بعيون تملأها الدموع، وذهن شارد من هول الصدمة والمفاجأة، وقلب منفطر حزنًا على الزوج والأبناء، ودعت سوزان مبارك سيدة مصر الأولى سابقًا، نجليها علاء وجمال مبارك، إبان لحظات ترحيلهما إلى سجن طرة بعد قرار النائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود حبسهما 15 يومًا على ذمة التحقيقات في التهم المنسوبة لهما، باستغلال النفوذ وتضخم الثروات، بشكل لا يتناسب مع دخليهما.
فقطعًا كانت لحظات صعبة على الأسرة التي اعتادت العيش في نعيم الحكم، وزهوته وخيلائه، وبلا شك سيظل الثلاثاء 12/4/2011 يوما مسجلا بأحرف من نور في ذاكرة الثوار المصريين، فمنذ بداية الأحداث كان التاريخ يفتح صفحاته ليسجل صفحة من أنصع صفحات التاريخ المصري.
البداية كانت مع تعزيزات أمنية مكثفة من الشرطة والجيش، انتشرت حول مستشفى شرم الشيخ الدولي، التي انتقل إليها مبارك ، مرتديًا ملابس رياضية، "ترينينج سوت"، مقبلا في سيارة خاصة، في تمام الخامسة من مساء الثلاثاء، برفقة زوجته سوزان ثابت، ونجليه علاء وجمال، وفريق طبي مصاحب له، مصحوبين بحراسة مشددة من قوات الجيش والشرطة.
ثم نقل مبارك إلى الطابق الرابع من المستشفى أولا، لإجراء فحوصات شاملة، ثم انتقل إلى الطابق الثالث، حيث غرفة العناية المركزة، بعد أن عانى من اضطراب بنبضات القلب وانخفاض الضغط، واجهه الأطباء بحقنة مع شراء أطعمة مملحة له من محل بحي النور. وبقي مبارك بالعناية المركزة حتى تحسنت حالته وخرج منها، وأكد الأطباء أن حالته الصحية تسمح بالتحقيق معه.
في تلك الأثناء تجمع مئات المتظاهرين من العاملين بمجال السياحة في شرم الشيخ، مطالبين بمحاكمة مبارك ومغادرته شرم الشيخ، ووقعت مشادات ومشاحنات حين طالب البعض بفض تجمعات المتظاهرين أمام مستشفى شرم الشيخ الدولي حتى لا يصورها الإعلام الخارجي كأنها اضطرابات، بما قد يؤثر سلبيا على السياحة، التي بدأت تستعيد بعض عافيتها.
وحاولت الشرطة العسكرية وقوات الأمن إبعاد المتظاهرين عن نطاق المستشفى، لكنهم لم يفلحوا في ذلك، في ظل تزايد إقبال المواطنين، الذين رددوا هتافات تندد بنظام الرئيس السابق وتطالب بمحاكمته وأسرته، وكان من بينها: "يا مبارك يا طيار.. جبت منين 70 مليار، وعاوزين فلوسنا، والحرامي يطلع برَّة".
وبمرور الوقت تزايدت أعداد المتظاهرين أمام مستشفى شرم الشيخ الدولي، وانتقد رضا رجب حمزة، صاحب محل بحي النور، الإجراءات الأمنية المشددة مع مبارك وأسرته، معتبرًا ذلك دليلا على استمرار التعامل معه وكأنه ما زال رئيسًا للجمهورية، وأشار إلى ما كان يجري في السابق من ترحيل الشباب، الذين كانوا يعملون في شرم الشيخ في سيارة ترحيلات لمجرد وجود مبارك وأسرته للاستجمام، وقال: "أهالي شرم الشيخ يرفضون بقاءه".
بينما قال أحمد محمد، عامل بفندق سياحي، إنه يدعو الله أن "يموت مبارك ليحاسبه الله بدلا منا"، وقال أحمد جمعة، أحد المتظاهرين، إنها المرة الأولى التي يشارك في مظاهرة، ويطالب بالحصول على حقه من الأموال التي سُرقت، واستبعد علي سلامة وإكرامي الصادق، وهما من العاملين المتظاهرين، أن تؤثر مثل هذه المظاهرات على السياحة في شرم الشيخ، وقالا: "السياحة ليست مهمة الآن، فالأهم هو نجاح الثورة".
وبحلول الساعة الحادية عشرة مساء، ومع تزايد أعداد المتظاهرين وتعالي الهتافات ضد مبارك وأسرته، لوحظت تحركات لسيارات الأمن المركزي والقيادات الأمنية باتجاه محكمة شرم الشيخ، التي لم تفتتح بعد، وقالت مصادر أمنية إنه تم تجهيزها للتحقيق مع جمال وعلاء مبارك، اللذين اقتيدا في سيارة مصفحة مع جهات التحقيق، بينما ودعتهما أمهما، سوزان، وزوجتاهما، هايدي راسخ وخديجة الجمال، بالدموع والبكاء بصوت عال، مما أثر في بعض الممرضات العاملات بالمستشفى وشاركنهن البكاء.
وزحف عشرات المتظاهرين خلف علاء وجمال، وتزايدت الأعداد حتى بلغت الآلاف أمام محكمة شرم الشيخ، التي لم يتم افتتاحها بعد، واستهلت أعمالها بإجراء أول تحقيق مع جمال وعلاء مبارك، وواصل المتظاهرون هتافاتهم المنددة بالرئيس السابق وأسرته، أثناء التحقيق، وكان من أبرزها: "يا جمال يا مبارك سجن طرة في انتظارك، اوعى تبكي يا أمي يا مصر.. ما خلاص الكلاب غادروا القصر".
ومع انتهاء التحقيقات مع علاء وجمال، لم تستطع الجهات الأمنية والشرطة من إخراج نجلي الرئيس السابق لترحيلهم، وقال أحد الضباط: "اللي جرى في التحقيق معاهم أكثر مما تريدون"، في محاولة منه لتهدئة المتظاهرين، الذين زادت أعدادهم بشكل استلزم استدعاء قوات أمن مركزي وشرطة عسكرية، ولم يختلف الأمر كثيرًا، إلا بعد أن خرج اللواء محمد الخطيب، مدير أمن جنوب سيناء، في الساعة الرابعة فجرًا، وأعلن قرار حبس جمال وعلاء مبارك 15 يومًا على ذمة التحقيقات؛ ليهتف المتظاهرون في سعادة عارمة: "يحيا العدل.. والله أكبر".