اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  القوة في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
 القوة في الإسلام  Oooo14
 القوة في الإسلام  User_o10

 القوة في الإسلام  Empty
مُساهمةموضوع: القوة في الإسلام     القوة في الإسلام  Emptyالثلاثاء 19 مارس 2013 - 10:11

القوة في الإسلام

ملخص الخطبة

1- مذاهب الناس في معنى القوة. 2- القوة الحقيقية. 3- قوة العقيدة ورسوخ الإيمان. 4- القوة في العبادة. 5- القوة في الأخلاق. 6- القوة في الإرادة والعزيمة. 7- ضبط النفس وكظم الغيظ. 8- القوة البدنية. 9- ذم الكسل والخمول. 10- ضرورة التوكل على الله تعالى.

الخطبة الأولى

أمّا بعد:

فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمّد .

قال رسولُ الله : ((المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله منَ المؤمِن الضعيف، وفي كلٍّ خير)) رواه مسلم[1].

ينطلِق كثيرٌ منَ الناس في مفهومِ القوة والضعفِ من منظورٍ مادّي واعتباراتٍ أرضيّة، فهذا يقدِّر القوةَ والضعف بحسَب إقبالِ الدنيا وإدبارها، وآخرُ يقدِّر القوّةَ بممارسةِ الجبَروت والقهرِ والبغيِ والطغيان، وثالث يظنّ القوةَ لمن كان له جاهٌ أو حَظوة من سلطان، ورابعٌ يركَن في قوّته إلى ماله أو ولدِه أو مَنصبِه، وخامِسٌ يستمدّ قوّتَه من إجادةِ فنون المكرِ والكيد والخِداع والقدرةِ على التلوّن حسَب المواقف والأحوال.

والقوّة ليست ذلك، ولكنَّها قوّة العقيدةِ والخلُق، القوّةُ في العبادةِ والسّلوكِ والجِسم والعِلم والصّناعة والتّجارة. تلك القوّةُ التي تتَّجه بجهد الإنسانِ إلى الخير وتقودُه إلى الرَّحمة، وتجعَل منه أداةً يحِقّ الله بها الحقَّ ويبطِل الباطِل.

ومِن أهمِّ عناصر القوةِ قوّةُ العقيدة ورسوخُ الإيمان، فصاحِبُ العقيدة القويّة يؤمن بالله، يتوكَّل عليه، يعتقد أنّه معه حيث كان، تراه تاليًا للقرآنِ ذاكرًا لله تعالى. ومِن أسرار قوّةِ العقيدة أنّه لا يستطيعُ إنسانٌ كائنًا من كان أن يمنعَك من رِزق كتبه الله لك، ولا أن يعطيَكَ رِزقًا لم يَكتُبه الله إليك، بهذا ينقطِع حبلُ اللجوءِ إلى أغنياءِ الأرض وأقويَائِها، ويتَّصِل العبد بحبلِ الله المتينِ، فهو المعطِي المانع والرَّزّاق ذو القوّة المتين، يقول رسول الله لابنِ عبّاسٍ-رضي الله عنه- ما: ((يا غلام، إني أعلِّمُك كلمات: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنّ الأمةَ لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجفَتِ الصحف)) رواه الترمذي[2].

ولِقوّةِ العقيدةِ قال رسول الله لعمرَ بنِ الخطاب-رضي الله عنه- : ((والذي نفسي بِيَده، ما لقِيَك الشيطان سالِكًا فجًّا قطُّ إلاّ سلَك فجًّا غيرَ فجِّك)) رواه البخاري[3].

وهذه فضيلة عظيمةٌ لعمرَ-رضي الله عنه- تقتضِي أنّ الشيطانَ لا سبيلَ له عليه لقوّةِ إيمانه، لا أنّ ذلك يقتضي وجودَ العِصمة.

وبقوّة العقيدةِ والإيمان جعلَ الله لرسوله من الضعفِ قوّةً، والقِلّة كثرةً، ومنَ الفقر غِنى، لقد كان فَردًا فصار أمّةً، وكان أمّيًّا فعلَّم الملايين، وكان قليلَ المال فصار بالله أغنى الأغنياءِ، قال الله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى [الضحى:6ـ8].

المؤمِنُ القوِيّ يتماسَك أمامَ المصائبِ ويثبُت بين يدَيِ البلاء راضيًا بقضاء الله وقدَره، وقد صوَّر هذا رسولُنا بقوله: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرّاء صبرَ فكان خيرًا له)) رواه مسلم[4].

