السؤال
أسرد حالتي على هذا النمط:
نمط الشخصية: الشخصية الوسواسية, عمري: 37 سنة, حالتي الصحية: أعاني من بقايا وآثار شلل الأطفال (عرج بسيط), التشخيص: اكتئاب ثانوي ناتج من إصابتي بما يسمى بالنكوص النفسي المتجذر من الوساوس القهرية.
ملخص الحالة: مشكلتي أني أصبحت أسير مع الذكريات الجميلة, والاستغراق في تفاصيل تلك السنوات الموغلة في الجمال, فبالرغم من أن الزواج يعتبر في نظر كثير من الناس أجمل مراحل العمر إلا أنه حدث العكس لدي, فلم أستطع التكيف رغم انتفاء المشاكل الزوجية, فالزوجة جدا هادئة وحبوبة, لكن تنتابني رغبة بالعودة إلى منزل والدي, والاستئناس بالجلوس مع والدتي, والعيش على نفس الروتين الذي كنت أعيشه.
يجرني الحنين إلى أيام قضيتها مع إخواني وأخواتي, وأتمنى لو ينفصلوا عن أزواجهم ونعود إلى منزل العائلة؛ كي تعود تلك الذكريات الجميلة, ولكن أعلم أن هذا مستحيل، فما العمل؟
أحتفظ بالكثير من الأشياء التي تذكرني بتلك المرحلة, وخصوصا مرحلة الطفولة, من أوراق, ومجلات, وصحف, وأدوات بالية, بحيث أني كل ما شعرت بالحنين أو الحزن أستخرج هذه الأشياء, وأقوم بقراءتها وتأملها حتى أرتاح (هكذا يخيل إلي) ولكن المشكلة تذرف الدموع بلا شعور, مما يزيد من آلامي, فكيف السبيل؟
وحاليا في هذه الأيام أجد صعوبة في الانتقال إلى المسكن الجديد, وترك الحي الشعبي الذي أسكنه, رغم هجران أهله له, وامتلائه بالعمالة الوافدة, وتمنيت أني لم أحصل على قرض حتى لا أفكر بترك مسقط رأسي الجميل, ولكنها رغبة الزوجة.
أتمنى أن أعود طفلا حتى أعيش سعيدا, وأضحك من أعماق قلبي, وأنهل من معين حنان والدتي -أطال الله في عمرها- ولكن أعلم أن هذا مستحيل, هذا الشعور وهذا الاستغراق أدخلني بدوامة الاكتئاب تدريجيا, إلى أن وصلت مرحلة الاكتئاب المطبق.
لجأت إلى الطب النفسي, فكان التداوي بالبروزاك والفافرين الذي قضى على الاكتئاب, لكن تبقى مشكلة النكوص النفسي مزمنة بعد الانتهاء من كورس العلاج.
أنا الآن على الفارين في ثالث عودة للدواء, وبجرعة 300 ملجم, مع ريسبردال 1 ملجم, والخطة العلاجية هي خمس سنوات، ولكن...
أبلغ من العمر 37 سنة, ولدي ثلاثة أطفال و لا أشعر بلذة وجودهم, فالسعادة بنظري هي وجودي بين والدي, وإخواني, وشقيقاتي الحنونات.
أشعر بالتعب من هكذا أوضاع, فما المخرج والسبيل إلى التكيف مع كل وضع جديد؟
أضع مشكلتي هنا وأنتظر بصيص الأمل الذي ينتشلني من هذا الحال, وأرجو الإفادة عن الجرعة, كم أستمر عليها؟ علما أن الوضع الحالي مستقر, وكيف أحسب الجرعة الوقائية, وهل من حل نهائي لحالة النكوص المزمنة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبدالرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنك تخطيت معظم المشكلات التي تعاني منها، وبفضل الله تعالى الذي يظهر لي أنك تعرف الداء وتعرف الدواء، فقط أعتقد أن مفهوم النكوص النفسي أصبح بالفعل متجذر لديك، والذي تحتاجه هو أن تجلس جلسة حقيقية مع نفسك تشرح هذا المفهوم –مفهوم النكوص النفسي– وسوف تجد أنه معيوب ومعيوب جدًّا، الذي يظهر لي أنك قد قبلته نسبة للإيحاءات الوسواسية التي فرضتْ نفسها عليك.
أيها الفاضل الكريم: الماضي هو خبرة وليس أكثر من ذلك، والحاضر يجب أن يُعاش بقوة، والمستقبل يُنظر إليه بأمل ورجاء, الذين يعيشون أفراح الماضي –أو أحزان الماضي– ويكونون أصغى لها ويجعلون المستقبل مرتبطًا بالماضي وينظرون إليه بتشاؤم، وهذا حقيقة ما يمكن أن نسميه بالتآمر ما بين الماضي والمستقبل، والذي يجعل الحاضر تعيسًا.
فيا أيها الفاضل الكريم: بالرغم مما كان من أيام جميلة قضيتها في طفولتك، لكن يجب أن تصل إلى قناعة كاملة، وهذه القناعة لن تأتي إلا إذا قمت بتشريح وفضح النفس بصورة واضحة، وذلك من خلال مواجهتها بسؤال صريح: (هل هناك من يتمنى أن يكون طفلاً معتمدًا على الآخرين؟ أنا الآن رجل في مقام الرجال، وأنا الذي يجب أن أعتني بالأطفال وأبني حياتهم بصورة سعيدة، وأسعى لمستقبل أطيب لهم).
فلا بد أن تُسقط على نفسك إيحاءات جديدة، لا أقول لك حقر الماضي، لكن حرر نفسك من الارتباط به، فهو أمر قد انتهى وانتهى تمامًا.
والأمر الآخر الذي أريده منك هو أن توجه طاقاتك نحو مساعدة الآخرين، فالإنخراط والعمل والانضواء والدخول والمشاركة في جمعيات خيرية أو ثقافية أو اجتماعي، هذا يفيدك كثيرًا أيها الفاضل الكريم.
إذا كان هنالك أي مساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة فكن أنت على رأس المبادرين لمثل هذه الأعمال، وهذا يبني لديك قناعات جديدة، يُحررك من أسر الطفولة والتأمل الذي يقوم على الاعتمادية وعدم النهوض بالذات.
هذا النوع من التفكير مهم وضروري، وعليك أن تتطلع على كتاب الأخ الدكتور (بشير صالح الرشيدي) والمسمى (التعامل مع الذات).
أنا أعتقد أنك بخير، وموضوعك بسيط جدًّا، ويمكن الخروج منه، ولا أريدك أبدًا أن تثبت هذه المفاهيم، وأقصد بذلك مفهوم النكوص النفسي المتجهر من الوسواس القهري، نعم كلمات طيبة وجميلة وتعني الكثير والكثير، لكن ألا يمكن أن تستبدل هذا بـ (الحمد لله تعالى قد شفيتُ من الاكتئاب، وبدأت نفسي بالفعل تتحمل مسؤولياتها حيال ذاتها وحيال الآخرين، لم أعد منجذبًا لأيام الطفولة، وأنا سعيد جدًّا لأن طفولتي كانت طفولة سعيدة، لكنها لم تغنيني عن مسؤوليات الحاضر والمستقبل) ازرع هذه المفاهيم الجديدة في نفسك، وسوف تساعدك كثيرًا.
بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أتفق معك أن الفافرين دواء جيد، دواء ممتاز, أن يكون العلاج لمدة خمس سنوات لا أريدك أيضًا أن تعيش تحت هذا الكابوس –أي طول المدة– الأمور متغيرة، والعلم يسير في مسارات إيجابية جدًّا.
جرعة ثلاثمائة مليجراما من الفافرين هي الجرعة العلاجية الصحيحة، وأعتقد يمكنك أن تتناول هذا الدواء بجرعة مائة مليجراما صباحًا ومئتي مليجراما ليلاً، فاستمر على هذه الجرعة (مثلاً) لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفضها لمئتي مليجراما يوميًا لمدة عام، وبعد ذلك يمكن أن تحدث مراجعة للدواء ولكيفية التحكم في الجرعة ووضعها الصحيح.
بالنسبة للرزبريادال: أرى أنه معقول جدًّا بجرعة واحد مليجراما يوميًا.
إن شاء الله تعالى أنت بخير, وسوف تظل على خير، أسأل الله لك التوفيق والسداد والشفاء والعافية.