صيانة الشرع للمرأة
كرم الإسلام المرأة تكريما عظيماً وأعطاها سائر الحقوق المشروعة لها ولقد سوى بين المرأة والرجل في العبادات والتكليف والثواب والعقاب, فالأصل في الأدلة الشرعية التكليفية التسوية بين الجنسين وعدم التفريق بينهما إلا ما خصه الدليل بجنس الرجل كالإمامة الكبرى والصغرى والجهاد ونحوها من العبادات التي تليق بالرجل وتناسب طبيعته. ينظر الشارع إلى المرأة حين اختلاطها بالآخرين إلى كونها في الأصل عورة ومحلاً للفتنة, قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (المرأة عورة فإذا خرجت أستشرفها الشيطان) رواه الترمذي وحسنه, وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) متفق عليه
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (أن الدنيا حلوة حضرة وأن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فالتقوا الله واتقوا النساء فأن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم, وقال الله - تعالى -: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ والشواهد على هذا الأصل كثيرة جداََ وبناء على هذا الأصل فإن الشارع جعل ضوابط وآداباً وأحكاماً للمرأة في تصرفاتها وسلوكياته مع الآخرين درأ للفتنة وتحقيقاً للفضيلة وحفظاً لها من الرذيلة يتمثل ذلك المنهج في الأمور الآتية:
(1) الخلوة: نهى المرأة عن الخلوة بالأجنبي, قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه أحمد.
(2) السفر: نهى المرأة عن السفر بلا محرم, قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) متفق عليه.
(3) مس المرأة: حرم الشرع مس المرأة الأجنبية ومصافحتها قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إني لا أصافح النساء).
(4) صوت المرأة: نهى المرأة عن الخضوع بقولها وترقيق كلامها ,قال - تعالى -: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً.
(5) الحجاب: أمر الشارع المرأة بالحجاب, قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ.
(6) التبرج والسفور: نهى المرأة عن التبرج والسفور قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم.
(7) القرار بالبيت: رغب المرأة بالقرار في بيتها وحث عليه قال - تعالى -: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى قالت عائشة - رضي الله عنها -: (وما كانت إحدانا تخرج إلا لحاجة) رواه البخاري.
(
نظر المرأة: أمر الشارع المرأة بغض بصرها عن الرجال إلا لحاجة قال - تعالى -: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.
(9) الاختلاط: نهى المرأة عن الاختلاط بالرجال قال - تعالى -: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ.
(10) العبادات القولية الجهرية: أجمع الفقهاء على أن الأذان لا تتولاه المرأة ولا يصح منها بل هو من خصائص الرجال وقد نصوا أيضاً على أن المرأة لا تجهر بالتلبية في الحج عند حضرة الرجال بل تسرها, وكذلك لا تجهر بالقراءة في الصلاة عند الأجانب.
(11) الإمامة في الصلاة: من شروط صحة الإمامة بالرجال أن يكون الأمام رجلا فلا تصح إمامة المرأة بالرجال عند جميع الفقهاء وإنما يباح لها أن تؤم النساء من جنسها.
(12) الجهاد: أسقط الشارع الجهاد عن المرأة ولم يوجبه عليها بل هو من وظائف الرجل المختصة به وإنما يباح لها الخروج للجهاد عند الحاجة كالتداوي و نحوه وفق الضوابط الشرعية, قالت عائشة - رضي الله عنها -: قلت يا رسول الله على النساء جهاد قال: (نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) رواه أحمد وابن ماجه وأصله في البخاري
(13) نكاح المرأة: لا يصح للمرأة أن تزوج نفسها أو تزوج غيرها من النساء بل يشترط لصحة نكاحها وجود الولي قال رسول: (لا نكاح إلا بولي) رواه الخمسة وهو مذهب أكثر الفقهاء.
(14) الرَّمَل والهرولة في العبادة: لا يشرع للمرأة الرمل في الطواف والهرولة في السعي, قال ابن البر: وأجمعوا أن ليس على النساء رَمَل في طوافهن بالبيت ولا هرولة في سعيهن بين الصفا والمروة).
(15) إتباع الجنائز: نهيت المرأة عن اتباع الجنائز, قالت أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) متفق عليه.
(16) زيارة القبور: نهيت المرأة عن زيارة القبور, فقد لعن رسول الله زائرات القبور أخرجه البخاري.
• فيجب على المرأة المسلمة الامتثال بهذه الأحكام والرضا بها وترك ما سواها, قال - تعالى -: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ, وقال - تعالى -: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً, ولا عبرة بالنية والقصد الحسن في هذه المسائل مع ترك الامتثال بالشرع لأن الشريعة بنيت على أحكام الظاهر وروعي في ذلك تحقيق المصالح ودرء المفاسد والعبرة بالغالب والنادر لا حكم له, ولأن القلوب ضعيفة والشهوات غالبة وربما استغل سذاجة المرأة وحسن ظنها أصحاب القلوب المريضة وأهل الفجور فأوقعوا بها, ولأن الإنسان لا يأمن على نفسه الفتنة والواقع يصدق ذلك ويؤيده. وإذا كانت المرأة وهي قاصدة العبادة في أطهر البقاع مأمورة بالحجاب والستر وترك الزينة والطيب ومخالطة الرجال واجتنابهم في الطرقات فكيف يكون حالها وهي قاصدة أماكن الفتنة. ومع وضوح هذا الأصل العظيم في ديننا وكثرة أدلته وانعقاد الإجماع عليه وعمل المسلمين عليه طيلة القرون, نجد أناسا من بني جلدتنا يخالفون ذلك ويجعلون المرأة في سلوكها كالرجل ويعطونها الحرية المطلقة في الخروج والعمل والسفر واللباس والعلاقات و...., ومن الملاحظ أن كثيرا من هؤلاء يتظاهرون بتحكيم الشريعة ادعاء وزورا, ولكن إذا تأملنا في أقوالهم وجدناهم بعيدون كل البعد عن منهج الإسلام ويتنصلون دائما من أحكام الشرع ويصرحون بمخالفته بحجج واهية وأعذار ساقطة, تارة بالقول إن هذه الأمور من جراء العادات والتقاليد, أو من تأثير الغلو والتشدد, أو من فقه أهل الصحراء, أو مقيدة لحرية المرأة المشروعة لها ونحو ذلك من الظنون الكاذبة، مع أن عامة هذه المسائل مما أجمع عليه فقهاء المسلمين. ويجب أن نفرق في هذا المقام بين من يخالف في بعض أفراد المسائل مع تعظيمه للشرع وحرصه على الفضيلة وحفظ المرأة وبين من ينازع في أكثر المسائل ويقدح في أصل الشريعة ويسعى إلى تهوين الأمور دائما وتسهيل الرذيلة, فالأول مجتهد معذور في خطأه والثاني مفرط مأزور داخل في الوعيد متبع لهواه. والفقهاء في اختلافهم في بعض المسائل مراعون لهذا الأصل محققون لمقاصد الشرع, وإنما اختلافهم لاختلاف أعراف الناس وتأثيرها في مسائل الاجتهاد ودعاء الحاجة أو الضرورة في بعض الأحوال, وهذا اختلاف محمود بشرط صدوره عن المؤهلين شرعا من أهل الاجتهاد الذين يميزون بين المسائل ولهم نظر في روح الشريعة وعرفوا بحسن القصد, أما أحاد الناس ومثقفوهم فلا يسعهم الخروج عن جادتهم ويلزمهم أن يوكلوا الأمر لهم قال - تعالى -: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.