والقوّةُ في العبادةِ بالمحافظة على الفرائِض والاجتهادِ في الطاعات والتّنافس في الخيرات والتقرُّب إلى الله، فلا يمدّ يدَه إلاّ إلى الحلال، ولا يعيشُ إلا في الطاعَةِ والرّضوان، لقد كان رسولُ الله يقوم حتى تفطَّرت قدَماه، لا يتركُ قيامَ الليل، وكان يتصدَّق بكلِّ ما عِنده.

والقوّة في الأخلاقِ، لقد فتحَ المسلمون الأوائِل بعضَ البلدان بقوّةِ الأخلاق دون أن تتحرَّك جيوشٌ أو تزَلزَل عُروش، وبعضُ المسلمين اليومَ جمَع من العلمِ فأوعَى وخلاَ من الخُلُق الأوفى.

القوّةُ في الأخلاق دليلُ رسوخِ الإيمان، فإلقاءُ السلام عبادةٌ، وعِيادة المريض عِبادة، وزِيارة الأخِ في الله عِبادة، وتبسُّمك في وجهِ أخيك صدقة.

ومن القوّة ثَبات الأخلاقِ ورُسوخ القِيَم في الفرَح والشِدّة والحزن والألم، مع الصّديقِ والعدوِّ والغنيِّ والفقير، قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]. ومن وصايَا رسول الله لمن أراد الغزوَ أن لا يقتُلوا طِفلاً ولا امرأةً ولا شَيخًا كبيرًا. رواه أبو داود[5].

لقد فعَل مشرِكو مكّةَ برسولِ الله ما فعلوا، آذَوه وحاصَروه، واتَّهموه وكذَّبوه، أخرجوه ثم شهَروا سيوفَهم ليقتلوه. وتمرّ السّنون، ويعود رسولُ الله إلى مكّةَ فاتحًا متواضِعًا لله متذلِّلاً، ويقول لأولئكَ الذين فعَلوا ما فعلوا: ((ما تظنّون أني فاعلٌ بكم؟)) قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: ((اذهبوا فأنتم الطّلَقاء))[6].

إنّه انتصارِ المبادِئ ورسوخُ القِيَم والقوّة في الأخلاق، وحاشا رسولَ الله أن ينتقِمَ لنفسِه أو يثأرَ لشخصِه، وفي الحديث: وما انتقَمَ رسول الله لنفسِهِ إلاّ أن تنتَهَك حرمةُ الله فينتقمَ لله بها. رواه البخاري[7].

وفي عالمنا اليومَ من تنتفِخ أوداجُه وتحمرّ عيناه ويصيبه الأرَق والقلَق ولا يهدَأ روعُه حتى يثأرَ لنفسِه وينتقِمَ لشخصِه المبجَّل، لكنّه لا يحرِّك ساكنًا ولا يشعُر قلبه امتِعاظًا إذا انتُهِكت محارمُ الله.

والقوّةُ في الإرادَةِ بمغالبة الهوَى والاستعلاءِ على الشهوات، قال تعالى: وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26]. وفي سيرةِ نوحٍ عليه السلام ترى قوّةَ العزيمة والإرادَةِ وهو يسير في دعوتِه ليلاً ونهارًا، سِرًّا وجهارًا، يمرّ عليه قومُه وهو يصنَع السفينة، فيُلقُون على سمعه عباراتِ التهكّم والسّخريةِ، فلم تهن عزيمتُه ولم تضعُف إرادَته؛ لأنه كان واثِقًا بنَصر الله، مطمئنًّا إلى وعدِه سبحانه: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ [هود:38، 39].

قالَ ابن القيِّم رحمه الله: "اعلَم أنَّ العبد إنما يقطَع منازلَ السيرِ إلى الله بقلبه وهمّتِه لا ببدنِه، والتقوى في الحقيقةِ تقوَى القلوب لا تقوَى الجوارح، قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، وقال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37]، قال النبي : ((التقوى ها هنا)) وأشار إلى صدره[8].

فالكيِّسُ يقطَع من المسافَةِ بصحَّةِ العزيمة وعلُوِّ الهِمّة وتجريدِ القصد وصحّةِ النية مع العملِ القليل أضعافَ أضعافِ ما يقطعه الفارغُ من ذلك مع التّعَب الكثير والسّفَر الشاقّ، فإنّ العزيمةَ والمحبّة تذهِب المشقّةَ وتُطيِّب السير، والسّبقُ إلى الله سبحانه إنما هو بالهِمَم وصِدقِ الرّغبة، فيتقدّم صاحبُ الهِمّة مع سكونِه صاحبَ العمل الكثيرِ بمراحل، فإن ساواه في همّته تقدّمَ عليه بعَمَلِه" انتهَى كلامه رحمه الله[9].

الذلُّ قبيح، وفي قَبوله هَلاك، وحينَ يوضَعُ في موضِعِه الصحيحِ يُعتَبر قوّةً وعِزًّا، قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24].

القوّة في ضبطِ النفسِ والسّيطرة عليها، قال : ((ليس الشّديدُ بالصّرعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسَه عند الغضب)) رواه البخاري[10].

كظمُ الغيظِ قوّةٌ، قال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ [آل عمران:134].

تحصيلُ القوّةِ البدنيّة من أهدافِ الشارع الكريم، وفي سبيلِها كان تحريمُ الخبائث من الطّعام والشراب، كالخمرِ والميتة ولحمِ الخنزير، وفي سبيلها كانت عِناية الإسلام برياضةِ البدَن، ومن أجلِ العافية حثَّ الإسلام على التداوِي وأمر بابتغاءِ العِلاج: ((تداووا فإنَّ الله لم يضَع داءً إلاّ وضع له شفاءً ـ أو قال: دواءً ـ إلاّ داءً واحدًا))، قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: ((الهرَم)) رواه الترمذي[11].

وقد صارَع رسول الله ركانةَ فصَرَعه[12]، وكان ذلك سببَ إسلامه، وثبَتَ أنه رمَى بالقوسِ وطَعَن بالرّمح وتقلَّد السيفَ وركِب الخيل. كلُّ ذلك لتُسخَّر هذِه الأجسامُ في طاعةِ الله وتُشغَل بالخيرِ وتُبعَد عن كلِّ ما هو محرَّم.

ومع قوّةِ الإيمان والأخلاقِ والجِسم تكون القوّةُ في العلم والمعارِفِ والمِهَن، والقوةُ في الجدِّ في مباشرةِ العمَل، وذلك باطِّراح الكَسَل جانِبًا والخمول ظِهرِيًّا، ذلك العمَل الذي ينمِّي الإنتاجَ ويزيد الثّروَة ويحفظ كراماتِ الأفراد ويصِل بالأمة إلى غايتِها من السّيادَةِ والقيادة.

وأقوامٌ غفَلوا عن هذه النّصوص الكثيرة لتعسُّفٍ في تأويلِها وتحريفٍ عن مواضِعها، حتى قعَدوا عن النّهوض، فأصيبَ العقل بالتبلُّد والفكرُ بالجمود والحياةُ بالتوقّف، وقام من ينادي بأنّ التديّنَ من أسباب التخلُّف وأنّ الشريعةَ عامِل من عوامِلِ التأخُّر، وهذا جهلٌ بالدين وغَفلَة عن تعاليمه، ولقد كان رسولُ الله يستعيذ من كلِّ أسباب ومظاهرِ الضّعف فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجزِ والكسَل)) رواه البخاري[13]، ((المؤمن القويّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمِن الضعيف، وفي كلٍّ خير))[14]، في كلٍّ منَ القويّ والضعيف خيرٌ لاشتراكهما في الإيمانِ، وقد يكون المؤمِن ضعيفًا في بدَنه قويًّا في إيمانه وماله، وقد يكون نحيلَ الجِسم ولكنّه قويّ الفِكر والقلَم، وإلى هذا تشير الكلمة النبويّة: ((وفي كلٍّ خير)).

إنّ قوّةَ المسلم ضرورةٌ لا بدّ أن تتحقَّق؛ ليصدُق عليه وصفُ الإسلام وتكتمِل فيه دعائِم الإيمان، وحتى لا يصبِح المسلمون بضعفِهم وهوانهم فتنةً للناس، يصدّونهم عن السبيل، وتتداعى عليهِمُ الأكلَةُ كما تداعَى الأكلَة إلى قصعَتها.

بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيم، ونَفَعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله العظيم لي ولَكم، فاستغفِروه إنّه هو الغفور الرّحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتِنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وَحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنِه، وأشهد أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا محمّدًا عَبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أمّا بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.

إنّه ينبغي أن لا يَنسَى العبد ربَّه مع مباشرةِ هذه الأسباب، فإنّ العوائقَ جمّة، والحاجة إلى عونِ الله وتوفيقِه في كلِّ لحظةٍ وآن، وفي محكمِ التنزيل: لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ [الكهف:39]، قال عزّ وجلّ في دعاء نوحٍ بعد أن كذّبه قومه وبذلَ جميع الأسباب: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام في وصيّته لقومه بعد أن هدَّدَهم فرعونُ بقتلِ أولادهم: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128]، وقال أيضًا عن وصية أخرى من موسَى لقومه: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84]، وقال تعالى عن يوسفَ عليه الصلاة والسلام عندما تعرَّض لفتنةِ النساء: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف:33، 34].

من الفوائدِ المستنبَطَة من سورةِ يوسفَ عند هذه الآية ـ كما قال بعض العلماء ـ أنه ينبغي للعبدِ أن يلتجِئ إلى الله عند وجود أسباب المعصيَة ويتبرّأ من حولِه وقوّته؛ لقول يوسف عليه السلام: وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ أي: إن وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي قدرةٌ، ولا أملِكُ لها ضرًّا ولا نفعًا إلا بحولِك وقوّتك، أنت المستعان، وعليك التّكلان، فلا تكلني إلى نفسي.

ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صلّ وسلّم على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين.

_________

[1] صحيح مسلم: كتب القدر (2664) عن أبي هريرة-رضي الله عنه- .

[2] سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة (2516) عن ابن عباس-رضي الله عنه- ما، وأخرج أيضا أحمد (1/293)، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الضياء المقدسي في المخارة (10/25)، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461): "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة... وأصح الطرق الطريق التي خرجها الترمذي"، وهو في صحيح سنن الترمذي (2043).

[3] صحيح البخاري: كتاب المناقب (3683) عن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه- ، وأخرجه أيضا مسلم في فضائل الصحابة (2397).

[4] صحيح مسلم: كتب الزهد (2999) عن صهيب-رضي الله عنه- .

[5] سنن أبي داود: كتاب الجهاد (2624) عن أنس-رضي الله عنه- ، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (561).

[6] أخرجه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية (4/412) فقال : "حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله قام على باب الكعبة فقال: "فذكره في حديث طويل، وهذا سند معضل، وروي عن قتادة السدوسي مرسلاً، أخرجه الطبري في تاريخه (2/161) من طريق ابن إسحاق.

[7] صحيح البخاري: كتاب المناقب (3560) عن عائشة-رضي الله عنه- ا، وأخرجه أيضا مسلم في الفضائل (2327).

[8] أخرجه مسلم في البر (2564) عن أبي هريرة-رضي الله عنه- .

[9] الفوائد (ص141-142).

[10] صحيح البخاري: كتاب الأدب (6114) عن أبي هريرة-رضي الله عنه- ، وأخرجه أيضا مسلم في البر (2609).

[11] سنن الترمذي: كتاب الطب (2038) عن أسامة بن شريك-رضي الله عنه- ، وأخرجه أيضا أحمد (4/278)، والبخاري في الأدب المفرد (291)، وأبو داود في الطب (3855)، وابن ماجه في الطب (3436)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة كما في الفتح (10/135)، والحاكم (7430، 8206)، والنووي في الخلاصة (2/921)، وهو في صحيح سنن الترمذي (1660).

[12] أخرجه أبو داود في كتاب اللباس (4078)، والترمذي في أبواب اللباس (1784)، وقال: "هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني ولا ابن ركانة"، وأخرجه الحاكم (3/452) وسكت عنه، وكذا الذهبي، وحسنه الألباني لشواهده في الإرواء (1503)، وانظر: المسارعة إلى المصارعة للسيوطي بتقديم وتخريج مشهور حسن.

[13] صحيح البخاري: كتاب الدعوات (6763) عن أنس -رضي الله عنه-، وأخرجه أيضا مسلم في الذكر (2706).

[14] أخرجه مسلم في القدر (2664) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
القوة في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الأربعين التي رواها شيخ الإسلام بالسند المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية
» رسالة من فتاة أمريكية لبنات جنسها في الإسلام قصتي مع الإسلام
»  تفنيد الشبهات المثارة حول المرأة في الإسلام إنصاف الإسلام للمرأة وإعلاؤه مكانتها
» القوة لله
»  كتاب الإسلام الأساسي لتعليم الإسلام بسهولة لغير المسلمين والمسلمين الجدد "انجليزي"

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: العقيدة الإسلامية-
انتقل الى: