اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100190
سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب Oooo14
سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب User_o10

سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب Empty
مُساهمةموضوع: سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب   سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب Emptyالسبت 9 مارس 2013 - 15:45

خطبة الجمعة
الخطبة 0808 : سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-10-05
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده و رسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الإخوة الكرام، لا بد أن نقف على بعض الحقائق المتعلقة بالخطبة السابقة، فأخ كريم أحبُّه وأجِلُّه لَفَتَ نظري، وها أنا أستجيب لهذه الملاحظة.
فحينما قال الله عز وجل:

﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)﴾

[ سورة آل عمران: الآية 173-174 ]
ثم يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾

[ سورة آل عمران: الآية 175 ]
هذا وعد من وعود الله للمؤمنين، فانقلبوا بنعمة من الله، وفضلٍ لم يمسسهم سوء، وعد آخر:

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾

[ سورة النساء: الآية 141 ]
وعد ثالث:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾

[ سورة النور: الآية 55]
وعد آخر:

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

[ سورة الصافات: الآية 173]
وعد آخر:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة الروم: الآية 47 ]
وعد آخر:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾

[ سورة الحج: الآية 38 ]
هذه آيات كريمة بين أيدينا، واضحة وضوح الشمس، بل هي قطعية الدلالة، وحينما قال الله عز وجل:

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾

[ سورة النساء: الآية 141 ]
فإذا كان لهم علينا ألف سبيل وسبيل، فماذا نفعل بهذه الآية ؟ وحينما قال الله عز وجل:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: الآية 55 ]
فإن لم يكن هناك استخلاف، فماذا نفعل بالآية التي سبقتْ ؟.
وحينما قال الله عز وجل:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى﴾

[ سورة النور: الآية 55 ]
فإن لم يكن هناك تمكين، فماذا نفعل بهذه الآية ؟
وحينما قال الله عز وجل:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

[ سورة النور: الآية 55]
فإن لم يكن أمنٌ بل خوف، وهلع لا يتصوران، فماذا نفعل بهذه الآية ؟ ماذا نفعل إجمالاً بالآيات الكثيرة، التي تَعِدُ المؤمنين بالنصر، والتأييد، والتوفيق، والحماية، ورفع الشأن ماذا نفعل ؟.
أقول لكم، أيها الإخوة، إن زوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يحقِّق اللهُ وعوده للمؤمنين، كلمات الله ثابتة، ووعده قطعي، وسننه خالدة:

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)﴾

[ سورة النساء: الآية 87]

﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾

[ سورة التوبة: الآية 111]
في مثل هذه الحالات يجب يقيناً أن نتهم إيماننا، أن نتهم جنديتنا لله عز وجل، أن نتهم تقصيرنا، المسلمون، وفيهم رسول الله، وفيهم صحابته الكرام، وهم قمم المجتمع الإسلامي في حنين ماذا جرى لهم ؟ قال تعالى:

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

[ سورة التوبة: الآية 25]
في حنين وقع خطأ في التوحيد، لقد اعتمدوا على كثرتهم، وتوهّموا أن كثرتهم كافية للنصر، وفي أُحُدٍ وقع خطأ في التكتيك، خطأ في طاعة رسول الله، فهُزِم المسلمون مرتين ؛ مرةً لشرك خفي، ومرةً لمعصية لرسول الله، ولو أنهم انتصروا مع شركهم أو، مع معصيتهم لسقط التوحيد والطاعة، فمَن نحن إذا كان سيد الخلق، وحبيب الحق، وأصحابه معه الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله لم ينتصروا، فهل نحن نتوقع أن تُحَقَّقَ لنا هذه الوعود، ونحن على ما نحن عليه من ضعفٍ في الإيمان، ومن شركٍ خفي، ومِن تفلت من منهج الله، ومن علاقات مادية لا ترضي الله البتّة، ومن علاقات اجتماعية لا ترضي الله، لا مِن قريب، ولا من بعيد.
لذلك أيها الإخوة، لمجرد أن ترى أن وعد الله لم يتحقق، فإياك، ثم، إياك، ثم إياك أن تسيء الظن بالله عز وجل، فإنّ الله عز وجل مع المؤمنين، مع المؤمنين الصادقين، مع المؤمنين الملتزمين، مع المؤمنين الوقافين عند كتاب الله، وسنة رسوله، مع الذين أخلصوا له، مع الذين وحدوه، مع الذين باعوا أنفسهم ابتغاء مرضاته، هؤلاء هم المنصورون، قال تعالى:

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

[ سورة الصافات: الآية 173]
ويكفي أن الله جل جلاله يقول:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

[ سورة مريم: الآية 59]
وقد أجمع علماء التفسير على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها، لكن إضاعة الصلاة تفريغها من مضمونها، فإنْ كانت بلا مضمون فلن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، ولن تنهاه صلاته عن غش المسلمين، ولن تنهاه صلاته عن أن يأخذ ما له، ويدع ما ليس له، يريد أن يأخذ ما له، وما ليس له، فمثل هذه العبادات الجوفاء التي لا تدعمها استقامة، ولا التزام، ولا وقوف عند كتاب الله لا تسمى عند الله صلاةً، ولا يسمى هذا الصيام صياماً، ولا يسمى هذا الحج حجاً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))

[ البخاري، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

((من حج بمال حرام وقال: لبيك اللهم لبيك يناديه منادٍ أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
أيها الإخوة الكرام، إن حسن الظن بالله ثمن الجنة، لكن ضعاف الإيمان وصفهم الله عز وجل:

﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[ سورة آل عمران: الآية 154]
أقول لكم مرة ثانية: لزوال الكون أهونُ على الله مِن ألاّ يحقِّق وعوده للمؤمنين.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ))

[ الترمذي، أبو داود، الدارمي ]
فالمسلمون اليوم مليارٌ ومائتا مليون، وليس أمرهم بيدهم، وليست كلمتهم هي العليا، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل.
يا أيها الإخوة الكرام:
هذا الذي حدث تغطيه الآية الكريمة:

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[ سورة آل عمران: الآية 179]
نحن محسوبون على الله، محسوبون على دين الإسلام، محسوبون أننا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، سيد الأنام، لكنك إذا دققت في حياتنا، وفي علاقاتنا، وفي كسبنا لأموالنا، وفي إنفاق أموالنا، وفي علاقاتنا بزوجاتنا، وبناتنا، وأولادنا، وفي حلنا، وترحالنا، وفي سلمنا، وحربنا لا تجد الإسلام مطبقاً في حياتنا، فلذلك كأن هذا الذي حدث وضع المسلمين في شتى بقاع العالم في شتى قارات الأرض أمام موقف صعب ؛ إمّا أن تكون ملتزماً، وإما أن تضع حظوظك، ومصالحك التي تأتيك من معصية الله تحت قدمك، حتى تستحق نصر الله عز وجل، وإمّا تنطبق علينا الآية الكريمة:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

[ سورة المائدة: الآية 18]
وليس لكم أية ميزة إطلاقاً، فأنتم بشر ممّن خلق، مِن هؤلاء الشعوب الشاردة، من هؤلاء الشعوب الضائعة، من هؤلاء الشعوب الساقطة من عين الله، من هؤلاء الشعوب المادية، التي جعلت همها طعامها، وشرابها، وشهوتها.
أيها الإخوة الكرام، الأمر لا يحتمل مجاملةً، ولا يحتمل مداهنةً، ولا يحتمل أن نثني بعضنا على بعضٍ، ونحن بعيدون عن نصر الله عز وجل، هذه الفقرة من الخطبة تابعة للخطبة السابقة.
أيها الإخوة الكرام، ماذا علينا أن نفعل الآن ؟ ماذا يمليه علينا شرعنا العظيم، ما الذي يمليه عليه قرآننا الكريم ؟ أول شيء يجب أن نوحد، التوحيد كلمة يقولها أي إنسان، لك أن تقول: ألف مليون دولار، فرق كبير بين أن تلفظها، وليس في جيبك ليرة واحدة، وبين أن تملكها، وفرق كبير أيضاً بين أن تقول: لا إله إلا الله، وبين أن تكون موحِّداً حقيقةً، فإن كنت موحداً حقيقةً فلا تخشى إلا الله، فإذا قرأت قوله تعالى:

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾

[ سورة آل عمران ]
التوْحيدَ التوحيدَ، ألاّ ترى مع الله أحداً، أن ترى أن يد الله فوق أيديهم، أن ترى أن يد الله تعمل بالخفاء، أن ترى قوله تعالى:

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾

[ سورة الأنفال: الآية 17]
أن تعتقد أن كل شيء وقع أراده الله، وأن كل شيء أراده الله وقع، وأن إرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، أن ترى قوله تعالى:

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[ سورة آل عمران: الآية 179]
ما هذا التداخل ؟ ما هذه الضبابية ؟ ما هذا التقييم المائع ؟ فكل من دخل المسجد عَدَّ نفسه مسلماً ؟ لكن دقِّق في حياته اليومية، ألم أقل لكم من قبل: لو دققت في حياة المسلمين لوجدتَهم عملياً لا يؤمنون بالآخرة، يعملون عملاً لا ينبئ أنهم يخافون الآخرة، يأكلون أموال بعضهم بعضاً، يعتدون على أعراض بعضهم بعضاً، يأخذون ما ليس لهم، يتجاوزون حدودهم.
أيها الإخوة الكرام، لعلي في هذه الخطبة أتعاون وإياكم على وضع اللمسات التي نحن في أمس الحاجة إليها، جدِّدْ إيمانك بالله، إياك أن ترى أن مع الله أحداً، قال تعالى:

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾

[ سورة يونس: الآية 24]
فليس مع الله قويٌّ، القوي هو الله، ليس مع الله ذكي، وقد قال الله عز وجل:

﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾

[ سورة الرعد: الآية 11]
على ما عندهم من حرص، ومن احتياطات تفوق حد الخيال، يؤتى الحَذِرُ من مأمنه، فلا ينفع حَذَرٌ من قَدَرٍ، قال تعالى:

﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾

[ سورة الحشر: الآية 2]
كأن هذه الآية تغطي كل ما حدث في هذه الأيام العشر.
أيها الإخوة الكرام، يجب أن نوَحِّد، يجب أن نعقل آيات التوحيد، يجب ألاّ نرى مع الله أحداً، يجب أن نرى أن يد الله فوق أيديهم، لأن هذا الإله العظيم لا يعقل أن يقول لك: اعبدني، وأمرُك بيد غيري، لا يُعقَل أنْ يدعوك لعبادته، وأمرك بيد قوي، لا يرحمك، وأمرك بيد حاقد، لا يحبك، أمرك بيد جهة تحب أن تسحقك، قال تعالى:

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[ سورة هود: الآية 123]
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله لله، بيده مقاليد السماوات والأرض، إياك أن تنساق مع الإعلام الغربي، إياك أن تخاف مما سوى الله، إياك أن تعتقد أن الله خلق الخلق وترك ضعيفهم لقويهم، وفقيرهم لغنيهم، إياك أن ترى أن الله خلاقاً، وليس فعالاً، ينبغي أن تعلم أن الله في السماء إله، وفي الأرض إله، إليه يرجع الأمر كله، لو أن ورقة سقطت لعَلِمها، قال تعالى:

﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾

[ سورة الأنعام: الآية 59]

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾

[ سورة يوسف: الآية 21]
نحن الآن في أمسِّ الحاجة إلى التوحيد، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، هذا النوع من الشرك ولَّى إلى غير رجعة، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهْوَةً خَفِيَّةً ))

[ ابن ماجه، أحمد ]
الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، أن تحب جائراً، أن تحب عدواً، أن تعظم كافراً:

((مَنْ هَوِيَ الكفرة حُشِرَ معهم، ولا ينفعه عمله شيئاً))
وإيّاك أن تغضب على عدل، إذا انحرف سلوكك، وجاء من ينصحك على انفراد، وقال لك: اتقِ الله يا رجل، إذا أخذتك العزة بالإثم فهذا نوع من الشرك، نحن في أمسِّ الحاجة إلى التوحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد قمة العلم، قال تعالى:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء: الآية 25]

﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[ سورة طه: الآية 14]
لا تأخذ بوسائل الإعلام، لا تأخذ بالتهويل، لا تأخذ بالتخويف، لا تأخذ بالقوة التي لا تقهر، صنعت باخرة في مطلع القرن العشرين، وكتب في نشرتها: إن القَدَر لا يستطيع أن يغرقها، فغرقت في أول رحلة لها، صنعت مركبة، وسميت المتحدي، بعد سبعين ثانية من إطلاقها أصبحت كتلة من اللهب، لا يمكن أن يدع الله متألهاً إلا قصمه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

((الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))

[ مسلم، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]
أول حل ؛ أن نعمق التوحيد، لا تلقِ بالاً لا إلى خبر، ولا إلى تصريح، ولا إلى تهديد، إلا أن تكون موحِّداً لله، فالذي خلقك منع أحداً أن ينهي حياتك، ومنع أحداً أن يأخذ رزقك، فكلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرِّب أجلاً.
أيها الإخوة الكرام، ثانياً ؛ لا بد من التوبة، التوبة، والاستغفار، والتسبيح، سيدنا علي وابن عباس رضي الله عنهما لهما قال: (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة)، إذا عددت هذا الذي حصل بلاءً للمسلمين فما نزل إلا بذنب، ولن يُرفَع إلا بالتوبة.
أول شيء وَحِّدْ، وثاني شيء تُبْ مِن كل ذنب، واستغفر، راجع حساباتك، اعمل جرداً لما أنت عليه، لبيتك، لخروج زوجتك، لخروج بناتك، لكسب مالك، لإنفاق مالك، ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِعَ إلا بتوبة.
أيها الإخوة الكرام، الشيء الثالث العبادة، والعمل الصالح:
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))

[ مسلم، الترمذي، ابن ماجه، أحمد ]
في زمن الفتن، في زمن المال الحرام، في زمن النساء الكاسيات العاريات، في زمن الكذب، في زمن يُؤَمَّن الخائن، ويُخَوَّن الأمين، في زمن يُصدَّق الكاذب، ويُكذَّب الصادق، في زمن يُوَسَّد الأمر إلى غير أهله، في زمن ترى المطر قيظاً، والولد غيظاً، ويفيض اللئام فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً، في زمن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ))

[ مسلم، الترمذي، أحمد ]
في زمن الفتن عبادة في الهرج كهجرة إلي، فأووا إلى الكهف، أين الكهف اليوم ؟ مسجدك هو كهفك، بيتك كهفك، اعبد الله في بيتك، واعبد الله في مسجدك، ودع الفتن ما ظهر منها، وما بطن.
أيها الإخوة الكرام:
عبادة متقنة، صلاة متقنة فيها إقبال على الله، صيام متقن، غضُّ بصر، ضبطُ لسان، تركُ الملهيات، تركُ هذه المسلسلات، تركُ هذه الشناعات التي لا ترضي الله عز وجل، كن مع القرآن، كن من أهل القرآن، كن من أحباب النبي العدنان ؛ ملء ساحة شعورك بمشاعر القدس التي تأتيك من معرفة الله.
أيها الإخوة الكرام، الشيء الرابع ؛ أن تشتغل بالشيء المثمر، فهل لك عمل صالح ؟ هل تستهلك وقتك استهلاكاً، أو تستثمره استثماراً ؟ قال تعالى:

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر ]
أربع منجيات ؛ أن تؤمن، وأن تعمل صالحاً، وأن تدعو إلى الله، والدعوةُ إلى الله فرضُ عينٍ على كل مسلم، في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، هل نقلت هذا العلم إلى أخ لك، إلى صديق، إلى جار، إلى قريب، إلى ابن، إلى زوجة....
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((ذُرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))

[ الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد ]
وفي حديث آخر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ ))

(رواه مسلم)
وفي قمة أنواع الجهاد، قال تعالى:

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

[ سورة الفرقان: الآية 52]
هل وسعت دائرة المعرفة بين الناس ؟ هل تنامت حلقات الحق حتى حاصرت حلقات الباطل ؟ أليس لك لسان تنطق به ؟ ألم يقل لك النبي:

((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ))

(رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو)
أيها الإخوة الكرام، لا بد من انتفاضة بالمعنى الإسلامي، لا بد أن ننتفض من واقعنا، مِن تواكلنا، من إهمالنا، من تقصيرنا، من كلمة (لا تدقق)، من كلمة (هذا حالنا لا يخفى عليك يا رب، لا تعاملنا بأعمالنا يا رب)، قال تعالى:

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)﴾

[ سورة الحجر: الآية 92]
أعرابي لم يتعلم شيئاً قال:

((عظني ولا تطل، قال له النبي الكريم: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يَرَهُ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يَرَهُ، قال: كفيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل ))
أيها الإخوة الكرام، ترك التنازع والخلاف، التنازع والخلاف لصالح أعدائنا، بل نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، نغلب مصلحة المسلمين على مصالحنا، نغلب هموم المسلمين على همومنا نتعاون.
أيها الإخوة الكرام، يقول الله تعالى:

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾

[ سورة الأنفال: الآية 46]

﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾

[ سورة الأنفال: الآية 46]
وصف الأعداء قال تعالى:

﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾

[ سورة الحشر: الآية 14]
فما قولكم إذا كان المسلمون كذلك، في اللقاءات مديح ما بعده مديح، وثناء ما بعده ثناء، وابتسامة عريضة، ومصافحة حميمة، فإذا غاب عنك طعنت في علمه، طعنت في تقواه، طعنت في صدقه وإخلاصه، نحن مُفَتَّتُون، لذلك قال الله عز وجل:

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[ سورة المائدة: الآية 14]
وإليكم هذا القانون، العداوة والبغضاء لهما قانون، إذا نسي أحدُنا حظاً مما ذكر به وقع في عداوة مع أخيه، ما تحابَّ مؤمنان فَفُرِّق بينهما إلا بذنب أصابه أحدهما.
أيها الإخوة الكرام، عليك بالتفاؤل، لا تكن متشائماً.
يا أيها الإخوة، سأذكر لكم من السيرة شيئاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام، وهو في أيام الهجرة حينما كان دمه مهدوراً، وحينما وضعت مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة بن مالك من أجل مائة ناقة، قال له: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سِوَارَيْ كسرى، هذا تعلمونه جميعاً، لكن حَلِّلُوه، يقول النبي: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سِوَارَيْ كسرى ؟ يعني أنّ رسول الله سوف يصل إلى المدينة سالماً، هذه ثقته بالله، وسوف يُنْشِئُ دولةً في المدينة، وسوف يحارب أقوى دولة في العالم، وسوف ينتصر، وسوف تأتيه غنائم كسرى، وفيها سِوارَين يلبسهما سراقة، فيا سراقة كيف بك إذا لبست سِوَارَيْ كسرى ؟.
أرأيت إلى ثقة النبي بالله عز وجل، قال تعالى:

﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)﴾

[ سورة الأحزاب ]
وهذا نوع من الزلزال، زلزال نفسي، خوف وهلع، وفي كل يوم خبر فيه تهديد، رؤوس نووية، حاملات طائرات، كل يوم يُفاجئك خبر مفزِع، وتظنون بالله الظنون.
لقد كانت معركة الخندق عمليةَ فَرْزٍ، قال تعالى:

﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)﴾

[ سورة الأحزاب: الآية 12]
أَيَعِدُنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر، وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته، قال تعالى:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾

[ سورة الأحزاب: الآية 23]
أنت مع الله في الرخاء، وفي الشدة، وفي التهديد، وفي التمكين، وفي الغنى، والفقر، وقبل الزواج، وبعد الزواج، وفي حِلِّكَ، وفي سفرك، أنت مع الله، وما بدلوا تبديلا.
أيها الإخوة الكرام:
شيء آخر ؛ يجب أن تستشعر مبادئ الأُخُوّة بين المؤمنين، إنما المؤمنون إخوة في شتى بقاع الأرض، يجب أن تستشعر أن المؤمنين إخوة فيما بينهم، لذلك ينتج عن هذا أن يكون ولاؤك للمؤمنين، فلا تُعِنْ كافراً عليهم، ولا تتملَّقْ كافراً، و لا تتَخَلَّ عن المؤمنين، هذا إذا كنت مؤمناً، فولاؤك لجميع المؤمنين، فإذا لم تجد في سلوكهم ما يؤكد كمال إيمانهم فاطلب من الله لهم نصراً تفضلياً، إن لم يستحق المؤمنون نصراً استحقاقياً فاطلب من الله لهم، وادعُ الله عز وجل أن ينصرهم نصراً تفضلياً، قال تعالى:

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾

[ سورة الروم ]
يجب أن يكون قلبك معهم، مشاعرك معهم، دعاؤك لهم، لأنهم مؤمنون، لأن آلاف النقاط تجمعك معهم.
أيها الإخوة الكرام، ويجب أن تسعى لنجدتهم وتقديم العون لهم لأن النبي عليه الصلاة والسلام حضَّ على ذلك، فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]
يجب أن تتعاطف معهم، وأن تواليهم، وأن تتمنى لهم النصر، وأن تدعو لهم، ويجب أن تسعى لحل مشكلاتهم بما يتاح لك.
أيها الإخوة الكرام، ينبغي ألاّ نقع في فخ ينصبه لنا أعداء المسلمين، فمصلحتهم في تفريقنا، ومصلحتهم في تأجيج الخلافات فيما بيننا، يجب أن ننسى كل خلاف، لنكون صفاً واحداً:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)﴾

[ سورة الصف: الآية 4]
أيها الإخوة الكرام، سمعت كلمة آلمتني أشد الألم، قال الجبابرة في بلاد الغرب: هذا الذي حصل سنستفيد منه إلى أقصى درجة، ونحن إزاءَ خطط مبرمجة إلى عشرة أعوام قادمة، بدأت تنفذ الآن، لقد استفادوا من هذا الحدث، أيعقل أن يستفيد الشارد عن الله مِن حدث، ونحن كمؤمنين لا ننتفع بهذا الحدث، إذا قالوا هناك: سوف نستفيد من هذا الحدث إلى أقصى درجة، فنحن أيضاً ينبغي أن نستفيد منه إلى أقصى درجة، أن نعود إلى الله، وأن نحكم اتصالنا بالله، وأن نتعاون، وألاّ نتنازع، كما أنهم بدؤوا ينفذون خططًا مرجأة إلى عشر سنوات قادمة، وقد وجدوا المبررات، ووجدوا الغطاء، ونحن كذلك ينبغي كمؤمنين أن نستفيد من هذا الحدث، وأن نتعاون، ينبغي أن نستفيد من هذا الحدث فنتوب إلى الله، ينبغي أن نستفيد من هذا الحدث فيحب بعضنا بعضاً، أن نضع الدنيا تحت أقدامنا، بما فيها مصالحنا الشخصية، قال تعالى:

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

[ سورة آل عمران: الآية 139]

يجب أن نوقن أن الله لن يتخلى عنا إطلاقاً.
أيها الإخوة الكرام، هذه النصائح السبع أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون في قلوبنا، وفي عقولنا، وأن تترجم إلى سلوك نتعامل به.

إلى متى أنت في اللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبـه هذا لعمري في المقال شنيـع
لو كان حبك صادقاً لأطعتــه إن المحب لمن يحب مطيــع
نحتاج إلى انتفاضة دينية، نحتاج إلى مراجعة للحسابات، نحتاج إلى إقامة الإسلام في بيوتنا جميعاً، أنت مسلم، وبيتك يجب أن يكون إسلامياً، يتلى فيه القرآن، لا نسهر حتى الساعة الخامسة أمام أقنية المجاري، كلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، جفاف ما بعده جفاف، الأنهار كلها جافة، قال تعالى:

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

[ سورة الجن ]

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾

[ سورة الأعراف: الآية 96]
قد يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية، رَخُصَ لحم النساء فغلا لحم الضأن، وقَلَّ ماءُ الحياء فَقَلَّ ماء السماء، اتسعت الصحون على السطوح فضاقت صحون المائدة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ ))

[ البخاري، مسلم، أبو داود، أحمد ]
دققوا أيها الإخوة، العين تزني وزناها النظر، فهذا الذي يرى على الشاشة الصغيرة ما لا يرضي الله، كيف يُقبِل على الله ؟ كيف يصلي قيام الليل، كيف يذكر الله صباحاً ؟.
أقول لكم مرات عديدة: الحقيقة المُرَّة أفضل ألف مَرَّة من الوهم المريح.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألاّ إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة، حقيقتان أرددهما كثيراً، ونحن اليوم في أمسِّ الحاجة إليهما، أولاً: لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، ولكن اقلق أيسمح الله لك أن تنصره، أو لن يسمح، اقلق على نفسك فقط، ولا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، ولعلك ترى إن شاء الله من خلال هذه الأحداث الغريبة أنّ النتائج تعود أفضل مما كانت على هذا الدين، لأن الله عز وجل يقول:

﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾

[ سورة التوبة: الآية 33]
قبل خمسين عاماً لم يكن في الأرض كلها إنسان يحب أن يعرف عن الإسلام، أمّا الآن في القارات الخمس فهناك مَن يقول: ما هذا الدين ؟ ما هذا الدين الذي وقف في وجه أعتى قوة في العالم ؟ شيء لا يُصدَّق، رُبَّ ضارة نافعة، لكل واقع حكمة، قد نجد بعد حين أن هناك نتائج إيجابية لا يتصورها العقل، جاءت مما حدث، لأن الذي وقعَ وَقعَ بمشيئة الله، وبإذن الله، وبإرادة الله، واللهُ سبحانه وتعالى يريد الخير للبشر، قال تعالى:

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾

[ سورة آل عمران: الآية 26]
لم يقل بيدك الخير والشر، الشر المطلق ليس له وجود في الكون الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، هناك شر نسبي في منظور الناس، لكن الشر المطلق لا وجود له في الكون.

أيها الإخوة الكرام:
الفكرة الثانية ؛ إنه ينبغي ألاّ ينفرد الباطل في الساحة، ينبغي ألاّ ينفرد بالساحة، ولو أنها بؤرة صغيرة، ولو أنها مساحة صغيرة، يتلى فيها الحق، لذلك كن داعية إلى الله، فالدعوة إلى الله فرضُ عين، وانقل الذي سمعته، أو خذ شريطًا وانقله، ووسِّعْ دائرة الإيمان، ودائرة المعرفة، بصِّر الناس بواقعهم، لذلك من الأدعية التي أدعو بها أحياناً: اللهم إنا نعوذ بك من الجهل، والوهم، اللهم انقلنا من ظلام الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

فيا أيها الأخ الكريم، راجع حساباتك، فهذا الذي حدث ينبغي أن نستفيد منه إلى أقصى درجة، لا أن نسمح للطرف الآخر أن يستفيد منه، نحن أَوْلَى أن نستفيد منه.
اللهم اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولنا فيمن توليت، و بارك لنا فيما أعطيت، و قنا و اصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق و لا يقضى عليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، و اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، و اجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، و بفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمِنّا مكرك، و لا تهتك عنا سترك، و لا تنسنا ذكرك، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، و من الخوف إلا منك، و من الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، و من شماتة الأعداء، و من السلب بعد العطاء، مولانا رب العالمين، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، الله صن وجوهنا باليسار و لا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذمّ من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء.
اللهم أصلح شؤون المسلمين في شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم احفظهم من أعدائهم، و انصرهم و عافهم و اعف عنهم يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة المسلمين في شتى بقاع الأرض لما تحب و ترضى، اجمعهم على الحق و الرضا يا رب العالمين.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  أبناؤنا في الزمن الصعب
»  حقيقة الزمن (2)
»  حقيقة الزمن (1)
» هل من الصعب الحمل فى حالتى
» كسل المبيض.. السهل الصعب!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: