها -: وأنا مسندة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري -كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري - تقول: جمع الله بين ريقي وريقه عند الموت، ولقد جلست وأسندت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري، فدخل عليَّ عبد الرحمن بن أبي بكر بيده سواك، فرأيت رسول الله ينظر إلى السواك، فعرفت أنه يحب السواك، فقلت: يا رسول الله، آخذ لك السواك، فأشار برأسه أن نعم، فأخذت السواك فقضمته ثم لينته، ثم طيبته، ثم دفعته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستاك به جيداً كأشد ما يستاك قبل ذلك، فأخذت منه السواك، واستكت به، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، فكان هذا هو آخر عهدي بريق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. واشتد الألم ودخلت فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - وأرضاها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الرسول يحبها حباً شديداً، فكانت أشبه الناس به، وكانت أحب الناس إليه؛ لأنها هي التي أصابها الله - جل وعلا - بموته، أما جميع أخواتها متن قبل موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانت إذا ما دخلت عليه في حال صحته قام إليها وقبلها بين عينيها، وأجلسها في مجلسه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع القيام، فلما دخلت عليه ووجدته يعاني الألم والمرض أكبت عليه تقبله وهي تبكي، وهي تقول: واكرب أبتاه، واكرب أبتاه، والرسول يقول لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، فسارها النبي - صلى الله عليه وسلم -أي: التقم أذنها وأعطى لها سراً- فبكت فاطمة - رضي الله عنها - وانطلقت، فنادى عليها فعادت إليه، فقال لها سراً آخر فضحكت، فلما سئلت عن ذلك؟ قالت: أخبرني أنه سيموت في وجعه هذا، فبكيت، ولما عدت إليه أخبرني أني أول أهل بيته لحوقاً به فضحكت واستبشرت لذلك.

وفي رواية أخرى قال لها: (يا فاطمة، إن جبريل كان يعاودني القرآن في كل عام مرة، وأراه قد عاودني القرآن في هذا العام مرتين، وما أراه إلا قد اقترب أجلي يا فاطمة))، فبكت فاطمة - رضي الله عنها -، فقال لها الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: ((يا فاطمة، إني أعلم أنك أشد نساء المسلمين مصاباً بي بعد موتي، فلا تكوني أقل امرأة منهن صبراً، فاصبري يا ابنتي واحتسبي أجرك عند الله))، فخرجت فاطمة تبكي وهي تقول: احتسبتك عند الله يا رسول الله، احتسبتك عند الله يا رسول الله، احتسبتك عند الله يا رسول الله، وخرجت فاطمة تبكي - رضي الله عنها -.

تقول عائشة - رضي الله عنها -: وفي يوم الاثنين الذي توفي فيه الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، خرج والمسلمون يصلون صلاة الفجر -على الصحيح-، فكشف الستر، ووقف على باب عائشة - رضي الله عنها -، فلما رأى الصحابة رسول الله خرج إليهم ووقف على الباب؛ كادوا أن يفتنوا في الصلاة، وفرحوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعلم الصديق أنهم ما فعلوا ذلك إلا لرؤيتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهم الصديق أن ينصرف إلى الخلف؛ ليخلي مكان الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، فلقد أمره الرسول أن يصلي بالمسلمين في مدة مرضه - صلى الله عليه وسلم -، وهم الصديق أن يتأخر، فأشار إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن اثبتوا، وابتسم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - لما رأى من حسن هيئتهم في الصلاة، وأرخى الستر، وكأن الرسول أراد أن يلقي على أصحابه نظرة الوداع، وكانت آخر نظرة نظرها إلى أصحابه - صلى الله عليه وسلم -. أرخى الستر، ودخل إلى بيت عائشة ولا يدري أحد أن اللحظات الأخيرة من عمر الحبيب - صلى الله عليه وسلم - بدأت تتلاشى وتنتهي، عاد الحبيب وإذ بملك الموت ببيت الحبيب، انتهى الأجل يا رسول الله، انتهى الأجل يا حبيب الله، ملك الموت الآن في بيت المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله في حجر عائشة بين سحرها ونحرها -رأسه على صدرها - صلى الله عليه وسلم - وملك الموت في الدار، واقترب الأجل، وانتهت اللحظات الأخيرة من أشرف عمرٍ من عمر الحبيب - صلى الله عليه وسلم -.

نعم، أقبل يا ملك الموت انتهى الأجل كما حدده الله، أقبل يا ملك الموت، ويقبل ملك الموت ليعالج أطهر روح على ظهر الأرض، ليقبض أشرف روح، لينادي على روح المصطفى: يا أيتها الروح الطيبة، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، وربٍ راضٍ عنك غير غضبان، أخرجي يا روح محمد بن عبد الله أطهر روح وأشرف روح (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27-30] وتخرج روح الحبيب، تقول عائشة - رضي الله عنها -: مات رسول الله بين سحري ونحري، فرأيته رفع إصبعه إلى السماء وهو يقول: ((بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى))، فعلمت أنه يخير؛ لأنه أخبر بذلك - صلى الله عليه وسلم -.

وهكذا أيها الأحباب، خرجت روح الحبيب إلى خالقها (إلى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر: 55]، إلى جنة الله - جل وعلا -، إلى النعيم الأبدي المقيم، إلى دار الخلد، مات رسول الله، مات حبيب الله، مات إمام الأنبياء، مات إمام الأصفياء، مات إمام الأتقياء، مات سيد العالمين، مات سيد المرسلين. فسقطت يده - عليه الصلاة والسلام - فعلمت أنه مات، فخرجت تبكي وتصرخ، فقابلها عمر فعلم أن الأمر قد وقع، وعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات، ولكنه لا يصدق؛ لا يصدق عقله، ولا يصدق هذه الحقيقة أبداً، فخرج ورفع سيفه في وسط الناس، في وسط هذه الجموع الملتهبة، في وسط هذه الجموع التي تصرخ وتبكي، وقال: "والله إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد مات، فوالله ما مات رسول الله، لقد ذهب إلى لقاء ربه كما ذهب موسى بن عمران إلى لقاء الله، وغاب عن قومه أربعين يوماً وعاد مرة ثانية، ورسول الله ما مات وسيعود، وليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات"، وعمر بن الخطاب يصيح ويصرخ، وسمع علي بن أبي طالب الخبر فشلت قدماه، وقعد على الأرض ولم يستطع القيام، وسمع عثمان بن عفان الخبر فخرس لسانه، وكان يذهب به ويؤتى به وهو لا يتكلم ولا ينطق، وأذهل العالمون - أذهل الناس جميعاً- وأذهل أصحاب الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، وأيد الله المنصور أبا بكر - رضي الله عنه - عاد من منـزله بالسنح، وكان في يوم الاثنين قد استأذن رسول الله لما رآه قد طل عليهم من وراء الستر؛ استأذنه أن يذهب إلى بيته بالسنح إلى زوجه هناك، فأذن له الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلما سمع الخبر عاد إلى بيت الحبيب -إلى بيت عائشة - وعمر بن الخطاب يصرخ في هذه الجموع، وعثمان بن عفان لا ينطق ولا يتكلم، وعلي جالس في الأرض لا يقوى على القيام، فلم يلتفت الصديق إلى شيء ودخل على جثمان الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، اليوم تدخل على جثمان الحبيب يا أبا بكر، وقد كنت في الأمس القريب تدخل على سيد الخلق وحبيب الخلق، وأنت اليوم تدخل على جثمان مسجى يا أبا بكر، فدخل الصديق إلى جثمان الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وكشف الغطاء عن وجهه، وجلس على ركبتيه أمام الحبيب فقبله بين عينيه وهو يبكى - رضي الله عنه - وقال: "طبت حياً وميتاً يا رسول الله، أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فقد ذقتها فلا ألم عليك بعد اليوم يا رسول الله"، ثم بكى الصديق - رضي الله عنه - وقال: يا حبيبي، لقد انقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء، جللت يا حبيبي عن البكاء، واصفياه، واخليلاه، وانبياه، وخرج الصديق - رضي الله عنه - الذي أيده الله بمدد من عنده، وثبته الله - عز وجل -، خرج وعمر بن الخطاب يصرخ فقال: على رسلك يا عمر، أمسك يا عمر، أمسكوا أيها الناس، وعمر يأبى إلا أن يتكلم، يصرخ في الناس، ويقول: من قال بأن محمداً قد مات لأعلونه بسيفي هذا، فلما رأى الناس الصديق - رضي الله عنه - يريد أن يتحدث انصرف الناس عن عمر، وأقبلوا على أبي بكر - رضي الله عنه -، فوقف الصديق - رضي الله عنه - ليعلن الحقيقة الكبرى في هذا الوجود كله: "أيها الناس، أيها الناس، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت"، ثم تلا قول الله - جل وعلا -: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144]، يقول أبو هريرة: فأخذها الناس من أبي بكر وكأنهم لم يسمعوها قبل اليوم، وكأنهم لم يعلموا أنها أنزلت، فانطلق الناس جميعاً وهم يرددون هذه الآية، كلٌ مشى وهو يتلو قول الله - تعالى -: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144]، يقول عمر بن الخطاب: فلما سمعتها، وعلمت أن رسول الله قد مات عقرت -وقعت على الأرض- ولم تستطع قدماي أن تحملاني، وعلمت أن رسول الله قد مات".

وكفن الحبيب - صلى الله عليه وسلم - في ثيابه، وقد اختلفوا هل نجرده من ثوبه، أم نغسله في ثوبه؟ فسمعوا منادياً -كما ذكرت جميع كتب السير- سمعوا منادياً ينادي: أن غسلوا رسول الله في ثوبه، لا تجردوا رسول الله أبداً، فغسلوا الحبيب - صلى الله عليه وسلم - في ثوبه، وكانوا يصبون عليه الماء وعلي - رضي الله عنه - يغسله - صلى الله عليه وسلم - من على الثوب لا تمس يده جسد الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، وغسل الحبيب، وكفن الحبيب، ودفن الحبيب في غرفته التي مات فيها في حجرة عائشة - رضي الله عنها -، ويا له من شرفٍ لعائشة - رضي الله عنها - أن يدفن الحبيب في غرفتها، وفي حجرتها، وفي بيتها.

ودفن الحبيب، وصلت عليه الملائكة، وصلى عليه الصحابة، وأهل بيته الأقرب فالأقرب، ولما صلي عليه ودفن وسمعت أصوات المساحين في الليل، وهي تهيل التراب على جسد الحبيب - صلى الله عليه وسلم - صرخ نساء النبي، وضجت المدينة بالبكاء، وضجت فاطمة - رضي الله عنها - وبكت وهي تقول: "وا أبتاه، يا أبتاه، يا أبتاه أجاب رباً دعاه، وا أبتاه إلى جبريل ننعاه، وا أبتاه في جنة الفردوس مأواه"، فنظرت فوجدت أنس بن مالك - رضي الله عنه -، فنظرت إلى أنس وهي تبكي وتقول: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله؟!"، وحان وقت أول صلاة فأذن بلال - رضي الله عنه -، فلما جاء عند قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، بكى بلال - رضي الله عنه - ولم يستطع أن يكمل الأذان فبكى الناس، وضجت المدينة بالبكاء.

وهكذا أيها الأحباب مات الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، والله يا رسول الله، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا رسول الله لمحزنون، وصدق الله - عز وجل - إذ يقول: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].

اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، واجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أيها الأحبة في الله: هكذا مات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والله - تعالى -يقول: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 34-35]، أفإن مت يا محمد فأي مخلوق أن يخلد بعدك؟! لا والله، إنها الحقيقة الكبرى في هذا الوجود.

يا عباد الله: إنها الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين، وعناد الملحدين، وبغيان البغاة المتألهين، إنها الحقيقة التي تسربل بها طوعاً أو كرهاً العصاة والطائعون، بل والأنبياء والمرسلون، إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان والمكان في أذن كل سامع، وعقل كل مفكر؛ أنه لا بقاء إلا للحي الذي لا يموت.

لو شاء الله - جل وعلا - أن يجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوق مستوى الموت وآلام الموت لفعل، ولكنه بشر يموت كما يموت سائر البشر: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) [الأنبياء: 34].

فيا أيها المسلمون: اعتبروا بموت رسول الله، واذكروا مصابكم في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واعلموا أن حب الرسول ليس مجرد دمعات تسكب على الوجنتين لا والله، ولكن حب الحبيب - صلى الله عليه وسلم - اقتفاء لأثره، واهتداء بهديه، والتزام بسنته، وأن نطيعه - صلى الله عليه وسلم - في كل ما أمر، وأن ننتهي عن كل ما نهى عنه النبي وزجر؛ هذه هي محبتنا لرسول الله.

أما أن نقول إننا نحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونكتفي بأن ننتج له القصائد والأشعار على منوال حب عنتر لـعبلة، أو قيس لـليلى -والعياذ بالله-، ونتوقف عند كلمات العشق والغرام في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذه محبة كاذبة، محبة باطلة، يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: لقد ادعى قوم المحبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فابتلاهم الله بآية المحبة فقال - جل وعلا -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران: 31].

اتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل ما أمر، وانته عن كل ما نهى عنه النبي وزجر، تكون بذلك محباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

اللهم كما آمنا بنبيك ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله.

اللهم أوردنا حوضه الأصفى، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين.

اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته.

اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اجزه عنا خير الجزاء يا رب العالمين.

اللهم توفنا على ملته، واحشرنا تحت لوائه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: السـيرة النبوية-
انتقل الى: