اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 مسؤولية المجتمع عن الفقير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100265
مسؤولية المجتمع عن الفقير Oooo14
مسؤولية المجتمع عن الفقير User_o10

مسؤولية المجتمع عن الفقير Empty
مُساهمةموضوع: مسؤولية المجتمع عن الفقير   مسؤولية المجتمع عن الفقير Emptyالأحد 10 مارس 2013 - 15:03

خطبة الجمعة
الخطبة 0333 : خ1 - مسؤولية المجتمع عن الفقير ، خ2 - مصداقية القرآن الكريم.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1991-02-01
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا، و ما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكُّلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا بربوبيته، وإرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمدا صلَّى الله عليه وسلم رسولُ الله سِّيدُ الخلق والبشر، ما اتَّصلت عينٌ بنظر، أو سمعت أذنٌ بخبر،اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذرِّيته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهمَّ ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذِّبنا فإنك علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير إنك على كل شيء قدير، اللهم علِّمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علّمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

لا زلنا مع الموضوع المتسلسل، إن الموضوع المالي هو موضوع دقيق جدا في حياة الإنسان، و في حياة المؤمن، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت، فالإنسان كما يقول العلماء جسدٌ وعقل وقلب، فغذاء العقل العلم، وغذاء القلب المحبة، وغذاء الجسد الطعام والشراب، لذلك روي عن سيدنا عليٍّ كرم الله وجهه أنه: (يكاد الفقرُ أن يكون كفرا).
فيا أيها الإخوة المؤمنون، نظرا لخطورة المسألة الاقتصادية أو الوضع المالي أو القضية الأساسية في حياة الجسد، لذلك لحظ الإسلام من خلال تشريعاته الحكيمة هذه الناحية، وغطَّاها بتشريعات دقيقة، تحدَّثنا عن بعضها في أن من الضمان الاجتماعي، ومن التكافل الاجتماعي التواصل بين الأقارب، و كيف أن الله سبحانه و تعالى فرض على المؤمن أن يعطي ذوي القربى من أهله، وممن من يلوذ به، وتحدثنا في خطبة بعدها عن أن حق الجوار أيضا في سبيل التكافل الاجتماعي و الضمان الاجتماعي، واليوم الموضوع الثالث، المجتمع بأكمله، المجتمع بأكمله مسؤول عن الفقير، القريب مسؤول، والجار مسؤول و المجتمع بأكمله مسؤول.
يا أيها الإخوة الأكارم، روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

((يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ذُو مَالٍ كَثِيرٍ وَذُو أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَحَاضِرَةٍ فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ أُنْفِقُ وَكَيْفَ أَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِكَ فَإِنَّهَا طُهْرَةٌ تُطَهِّرُكَ وَتَصِلُ أَقْرِبَاءَكَ وَتَعْرِفُ حَقَّ السَّائِلِ وَالْجَارِ وَالْمِسْكِينِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْلِلْ لِي قَالَ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا فَقَالَ حَسْبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أَدَّيْتُ الزَّكَاةَ إِلَى رَسُولِكَ فَقَدْ بَرِئْتُ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِذَا أَدَّيْتَهَا إِلَى رَسُولِي فَقَدْ بَرِئْتَ مِنْهَا فَلَكَ أَجْرُهَا وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا))

[رواه أحمد]
أي اختصر لي الكلام، فقال عليه الصلاة و السلام:

﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26)﴾

[سورة الإسراء]
له عندك حق، القريب له عندك حق، و الجار الفقير له عندك حق والمسلم الفقير له عندك حق، في الخطبة الأولى تحدثنا عن حقوق الأقرباء على الموسرين منهم، و في الخطبة الثانية تحدثنا عن حقوق الجيران على جيرانهم الموسرين، وفي هذه الخطبة، المجتمع المسلم بأكمله مسؤول وواجب عليه أن يرعى الفقراء منهم.
يا أيها الإخوة المؤمنون، موضوع دقيق جد هو أن هذا الفقير إن لم تسَعه الزكاة يجب أنة تسعه الصدقة، و لا يغيب عن أذهانكم أننا في كل خطبة من سنوات طويلة طويلةٍ يقول الخطيب فيها على المنبر قبيل أن ينزل ليؤدِّي صلاة الجمعة:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾

[سورة النحل]
العدل أيها الإخوة قسري، ولكن الإحسان طوعي، لكن الله يأمر بالعدل، ويأمر أيضا بالإحسان، فهذا الفقير إن لم تسعه الزكاة فيجب أن تسعه الصدقة، إن لم تسعه الزكاة فيجب أن يسعه الإحسان، شيء آخر أتريدون دليلا قطعيا من كتاب الله على أن في المال حق سوى الزكاة، و قد قال عليه الصلاة و السلام، هذا الحديث بنصه الحرفي:

((في المال حق سوى الزكاة))
أي أحد الموسرين لو دفع زكاة ماله بالتمام و الكمال، وفي وقتها، وفي حينها، ووفق الشروط التي أمر الله بها، ثم وجد فقيرا مسلما محتاجا لو أنه دفع زكاة ماله، لو أنه لم يحِن بعد موعدُ زكاة ماله القادمة، لو أنه لم يحن الحولُ على ماله، إن في ماله حقا لهذا الفقير، يستنبط بعض العلماء من قوله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)﴾

[سورة المعارج]
مع قوله تعالى:

﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾

[سورة الذاريات]
فحينما أُلغِيت كلمة معلوم، وهو الحساب والنصاب والدقَّة فُهِم من الآية الثانية أن في المال حقا سوى الزكاة، و لكن الدليل الصريح القطعي الواضح هو قول الله عزوجل حينما قال يصف المؤمنين:

﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾

[سورة البقرة]
- الآن دقِّقوا

﴿وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ﴾

[سورة البقرة]
إذًا آتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل و السائلين وفي الرقاب، هذه كلها غير الزكاة، والدليل قال تعالى:

﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)﴾

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)﴾

[سورة البقرة]
يا أيها الإخوة الأكارم ؛ إذًا عليك حقَّان ؛ حق الفقير في الزكاة، وحق الفقير في أن تُغطَّى حاجاتُه الأساسية، في أن تُغطَّى ضروراته التي تكفَّل الله بها من خلال هذا التشريع الحكيم.
يا أيها الإخوة الأكارم ؛ شيء آخر في هذا الموضوع، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ))

[رواه مسلم]
الإمام النووي في شرح هذا الحديث يقول: "أمر النبي أصحابه بمواساة المحتاج " أي الشيء الزائد عن حاجتك الذي تنفقه إنفاقا استهلاكيا مترفا، مسرفا به، لو أنكن سددت به جوع مسكين، أو حاجة فقير، لارتقيت إلى الله عزوجل، لك أن تنفق ما أنت بحاجة إليه، هذا شيء طبيعي، ومألوف، وواقعيٌّ، وعقلاني، أما أن تنفق المال، حفلة عرس تكلِّف بعضَ الملايين، بضعة ملايين، هل تدري أن هذا المبلغ يكفي لتزويج خمسين شابا، مع بيت متواضع في أطراف المدينة، يُنفق هذا المبلغ الكبير على طعام لا يُؤكَل ربعُه، ولا عشرُه، وفي معصية، وبذخ، وتفاخر، واستعلاء، وتحرم الشباب المؤمن من زواج هم في أشدِّ الحاجة إليه، هذا شيء دقيق جدا، إذا بخل الغني بماله باع الفقيرُ آخرته بدنيا غيره، إذا بخل أغنياؤنا بمالهم انصرف فقراءُ المسلمين إلى غير المسلمين، ربما ضلوا، وأضلوا، ربما زاغت عقيدتُهم، ربما كانوا معاولَ هدَّامةً في هدم هذا الدين، إذا بخل الغنيُّ بماله باع الفقيرُ آخرته بدنيا غيره.
يا أيها الإخوة الأكارم، مرَّ في الحديث الشريف، وأريد أن تضعوا هذا الحديث في ظرفه الصحيح، مرَّ في الحديث الشريف أن النبي عليه الصلاة و السلام نهى عن ادخار اللحوم بعد ثلاث مراعاة لحق المحتاجين، أي: إذا ضحَّيت بأضحية قبيل العيد الكبير عيد الأضحى، فينبغي أن تأكل من هذه الأضحية كما رسم النبيُّ عليه الصلاة و السلام ثلاثة أيام، وأن تنفق الباقي للفقراء والمحتاجين، أما أن تخزِّنها إلى أشهر طويلة، وأن تجعلها في حرز حريز من التفسُّخ والفساد، وأن تبقي الفقراء في جوع شديد فلا، وقد ورد هذا الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ:

((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالَتْ صَدَقَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا))

[رواه مسلم]
" هذه الأضحية كل منها ما شئت في أيام ثلاثة، إذًا لم يكن هناك ثلاجات تحفظها إلى أشهر طويلة، كل منها ثلاثة أيام و الباقي أطعِ بع الفقراء، هذا أيضا ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيــدٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّــهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ))

[رواه البخاري]
سيدنا عمر له قول شهير، يقول: "إني حريص أن لا أرى حاجةً إلا سددتها ما اتَّسع بعضُنا ببعض "، ألا تحب أن تلقــى الله وهو عنــك راض، ألا تحب أن تنعم بجنة عرضها السماوات والأرض، ألا تحب أنه إذا جاء ملك الموت لك وجه أبيض ناصع تلقى اللهَ به، ألا تحب أن تكون إنسانا مثاليا، حدَّثتكم قبل أسابيع: قرأت خبرا في جريدة أقلقني، وهو أنه في أستراليا تمَّ إعدامُ عشرين مليون رأس غنم، و حُفرت لهم حفرة جماعية و دُفنوا بها، حفاظا على السعر، هذا هو الإنسان البعيد عن الله عزوجل، في بلاد أخرى يموت الناس جوعا، مجاعات في بعض البلاد، بلاد كثيرة فيها مجاعات، و عشرون مليون رأس من الغنم تُعدم و تُقبر في مقابر جماعية حفاظا على السعر، قرأت قبل فترة خبرا آخر أن إنتاج الحمضيات في بعض البلدان المتقدمة يُتلف أيضا حفاظا على السعر، فلما رأى هؤلاء الذين قرَّروا إتلاف هذا المحصول أن بعض الزنوج يتسلَّلون إلى مكان قبر هذه الفاكهة يأخذون منها حاجتهم، في العام القادم سمَّموها، لئلا يأخذ زنجيٌّ برتقالة يأكلها، وهو فقير، و القصص عن هذا الإنسان المعاصر الذي انقطع عن الله عزوجل أصبح قلبُه أقسى من الصخر.
فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ من لا يرحم بلا يُرحم، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، المؤمن لو أنه صلى، لو أنه صام، لو أنه أدى العبادات، إذا كان نطوي على قلب قاسٍ لا يعنيه أمر المسلمين، لا يعنيه أمر الفقراء و المساكين، و الله ما آمن - كما قال عليه الصلاة و السلام، نفى عنه كمال الإيمان

((والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من بات شبعان، وجاره إلى جانبه جائع، وهو يعلم))
يا أيها الإخوة الأكارم، سيدنا عمر رضي الله عنه قال: (إني حريص ألاّ أرى حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنـا بعض)، وقصته معروفة حينما جاءه عامله من أذربجيان، و كانت ولاية تابعة له، أذربجيان الآن في الشمال في الاتحاد السوفياتي، كانت ولاية تابعة لسيدنا عمر، جاءه رسول أذربيجان يحمل له هدية من عامله على أذربيجان، القصة تعرفونها و طويلة، آخر فقرة فيها أن سيدنا عمر قال له: (ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال: هدية بعثها إليك عاملك على أذربيجان، قال: افتحها، فإذا هي طعام نفيس، أكل مها عمر لقمة فأعجبته،فقال: يا هذا هل يأكل عندكم عامَّة المسلمين هذا الطعام ؟ قال: لا، هذا طعام الخاصة، فقال عمر رضي اله عنه: قل لصاحبك أن يأكل مما يأكل منه عامة المسلمين، فكيف يعنيه ما يعنيهم إن لم يأكل ما يأكلون، لا حاجة لي بها، خذها وأطعمها فقراءَ المدينة، و حرام على بطن عمر أن يذوق طعاما لا يطعمه فقراءُ المسلمين)، وقوله الشهير: (قرقر أيها البطن أو لا تقرقر، فواللهِ لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبيةُ المسلمين)، هكذا كان أصحاب رسول الله، وهكذا ينبغي أن يكون، هذا الإسلام لهم و لنا، إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، الله عزوجل يحبنا جميعا إذا تعاطفنا، إذا تناصحنا، وإذا تواصلنا، إذا وسع بعضُنا بعضا، إذا أكرم بعضنا بعضا، لا تنس أن الله سبحانه و تعالى يقول:

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾

[سورة البقرة ]
بماذا تشعر إذا قرأت هذه الآية، أن الله في عليائه خالق السماوات و الأرض، بيننا و بين بعض المجرات ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية، خالق هذا الكون، الأرض كضبابة في فضاء، خالق السماوات و الأرض، خالق الكون، يطلب منك أن تقرضه، ما قولك ؟ ما إقراضُك له ؟ أن تفعل عملا صالحا مع إنسان من عباده كائنا من كان، الخلق كله عيال الرحمن، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعباده، إذا فعلت معروفا مع إنسان، مسلم كان أو غير مسلم، مع حيوان، مع مخلوق، مع نبات، فهذا قرض حسن تقرضه لله عزوجل، و سوف يؤديه لك أضعافا مضاعفة.
كلكم يعلم أن سيدنا عمر حينما سأل بعض الولاة قال: (ماذا تفعل إذا جاء الناس بسارق أو ناهـب، فقال: أقطع يده، قال: فإذا من جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسدَّ جوعتهم و نستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم، فإذا وفَّينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها).
يا أيها الإخوة الأكارم، يقول عمر رضي الله عنه: (إني حريص أن لا أرى حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا ببعض، فإذا عجزنا عن ذلك تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف)، دققوا في كلامه، فإذا عجزنا عن ذلك تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف، بعض الفقهاء الكبار يقول: إن الله فرض على أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، لو أن إنسانا أصابهم عسرٌ شديد، وضيق شديد فجميع أهل البلدة آثمون، إنسان مات بمرض عضال، ولا يملك ثمن العملية الجراحية، أهل البلدة كلهم آثمون، طبعا فيهم موسرون، إنسان مات جوعا، مات مريضا، مات بسبب تقصير في ذات يده، وهناك من بإمكانه أن يواسيه، أهل البلد كلهم آثمون، الإمام الجويني، إمام شهير يقول: " أجمع المسلمون أجمعون أنه إذا اتفق في الزمان مضيَّعون فقراء مدقعون تعيَّن على الأغنياء أن يسعوا في كفايتهم ".
يا أيها الإخوة الأكارم، يعني المجتمع بأكمله يجب أن يتكفل بالفقراءِ، الأقرباء من جهة، و الجيران من جهة، فإذا ضاق أهل القربى، و ضاق الجوار بمن يجاورونهم فعلى المجتمع قاطبة أن ينهض لمواساة الفقراء، وسد حاجتهم، وإغنائهم حيث تُؤدَّى حاجاتهم الأساسية، من منكم لا يذكر أن سيدنا سعد بن الربيع، ذلك الأنصاري الذي وصف النبي عليه الصلاة و السلام حينما تفقَّده النبيُّ في بعض الغزوات، لم يجده فسأل عنه، ندب أحدهم أن يبحث عنه في أرض المعركة، وصل إليه فقال: يا سعد أأنت مع الأحياء أم مع الأموات ؟ قال: بل مع الأموات، أي أنا في النزع الأخير، قال: لقد بعثني النبي لأسأل عنك، قال: أبلغه مني السلام، وقل له: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، هو في النزع الأخير، و قل لأصحابه: لا عذر لكم اليوم إذا خُلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف، هذا الصحابي الجليل سعد بن الربيع كان من أثرياء الأنصار حينما هاجر المهاجرون، وأمر النبي أن يؤاخي كل أنصاري مهاجرا، اختار من بين المهاجرين سيدنا عبد الرحمن بن عوف، فقال له: يا أخي دونك مالي فخذ نصفه، هكذا، المؤاخاة تعني أن يأخذ نصف ماله، ماذا قال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في مالك، ولكن دُلَّني عن السوق " سيدنا عروة روى عن السيدة عائشة رضي الله عنها قال: (لقد رأيتها تصدَّق بسبعين ألفا و درعها مرقعـــة)، أي ثوبها الخارجي مرقَّع، هكذا كانت السيدة عائشة رضي الله عنها.
والإمام مالك يروي عن السيدة عن عائشة رضي الله عنها أن مسكينا سألها، وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيف فقالت لمولاة لها: (أعطه إياه، قالت: ليس لك منا تفطرين عليه، فقالت: أعطه إياه)، هكذا كان أصحاب رسول الله، و هكذا رضي الله عنهم، و إذا شئتم أن يرضى الله عنا، وأن يمطرنا، وأن يرزقنا، وأن يحفظنا فلا بد من أن نطبِّق أمر النبي عليه الصلاة و السلام و أمر اله عزوجل حيث قال:

﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26)﴾

[سورة الإسراء]
أيها الأخوة الأكارم، موضوع صغير أحب أن أوضِّحه لكم، الإسلام إذا مثَّلناه بشجرة وارفة الظلال، يانعة الأثمار، أنت أيها الأخ الكريم لن تستطيع بظل الإسلام، و لن تستطيع أن تقطف من ثماره اليانعة إلا إذا جئت إليه، هو لن يأتي إليك، ظل هذه الشجرة لن يأتي إليك، لن تستطيع أن تبقى في مكانك، وعلى مخالفاتك، وعلى أنماط حياتك على المعاصي، وعلى التقصير، وأن تقول لظل الإسلام: تعال إلي لأستظل بظلك، هذا كلام غير مقبول، شجرة وارفة الظلال يانعة الثمار لن تستطيع أن تستظل بظلها، وأن تحتمي بها، وأن تقطف من ثمارها إلا إذا أتيت إليها، إلا إذا جئت إلى هذه الشجرة، أي إلا إذا طبَّقت تعاليمه، أما هذا الذي يطمع أن يأتيه الظلُّ إليه، وأن يقطف الثمار، وتأتي إليه وهو بعيد عن هذه الشجرة فهذا حلم جاهلٍ ضيِّق الأفق عديم النظر، الإسلام إذا كان شجرة يانعة الظلال وارفة الثمار لن تستطيع أن تستظل بظلها، ولن تستطيع أن تقطف ثمارها إلا إذا جئت إليها مطبِّقا تعاليمها،

فكل يدَّعي وصلا بليلى و ليلى لا تقرُّ لهم بذاكا
شيء آخر يا أيها الإخوة الأكارم، الله عزوجل في آيات كثيرة، و أتمنى على أحدكم أن يحصي هذه الآيات قال:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[سورة النحل]
إن لم تكن حياة طيبة ما تفسير ذلك ؟ هناك من يقول: أنا مؤمن، ولا يحيى حياة طيبة، أنشكُّ في القرآن أم نشك في إيمانه، القرآن قطعي الثبوت قطعي الدلالة، والكون كله يؤكده، في هذه الحالة نشك في إيمان هذا المؤمن، مادام لا يحيى حياةً طيبة، حينما قال الله عزوجل

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾

[سورة الحج]
هذا كلام خالق الكون، فإن لم يدافع الله عنك يجب أن تراجع نفسك لا أن تتَّهم القرآن، الله عزوجل يقول:

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾

[سورة النساء]
فإذا حدث خلافُ ذلك فيجب أن تراجع نفسك، لا أن تتهم القرآن.
يا أيها الإخوة الأكارم ؛ هذه حقيقة يجب أن تكون بين أيديكم، الإسلام دين الله، القرآن قطعي الثبوت، القرآن لا يأتيه الباطلُ من بين يديه و لا من خلفه، لن تستطيع أن تقطف ثمار الدين، ولا أن تستظل بظله، ولا أن تحتمي بحماه إلا إذا أتيت إليه، إلا إذا أتيته خاضعا، إلا إذا أتيته تائبا، إلا إذا أتيته خاشعا، فإذا بقيت أنت في موقعك، مقسم على ما أنت عليه لا تزيغ عن معاصيك، ولا عن شهواتك، وعندئذ تطالب هذا الظل البعيد أن يأتي إليك، وهذه الثمرة اليانعة أن تُجلب إليك، هذا أبعد من السماء عن الأرض، في مثل هذه الحالة لا تتَّهم القرآن، ولا تتهم الإسلام، بل اتَّهم نفسك وحدها، لأن الله سبحانه و تعالى أصدق القائلين، قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)﴾

[سورة النساء]
و قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾

[سورة التوبة]
أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، و سيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتَّخذ حذرنا، الكيَّس من دان نفسه، و عمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، و الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، و أشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ و سلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.
أيها الأخوة الأكارم ؛ مرة ثانية آيات القرآن الكريم لها مصداقية، لأنها كلام الله، فإذا رأيت آية لم تقع، أو أن هذا الوعد لم يقع، أو أن هذا الوعيد لم يقع، أو أن هذا القانون لم يُنفَّذ، فأنت يجب أن تقف موقفا متأنِّيا، لا أن تقف موقفا متسرِّعا، أنت تعلم مثلا أن الحديد إذا دخل في الإسمنت حقَّق قوة الضغط والشدِّ معا، الإسمنت كما يقول المهندسون يتحمَّل قوة الضغط، والحديد يتحمل قوة الشد، لذلك لا يُنشأ بناء إلا بإسمنت وحديد، الأول يتحمل قوى الضغط، والثاني يتحمل قوى الشد، فإذا أشدت بناءً، ووضعت فيه حديدا، وانهار البناءُ، أتشك في خواص الحديد ؟ الجواب: لا، أشك في هذا الحديد المستعمل في هذا البناء بالذات، فلعل فيه شوائب كثيرة، و لعل توزُّع الشوائب ليس منتَظَما، فوقع ما وقع، هذا هو الموقف العلمي، لأنه حينما يشكُّ الإنسان بمصداقية القرآن فقد كفر، فقد كفر وهو لا يدري، فإذا تلوتَ آيات كثيرة، ورأيت الواقع على عكس ما تتلو فلا ينبغي أن تشك في مصداقية الآيات، عليك أن تشك في هذا الذي يدَّعي أنه يطبِّقها، هذا الذي ادَّعى، وأراك بعينه الحديد في الدَّعائم، لعل هذا الحديد، فإني أشكُّ في الحديد، ولا أشك في ـصل الحديد، لأن أصل الحديد له مواصفات ثابتة.
فيا أيها الإخوة المؤمنون ؛ هذا هو الإيمان، أن تشعر أن هذا كلام الله و أن كلَّ من طبَّقه يقطف ثمارَه، و أن الله سبحانه و تعالى هذه كلماته لا تتبدَّل، ولا تتغير، ولا تُعطَّل، ولا تُعدَّل، ولا تُجمَّد أبدا، كلمة الله عزوجل ثابتة، و لا تجد أصدق من كلمة الله عزوجل، قال تعالى:

﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾

[سورة آل عمران]
فلا غالب لكم، هذا كلام الله عزوجل،

﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾

[سورة آل عمران]
و قال تعالى:

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾
في الجغرافيا، قيل: الأمطار تتناقص في الشام، و الشام في طريق الجفاف، و بيَّن لي نسب المطار في السنوات الأخيرة، وكيف أن الخط البياني يهبط، قلت: الله سبحانه، تعالى يقول:

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16)﴾

[سورة الجن]
أي هذا الخط البياني الذي ذكره هذا الأخ الكريم أيلغي هذه الآيات، لا و الله لا يلغيها، هذا الخط البياني الذي استنبطه من تدنِّي نسب الأمطار في الشام يلغي قوله تعالى:

﴿اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

[سورة الجن]
ويلغي قوله تعالى:

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾

[سورة الأعراف]
لا و الله، هذا كلام الله، هذا كلام خالق الكون، ولكن إذا تناقص الطاعات تناقصت نسبُ الأمطار فعلا، و لكن إذا قلَّ ماءُ الوجه قلَّ ماءُ السماء، و لكن إذا رخص لحمُ النساء غلا لحمُ الظأن طبعا، فهذا الخطُّ البياني مطِّرد مع المعاصي، فكلما هان اللهُ علينا هُنَّا على الله، المسلم انتماؤه إسلامي، من أب مسلم و أمٍّ مسلمة، و محسوب من المسلمين، فإذا دقَّقت في تعامله اليومي لا تجد الإسلام عنده عظيما، يأخذ مالا و لا يبالي أكان حراما أو حلالا، يتبع مصلحته ولا يبالي أخالف الشرعَ أم لم يخالفه، يعني هذا يرتكب المعاصي، ولا يبالي، هان الله عليه إذًا فهان على الله.
أردت من هذه الكلمة في الخطبة الثانية، و في أواخر الخطبة الأولى أن تبقى مصداقية القرآن عندكم تامَّة، هذا كلام خالق الكون، زوالُ الكون أهون على الله من أن تتبدَّل كلماتُه، من أن تُعطَّل قوانينه، من أن تُجمَّد سننُه، من أن يُلغى وعده ووعيده، و لكن شككت، كلما رأيت ودا لم يقع فشُكَّ في إيمانك، و شك في إسلامك، و شك في استقامتك، وهذا هو الموقف العلمي، إذا رأيت خالق الكون يقول لك:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾

[سورة النور]
فإذا رأيت هذه الوعود لم تتحقق فانظر إلى تتمة الآية، فتيقَّن أن هؤلاء الذين أرادوا من هذه الشجرة أن يأخذوا ثمارها، و أن يأخذوا ظلها وهم بعيدون عنها، هذا أمر لا يتحقَّق.
أيها الأخوة المؤمنون ؛ اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا و تعاليت، و لك الحمد على ما قضيت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، و اجعل الحياة زادا لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، و آمنا في أوطاننا، و اجعل هذا البلد آمنا سخيا رخيا، و سائر بلاد المسلمين، اللهم يا أكرم الأكرمين أعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا صن وجوهنا باليسار و لا تبذلها بالإقتار، فنسأل شرَّ خلقك، ونُبتلى بحمد من أعطى و ذم من منع، و أنت من فوقهم وليُّ العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم أقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، اللهم اكتب الصحة و السلامة للحجاج، والمسافرين، و المقيمين، والمرابطين في برك وبحرك من أمة محمد أجمعين، اللهم ارزقهم حجًّا مبرورا، وسعيا مشكورا، و ذنبا مغفورا، يا رب العالمين، يا أكرم الأكرمين، اللهم بفضلك و رحمتك أعل كلمة الحق و الدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، و خذ بيد ولاتهم إلى ما تحب و ترضى، إنه على ما تشاء قدير و بالإجابة جدير، و الحمد لله رب العالمين.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مسؤولية المجتمع عن الفقير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: