اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 قصة امرأة عمران

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
قصة امرأة عمران Oooo14
قصة امرأة عمران User_o10

قصة امرأة عمران Empty
مُساهمةموضوع: قصة امرأة عمران   قصة امرأة عمران Emptyالأحد 10 مارس 2013 - 15:02

خطبه الجمعة
الخطبة 0295 : خ1 - قصة امرأة عمران - ماذا نسنفيد من هذه القصة؟ ، خ2 - رأس السنة الميلادية.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1990-03-23
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم، رسول الله سيِّد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر.
اللهمَّ صلِ وسلم وبارك على سيّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريَّته ومَن والاه ومَن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون... بدأنا قبل أسبوعين بموضوع العِلم، وسوف نتابعه إن شاء الله تعالى في الأسابيع القادمة، ولكن نظراً لقُرب قدوم العام الميلادي الجديد، سيكون الموضوع متعلقاً بهذه المناسبة.
يا أيها الإخوة المؤمنون... في سورة آل عمران قِصَصٌ عديدة، مِن هذه القصص قِصَّة امرأة عمران. والشيء الذي أريد أن ألفت النظر إليه هو: أن المَعْنِيّ مِن القصة نحن، القصة لها شخصيّاتٌ، وفيها حوادث، وفي حوار، وفيها مغزى، المؤمن إذا قرأ القرآن، أو قرأ قصةً في القرآن عليه أن يَتَّبع المَغزى، لأن المغزى هو الذي أراده الله مِن هذه القصة.
نحن في هذا الوقت، وفي هذا الزمان، نحن الأحياء ماذا نستفيد مِن هذه القصة ؟ إذا وضع المؤمن يده على مغزى القصة، وعلى القَصْد الإلهي الذي أراده الله منها فقد تدبَّر القرآن الكريم، الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)﴾

( سورة محمد )

فتدبُّر القرآن الكريم واجبٌ بنَصِّ القرآن الكريم، ومن تدبر القصة أن تقف عند مغزاها، أن تقرأ القصة لتستمتع بحوادثها، وتستمتع بمجريات حوادثها، ومواقف شخصيَّاتها، ليس هذا هو المَعْنِيُّ، ليس هذا معنياً في قصص القرآن الكريم، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾

( سورة يوسف: من آية " 111 " )

فأين العبرة ؟ وأين المغزى ؟ وأين القَصْد ؟ وأين الهَدَف ؟ وماذا تفيدنا هذه القصة ؟ وماذا تعنينا ؟ وما الذي نقطفه من ثمارها ؟
ربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي﴾

( سورة آل عمران: من آية " 35 " )

إن أثمن ما تملكه المرأة ما في بطنها، فهذه المرأة الكريمة التي تربَّت تربيةً عالية، نذرت لله ما في بطنها. نحن ماذا نستنبط من هذه الآية ؟
فأنت أيها الأخ الكريم، ماذا قدمت لله عزَّ وجل ؟ ماذا نذرت له؟ هل قدَّمت له علمك الذي تعلَّمته ؟ هل وظَّفت علمك في خدمة الحق ؟ قوَّتك ماذا فعلت بها ؟ استعليت بها على الناس، أم وظَّفتها للحق ؟ مالك الذي وهبك الله إياه، كيف أنفقته ؟ أنفقته على ملذَّاتك أم أنفقته في سبيل الله ؟ فبشكلٍ أو بآخر ماذا قدمت أيها المؤمن بين يديك عند لقاء الله عزَّ وجل ؟ إذا لقيت الله عزَّ وجل ماذا بين يديك، ما العمل الذي قدمته لله عزَّ وجل، ماذا فعلت ؟ أمَّا زهدك كما ورد في بعض الأحاديث:

(( فقد تعجلت فيه الراحة لقلبك ))
الزهد شيءٌ سلبي، إن لم تفعل هذا، ولم تفعل هذا، ولم تفعل هذا، ولم تفعل هذا، هذا شي طيِّب ولكنه شرطٌ لازم غير كافٍ، ولكن ماذا فعلت ؟ ماذا قدَّمت ؟ بماذا ضحَّيت ؟ ماذا بذلت ؟ ما العمل الذي وضعته بين يديك يوم تلقي الله عزَّ وجل ؟ هل ربَّيت أولاداً تربيةً صالحة، فنفعوا الناس مِن بعدك ؟ هل تعلَّمت العلم وعلَّمته ؟ هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المُنكر ؟ هل أنفقت مالك الذي كسبته من حلال في مواساة المحرومين والبائسين ؟ ماذا فعلت ؟ فحجمك عند الله يوم القيامة بحجم عملك..

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

( سورة الأنعام: من آية " 132 " )

هذا الذي ينفعك عند الله، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. إذا جاء مَلَك الموت، إذا شعر الإنسان أنه قد قرُبت أيَّامه، إذا شهر الإنسان أن خطه البياني مال نحو الهبوط، إذا بلغ الإنسان سن الستين، أو بلغ سن الأربعين، إذا شاب شعر الإنسان، إذا انحنى ظهره، إذا ضعف بصره، إذا ضعفت قوَّته، ماذا أعدَّ للقاء ؟ ماذا أعد لهذا اليوم العظيم ؟ ماذا أعدَّ..

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

( سورة الشعراء )

ماذا أعدَّ للقبر ؟ ماذا أعدَّ للميزان ؟ ماذا أعد وهو على الصراط المستقيم..

﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي﴾

معظم الناس يتزوَّجون، وينجبون الأولاد، هل فكَّر الأب أن يكون ابنه ولداً صالحاً ؟ ماذا بذل من أجل أن يكون ابنه ولداً صالحاً ؟ هل أراد الأب أن يكون ابنه قُرْبَةً إلى الله عزَّ وجل ؟ أو أن تكون بنته كذلك ؟ أو أن تكون حرفته، أو عمله، أو خبرته، أو علمه، أو قوته، أو ماله، هل جعل شيئاً مِن خالص عمله لله عزَّ وجل ؟ فإذا جاء ملك الموت شعر أن بين يديه شيئاً يقدمه لربه الذي أنعم عليه بنعمة الإيجاد، وأنعم عليه بنعمة الإمداد، وأنعم عليه بنعمة الإرشاد ؟.

﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1)﴾

( سورة الإنسان )

ماذا فعلت هذه المرأة العاشقةُ لربها ؟ إنها قدَّمت لربها أثمن ما تملك، إنها قدمت لربها الجنين الذي في بطنها.
شيءٌ آخر: لاحظوا أيها الإخوة، إذا كان الفعل كله بيد الله سبحانه وتعالى، ولا يقع شيءٌ في الكون إلا بقوة الله تعالى، وبعلم الله تعالى، فماذا قدمت هذه المرأة ؟ قدَّمت هذا الطلب فقط، ليس لك إلا أن تطلب، ليس لك إلا أن تدعو، ليس لك إلا أن تصرَّ على طلبك..

﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)﴾

( سورة الإسراء )

الله سبحانه وتعالى حينما خلقك، وحينما جاء بك إلى الدنيا، أراد أن يعطيَك سُؤْلَك، فأنت الذي تحدد ما أنت عليه من خلال سؤلك لله عزَّ وجل، إما أن تسأله الدنيا الفانية، وإما أن تسأله الآخرة الباقية، إما أن تسأله عطاءً ينفد عند الموت وينتهي، وإما أن تسأله عطاءً لا ينتهي إلى أبد الآبدين. فالبطولة في حُسْن الاختيار، لأن الله سبحانه وتعالى يمد هؤلاء وهؤلاء مِن عطائه، اطلب الدنيا بصدق تنلها، واطلب الآخرة بصدقٍ تنلها، فالبطولة أن تحسن الاختيار، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحجب عطاءه عن أحد.
يا أيها الإخوة المؤمنون... أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي.
فالفكرة الأولى: أنه ما العمل الذي قدَّمناه بين يدينا حينما نلقى الله عزَّ وجل ؟ إذا أتقن الإنسان عمله الذي يقتات منه، إذا أتقن مهنته ونفع بها المسلمين، ورحمهم، ونصحهم، وصَدَقهم، وابتغى بهذا العمل أن يكسب رزقاً حلالاً ينفقه على أهله ليتمكَّن من تربيتهم، وابتغى بذلك أيضاً نفع المسلمين، إن هذا العمل اليومي المهني، عمل كل إنسانٍ في حرفته، هو نفسه إذا توافرت له هذه الشروط: إذا كان مباحاً، ومارسه بشكلٍ شرعي، وابتغى به الكفاف، وابتغى به خدمة المسلمين، انقلب الله إلى عملٍ صالح يمكن أن يلقى الله به.
الأب في أسرته، يمكن أن تكون تربيته لأولاده ولأهله عملاً طيِّباً يلقى الله به.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمكن أن يكون إذا صدر عن صدقٍ، وعن إخلاصٍ، وعن تطبيقٍ يمكن أن يكون عملاً تلقى الله بها.
قوَّتك إذا وظَّفتها في سبيل الله، علمك إذا وظَّفته في سبيل الله، خبرتك إذا وظَّفتها في سبيل الله، مالُك إذا وظَّفته في سبيل الله، جاهك، هذا كله يرقى بك إلى الله، العبرة أن تسأل نفسك هذا السؤال: ماذا قدَّمت لله عزَّ وجل ؟
إن امرأة عمران قدمت لله أثمن ما تملك، إنه الجنين في بطنها، أرادته أن يكون داعياً إلى الله عزَّ وجل، أرادته أن يكون خادماً في بيوت العبادة، هكذا أرادت.

﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ﴾
قال علماء التفسير: إن كلمة (محرراَ) تشابه الإخلاص، ولكنها تزيد عنه. أي أن هذا العمل لا تبتغي به سمعةً، ولا رياءً، ولا دنيا، ولا حظاً نفسياً، إنه عملٌ محررٌ كليةً مِن أن تشوبه شائبة، فهل فعلت عملاً تبتغي به وجه الله ؟ هل تذوَّقت الإخلاص ؟ هل إذا أنفقت يمينك لا تدري شمالك ؟ هل عملت عملاً في جوف الليل لا يعلمه إلا الله ؟ هل غضت بصرك عن محارم الله وأنت لا ترجو أحداً إلا أن يرضى الله عنك ؟ هل أحسنت إلى مخلوقٍ ضعيف لا ترجو من إحسانك له ثواباً، ولا مدحاً، ولا ثناءً، ولا شيئاً من هذا القبيل ؟.

﴿مُحَرَّراً ﴾
الإخلاص، الإخلاص أيها الإخوة، اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها، أخلص دينك يكفك القليل من العمل.

﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي ﴾
يا رب، هل أنت بين الخوف والرجاء ؟ هل إذا فعلت فعلاً تقول: أنا فعلت كذا وكذا ؟ تقبَّل مني يا رب، تقبَّل هذا العمل، اجعله خالصاً لك، فهذه الكلمات تقطر أدباً، تقطر تواضعاً، تقطر إخلاصاً، تقطر محبةً، تقطر شوقاً إلى الله عزَّ وجل.

﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)﴾

( سورة آل عمران )

سميعٌ عليم، أي إذا تكلمت تسمع كلامي، وإذا سكت تعلم ما في قلبي، في كلا الحالين أنت مُطَّلعٌ علي، مطلعٌ على قولي لأنك سميع، ومطلعٌ على قلبي لأنك عليم، لأنك تعلم السرَّ وأخفى، لأنك تعلم خائنة الأعين، لأنك تعلم ما تُخفي الصدور، لأنك تعلم كل شيء، لأنك أقرب إليَّ يا ربِّ من كل شيء..

﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾

( سورة ق )

لأنك يا رب تحول بين المرء وقلبه، إذا كان الله مُطَّلعاً على قلبك، عليماً بحالك، كاشفاً لنواياك، معك أينما كنت، يعلم ما تخفيه عن الناس، فكيف تعصيه ؟!
ـ قال: يا فلان أنا مقيمٌ على معصيةٍ لا أستطيع الفكاك منها.
ـ فقال: لا مانع، اعصِ الله ولكن اجهد أن تعصيه في مكانٍ لا يراك فيه.
ـ قال له: وكيف لا يراني وهو مطلعٌ على كل شيء ؟!
ـ قال: تسكن أرضه وتعصيه ؟ وتعصيه وهو يراك ؟.

ألا يستحي الإنسان من الله عزَّ وجل الذي أمدَّه بنعمة البصر وهو يعصي الله فيها، الذي أمده بنعمة السَمْع وهو يعصي الله فيها ؟

﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾

( سورة آل عمران )

كانت المفاجأة، توجهت إلى أن يكون هذا الجنين ذَكَراً، رجلاً ينفع الناس مِن بعدها، يخدم في بيوت الله، هكذا أرادته، ولكنها أرادت شيئاً، وأراد الله شيئاً آخر، لذلك فوجئت..

﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾
وبعض المفسِّرين يقول: إن الكلمات التي تأتي بعد هذه الكلمة هي تعليقٌ مِن الله عزَّ وجل..

﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾
الخير كله كامنٌ في هذه الأنثى، لذلك إذا قرأت قوله تعالى، وتدبَّرت بهذا القول:

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾

( سورة البقرة )

قد تُحِب أن يأتيك الله بذَكر، وقد تأتي الأنثى، وقد يكون الخير كلُّه كامناً في الأنثى، أنت إذا كنت مؤمناً تستسلم لأمر الله عزَّ وجل، ترضى بقسمته، ترضى بقضائه..

﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾
فقال الله عزَّ وجل:

﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾

إن هذه الأنثى سوف تلد هذا النبي العظيم، الذي يحتفل العالم بميلاده بعد أيام، إنه سيدنا عيسى بن مريم.
قد يأتي الخير من الأنثى، قد تأتي ذريتك الطيبة من الأنثى، قد تكون هذه الأنثى مباركة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام

((ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))

وقال

((لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات ))

( من مسند الإمام أحمد: عن " عقبة بن عامر " )

(( استوصوا بالنساء خيراً ))

( من الجامع لأحكام القرآن )

أحاديث كثيرة في السنة النبوية المطهَّرة توصينا بالنساء، لعل الخير كله في المرأة، لعل الخير كله في هذه البنت التي كرهت مجيئها، لذلك لا يكره مجيء البنت إلا إنسان بعيدٌ عن الله عزَّ وجل، لا يعرف القضاء والقدر، ولا يعرف حكمة الله عزَّ وجل، ولا قسمته..

﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾
ثم قالت:

﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
هذه أنثى، ليس بإمكانها أن تقعد مع الرجال لتعرفهم بالله عزَّ وجل، هذه أنثى، لا ينبغي لها أن تختلط بالناس، طبيعتها تمنعها من ذلك..

﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) ﴾
مِن هنا يأتي الدعاء القرآني:

﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)﴾

( سورة الفرقان )

يا عبدي، في بعض الأحاديث القدسيَّة:

(( أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، قال: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم. وسأل عبداً آخر فقال: يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال: يا رب أنفقته على كل محتاجٍ ومسكين لأنك خيرٌ حافظاً وأنت أرحم الراحمين، فقال الله عزَّ وجل: أنا الحافظ لأولادك من بعدك ))
في دعاء السَفَر علمنا النبي الكريم هذا الدعاء

(( اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ))

( من الأذكار النووية )

معنى ذلك أن المؤمن يطلب من الله عزَّ وجل أن يحفظ أولاده في حياته ومن بعد مماته..

﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ ﴾
يا رب..

﴿وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ﴾

((إن الصدقة لتقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل ))

( من مختصر تفسير ابن كثير )

﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ﴾

وأنت أيها الأخ الكريم، إذا قدَّمت لله شيئاً خالصاً ؛ ترجو به رضوانه، ترجو به قربه، يتقبَّله الله بقبولٍ حسن، يتقبله منك ويثيبك عليه، ولكن تقدَّم، إذا عرض شيءٌ من الدنيا تهافت الناس عليه، فإذا عرضت لهم الآخرة وما يقرِّب إليها مِن عمالٍ صالحة، من تضحياتٍ، من بذلٍ، من عمل طيِّب، إنهم يترددون.
سيدنا عبد الله بن رواحة، عيَّنه النبي عليه الصلاة والسلام قائداً ثالثاً في مُؤْتَة، القائد الأول سيدنا زيد بن ثابت، والقائد الثاني سيدنا جعفر، والقائد الثالث سيدنا عبد الله بن رواحة، وكان شاعراً، تقدَّم القائد الأول وحمل الراية، فقاتل بها حتى قُتِل، وتقدم القائد الثاني فحمل الراية، وقاتل فيها حتى قُتِل، أما القائد الثالث فوقف متردداً، كان شاعراً فقال:

يا نفس إلا تقتلي تـــموتي هذا حمام الموت قد صليتِ

إن تفعـلي فعلهـما رضيت وإن توليت فقد شــقيـت

* * *

وتقدم وحمل الراية، فقاتل بها حتى قُتِل. كيف عبَّر النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه التضحيات ؟ قال:

(( أخذ الراية أخوكم زيد، فقاتل بها حتى قتل، وإني لأرى مقامه في الجنة، ثم أخذ الراية أخوكم جعفر، فقاتل بها حتى قتل، وإني لأرى مقامه في الجنة ))
ثم سكت النبي عليه الصلاة والسلام، فكان أصحاب النبي على إخلاصٍ شديدٍ فيما بينهم، على محبَّةٍ لا يعلمها إلا الله، كلهم قلق على عبد الله بن رواحة، قالوا: يا رسول الله ما فعل عبد الله ؟ قال:

(( ثم أخذ الراية أخوكم عبد الله، فقاتل بها حتى قتل، وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه ))
أي هبطت درجته درجة، لأنه تردد.
فلذلك إذا عرضت للناس الدنيا تهافتوا عليها، أما إذا كانت أبواب الآخرة مُفَتَّحةٌ أمامهم، العمل الصالح أبوابه مفتَّحة، ذِكْرُ الله عزَّ وجل متاحٌ لكل إنسان، الصلوات، قراءة القرآن، تعلُّم القرآن، تعليم القرآن، خدمة الخلق، هذه كلها أبوابٌ مفتحةٌ على مصاريعها، ومع ذلك لا ترى عليها ازدحاماً، لكن الازدحام على الدنيا، لكن الناس يقفون في صفٍ طويل ليشتروا بطاقات أول العام، بطاقاتٌ يُعْصَى الله فيها.
يا أيها الإخوة المؤمنون... ماذا قدمنا لله عزَّ وجل ؟

﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾
وهو نبيٌ كريم..

﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً ﴾
اختلف العلماء حول معنى الرزق، بعضهم يرجِّح أنه وجد عندها عِلْماً، وجد عندها شوقاً إلى الله عزَّ وجل، وجد عندها معرفةً، أنَّى لكِ هذه المعرفة ؟ أنَّى لكِ هذا الرزق ؟ أنَّى لكِ هذا العِلم ؟ أنى لكِ هذا الإقبال..

﴿قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾
الإنسان جرَّب علاقات الناس كلها، فهل جرَّب علاقةً مع الله ؟ هل جرب إخلاصاً لله ؟ هل جرب بذلاً لله ؟ هل جرب تضحيةً في سبيل الله ؟ هل جرب أن يكون عند الله مرضيا ؟ هل جرب أن يكون عند الله بحيث يرضى الله عنه ؟
سُئل الإمام الجنيد:
ـ من وليُّ الله ؟ أهو الذي يطير في الهواء ؟
ـ قال: لا. الطير يطير.
ـ أهو الذي يمشي على وجه الماء ؟
ـ قال: لا، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام.
أي أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك. هذه الولاية أن تكون في مرضاة الله، أن يكون عملك وَفْقَ السُّنة، لذلك لا يقبل العمل من العبد إلا بشرطين: أن يكون صواباً وأن يكون خالصاً، أما أن يكون خالصاً، فأن يبتغي به وجه الله عزَّ وجل، محرراً من كل طمعٍ أرضيّ، وأما أن يكون صواباً أي أن يكون وفق السُّنة الشريفة، وفق ما أمر الله وما أمر النبي عليه الصلاة والسلام.

﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)﴾

( سورة آل عمران )

تعليقاً على هذه القصة: يقول الله سبحانه وتعالى ـ لأن العلماء قطعوا بأن النبوَّة لا تُوَرَّث ـ ولكن الأنبياء يورِّثون العلم لغيرهم، أما أن يرث النبي نبياً فهذا لا يكون، والدليل قول الله عزَّ وجل:

﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾

( سورة البقرة )

لا شأن للذُرِّيَة إن لم تكن على منهج الأب بعطاء الله عزَّ وجل.

شيءٌ آخر:

﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ﴾
شخصه..

﴿وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)﴾

( سورة آل عمران )

فإذا كانت امرأة عمران، أنجبت السيدة مريم، وهذه المرأة الكريمة أنجبت سيدنا عيسى، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فلأن الله اصطفى آل عمران، إما أن يتِّجه الاصطفاء إلى شخصٍ بذاته..

﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً ﴾
وإما أن يتجه الاصطفاء إلى أسرةِ بكاملها..

﴿وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ ﴾
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف، كلهم أنبياء، وآل عمران ؛ امرأة عمران، وبنتها السيدة مريم، وابنها السيد المسيح..

﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)﴾

ملخَّص هذه الخطبة:
أنه يكفي أن تسأل الله بصدقٍ شيئاً مهما بدا لك عظيماً، مهما بدا لك مستحيلاً، مهما بدا لك غالي الثمن، إذا سألت الله عزَّ وجل بصدقٍ وإخلاصٍ، ودلَّلت على صدقك بالسعي والعمل، فإن الله سبحانه وتعالى كفيلٌ أن يؤتيك سُؤْلَك في الدنيا والآخرة، هذا هو الدرس الأول.
الدرس الثاني أنك إذا فعلت شيئاً ينبغي أن يكون هذا الشيء محرراً في سبيل الله، خالصاً من كل شائبة، من كل طلبٍ دنيوي، لذلك قال عليه الصلاة والسلام

(( ربَّ درهمٍ سبق ألف درهم))

((درهمٌ أنفق في إخلاص خيرٌ من ألف درهم أنفق في رياء ))

(( درهمٌ تنفقه في حياتك خيرٌ من ألف درهمٍ تنفقه بعد مماتك ))

الإخلاص الإخلاص أيها الإخوة، وذاق طعم الإخلاص إذا تجلَّى الله على قلب المخلص بالرَحَمات عرف ما الإخلاص.
أيها الإخوة الأكارم... حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن مَلَكَ الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مـَن أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني.
والحمد لله رب العالمين

* * *

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيِّبين الطاهرين.
أيها الإخوة المؤمنون... في مناسبة رأس السنة الميلادية نقاطٌ إيجابية تحدثت عنها في الخُطبة الأولى ـ قبل قليل ـ وهناك عاداتٌ ما أنزل الله بها مِن سلطان، ولا رضيها النبي العدنان...
إن رأس السنة الميلادية مناسبةٌ عند مُعْظَم المسلمين، ليقلدوا غيرهم فيما لا يرضي الله عزَّ وجل، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

(( طوبى لمن وسعته السنة ولم تستهوه البدعة))
فإذا كنت في مكانٍ يعصى الله فيه، إذا كنت في مكانٍ العورات التي ينبغي أن تُسَتَّر باديةٌ للأجنبي، إذا كنت في مكانٍ يُشْرَب فيه الخمر، إذا كنت في مكانٍ يعصى الله فيه، فإنك كمسلمٌ تقع في أشد أنواع الإثم.
فيا أيها الإخوة المؤمنون... لا ينبغي للمؤمن أن يكون إيمانه قناعاتٍ في فكره، ولا مشاعر في نفسه، ولكن الإيمان موْقف، ولكن الإيمان عمل، ولكن الإيمان التزام. فما لم تكن في عملك، وفي لهوك، وفي مناسباتٍ تعمُّ فيها بعض المعاصي، ما لم تكن في هذه الأيام مسلماً بالمعنى الصحيح، ملتزماً، مطبِّقاً، عفيفاً، ورعاً، متوقفاً فلست مسلماً أنت في الأصل، هذا الذي يفعل شيئاً خلاف ما أنزل الله عزَّ وجل، خلاف ما أمر النبي، هذا بعيدٌ عن الإسلام بعد الثَقَلَين، لأن أحد أصحاب رسول الله خالف الشرع في طريقةٍ في البيع والشراء، فقالت السيدة عائشة: " أبلغوا فلاناً بأنه أبطل جهاده مع رسول الله ".
فهذا الذي يرتكب المعصية وهو يعلم أنها معصية، كم هو بعيدٌ عن الله عزَّ وجل ؟ هذا الذي يفعل شيئاً يعلم علم اليقين أنه يغضب الله عزَّ وجل، أين هو من الإيمان ؟ أين هو من الإسلام ؟
فيا أيها الإخوة المؤمنون... تناصحوا، لينصح بعضكم بعضاً.

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

( سورة الجن )

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾

( سورة المائدة: من آية " 66 " )

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾

( سورة الأعراف: من آية " 96 " )

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

( سورة الجن )

يا أيها الإخوة المؤمنون... لا ينبغي لك أن تكتفي أنت باستقامتك، لابدَّ من أن تكون لك دعوةٌ إلى طاعة الله عزَّ وجل، أنت، وجيرانك، وأقرباؤك، ومَن يلوذ بك.
الذهاب إلى أمكنةٍ لا ترضي الله، يعصى فيها الله، تشرب فيها الخمور، تكشف فيها العورات، هذا شيءٌ لا يمكن أن يتَّفق مع أخلاق المسلم، قال:
ـ يا رسول الله عظني ولا تطل.
ـ فقال عليه الصلاة والسلام:

(( قل آمنت بالله ثم استقم ))
ـ فقال هذا الأعرابي: أريد أخفَّ من ذلك.
ـ فقال عليه الصلاة والسلام:

(( إذاً فاستعدَّ للبلاء ))

إذا لم تُرِد أن تكون مستقيماً إذاً فاستعدَّ للبلاء. فإذا أصرَّ الإنسان على معصية فليستعد للبلاء، إذا أصر الإنسان على مخالفة الشرع فليستعد للبلاء، إذا أصر الإنسان على أن يعطي نفسه هواها فليستعد للبلاء، إذا أصر الإنسان على أن يكون مع الناس ؛ في لهوهم، وفي مرحهم، وفي احتفالاتهم، وفي أنماط حياتهم، وفي سلوكهم، وفي عاداتهم، وفي تقاليدهم، وكلها لا ترضي الله، فليستعد للبلاء.

قال له: يا رب لقد عصيتك ولم تعاقبني. قال: لقد عاقبتك ولم تدري.

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنَّا منحنا بالرضا مَن أحبَّنـا

و لـذ بحـمانا واحتمِ بجنابنا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـا

* * *

فكلمة " فاستعد للبلاء " يجب أن تبقى في ذهن كل مسلم، إن لم ترضَ بالاستقامة، إن لم تقبل أن تكون مستقيماً على أمر الله، إذاً فاستعد للبلاء، حتى أن تقلِّد هؤلاء الذين يعصون الله في هذه الأيام، حتى لو قلَّدت ما يفعلون في بيتك، هذا ليس مِن صفات المسلم، إذا شئت في هذه الليلة اقرأ مولد النبي عليه الصلاة والسلام، إذا شئت في هذه الليلة أَحْيي هذه الليلة بذكر الله، وبالانشاد الذي يرضي الله عزَّ وجل، وبتلاوة القرآن، إذا أردت أن تحيي هذه الليلة فاجمع مَن تحب وحدثهم عن الله عزَّ وجل، هذا الذي يرضي الله عزَّ وجل.
اللهمَّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك.

اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك. هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، مولانا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عُضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء، مولانا رب العالمين.
اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعز الإسلام وانصر المسلمين يا رب العالمين، اللهمَّ أعل كلمة الحق والدين، اللهم وفِّق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تؤاخذنا بفعل المسيئين، يا رب العالمين.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة امرأة عمران
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة امرأة عمران
» ال عمران
» آل عمران
» عمران بن حصين
» سورة آل عمران

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: