أحكام الصلاة على الجنازة
الشيخ محمد حسان
الصلاة على الميت فرض كفاية إذا قام بها بعض المسلمين سقط عن بقيتهم
لأمره r فى أحاديث كثيرة بالصلاة على الميت من موتى المسلمين.
كما فى الحديث الذى رواه مالك فى الموطأ وأبو داود والنسائى وغيرهم بسند صحيح ، من حديث زيد بن خالد الجهنى – رضى الله عنه – أن رجلاً من أصحاب النبى r توفى يوم خبير، فذكروا ذلك لرسول الله r فقال : " صلوا على صاحبكم ".
الشاهد : أنه لم يصل هو r على الجنازة لأن الصلاة على الجنازة فرض كفاية، إن قام بها البعض سقط عن بقيتهم قال r " صلوا على صاحبكم " إلى آخر الحديث، فتغيرت وجوه الناس لذلك – يعنى : لماذا ترك النبى r الصلاة عليه ؟ - فقال r " إن صاحبكم غل فى سبيل الله " - أى أكل حراما أخذ غلولاً – قال تعالى : {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةَِ} (161) آل عمران نسأل الله أن يرزقنا الحلال الطيب، وأن يبارك لنا فيه، وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب قال : ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوى درهمين (1) فسماه النبى r غلولاً.
يستثنى من ذلك شخصان ، لا تجب الصلاة عليهما ، ولكن يجوز الصلاة عليهما ، فالأمر ليس على سبيل الوجوب ، وإنما على سبيل الندب والاستحباب من هما ؟
الطفل ، والشهيد ، لا تجب الصلاة على الطفل، الذى لم يبلغ لكن يجوز ، ولا تجب على الشهيد لكن تجوز؛ لأن النبى لما مات ولده إبراهيم لم يصل عليه كما فى الحديث عن عائشة – رضى الله عنها قالت : مات إبراهيم ابن النبى r وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه رسول الله r (1)
الحديث رواه أبو داود ، وأحمد بسند حسن كما قال الحافظ ابن حجر فى الفتح ، وصححه شيخنا الألبانى – رحمه الله – لكن ثبت فى أحاديث أخرى جواز الصلاة على الطفل ، فالأمر ليس للوجوب.
والشهيد ؛ لأن النبى r لم يصلى على شهداء أحد ، وقد ذكرت بعض الأحاديث السابقة فى المسألة.
لكن يجوز الصلاة على الطفل والشهيد والدليل على ذلك :
أما بالنسبة للطفل ففى الحديث الذى رواه أبو داود والنسائى وغيرهما بسند صحيح، أن النبى r قال : " والطفل – وفى رواية : " والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة " (2)
وعن عائشة – رضى الله عنها – أن رسول الله r أتى بصبى من صبيان الأنصار، فصلى عليه النبى r فقالت عائشة : طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءاً ولم يدركه – أى لم يدركه سن التكليف – فقال r : " أو غير ذلك يا عائشة " ثم قال r " يا عائشة إن الله تعالى قد خلق الجنة، وخلق لها أهلها، وخلقهم فى أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وخلقهم فى أصلاب آباءهم " (1)
اللهم اجعلنا من أهل السعادة ولا تجعلنا من أهل الشقاوة يا أرحم الراحمين . مسائل مقدرة ، شئت أم أبيت { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (7) الشورى مرتبة من مراتب أربع من مراتب الإيمان بالقدر سأفصل الحديث فيها إن شاء الله فى موضوع آخر فلا بد أن تؤمن بأن الله خلق الجنة وخلق النار وهما موجودتان الآن بالفعل ، هذا معتقد النبى r وأصحابه ومعتقد سلف الأمة، خلق الله الجنة والنار وخلق الجنة وجعلها داراً للنعيم لأوليائه ، وخلق النار وجعلها دار للكفار والأشقياء والمجرمين ، وخلق لكل واحدة منهما أهلا لها وهم فى أصلاب آبائهم يعرفهم جل جلاله ، وقد خلق الله أول ما خلق القلم ، وقال : " اكتب قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة(2) روى مسلم فى صحيحه أنه r قال : " إن الله كتب مقادير الخلائق عنده قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة "(3)
وفى الصحيحين من حديث أنس أن النبى r قال : " إن الله تعالى قد وكل بالرحم ملكا فيقول الملك – أى رب نطفة أى رب علقة أى رب مضغة أى رب أذكر أم أنثى أى رب أشقيا أم سعيد " (1) قال المصطفى r : " فيكتب الملك ويقضى ربك ما شاء ".هناك فى بطن أمه قبل أن يخلق شقى أم سعيد ، فالله علم ما كان وما هو كائن وما سيكون {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) القمر جلستك الآن بقدر ، وجلستى الآن بقدر ، ومكانك الذى جلست فيه فى المسجد بقدر ، وكل شئ فى الكون بقدر، بل ولا تسقط ورقة من شجرة فى الأرض إلا بقدر.
" يا عائشة خلق الله الجنة وخلق لها أهلها وخلقهم فى أصلاب آبائهم " سيأتى واحد يسأل كما سأل بعض الصحابة رسول الله r : ففيم العمل إذا ؟! فقال r " اعملوا فكل ميسر لما خل له " (2)
ثم القدر يحتج به فى المصائب، ولا يحتج به فى المعائب. هذا من نفيس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لا تزن وتقول : قدر ، لا تسرق ، وتقول : قدر، لكن إن وقعت بك مصيبة فقل : قدر الله وما شاء فعل ، ولا تقل : لو كان كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ، وسأفصل الحديث فى القدر إن شاء الله.
الصلاة على السقط :
الظاهر أن السقط إنما يصلى عليه إذا كان قد نفخ فيه الروح، وذلك إذا استكمل أربعة أشهر بنص حديث ابن مسعود – رضى الله عنه – فى الصحيحين : " إذا استكمل الجنين أربعة أشهر وسقط، يصلى عليه ويسمى ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة "
وأصل ذلك حديث اين مسعود فى الصحيحين كما ذكرت.
اشترط بعض أهل العلم، أن يسقط السقط حيا لا ميتا ، واحتجوا على ذلك بحديث، لكنه ضعيف، لا يصبح ألا وهو " إذا استهل السقط – أى نزل إلى الأرض صارخاً أو باكياً – صلى عليه وورث " (1) إن كان له ، لكن الحديث ضعيف كما ذكرت
أيضا الشهيد يجوز أن يصلى عليه لكن ليس عل سبيل الوجوب فعن شدد بن الهاد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبى r آمن بالنبى r واتبعه ثم قال : أهاجر معك يا رسول الله r فلبثوا قليلاً ثم نهضوا فى قتال العدو فأتى بهذا الرجل يحمل ، وقد أصابه سهم، ثم كفنه النبى r فى جبته ثم قدمه فصلى عليه مع أنه قد سقط شهيداً ، وقد ذكرت حديثه بالتفصيل، ذلك الرجل الذى قسم له النبى r شيئاً من الغنائم فقال : ما على هذا، إنما اتبعك على أن أرمى ها هنا بسهم فأقتل فقال r : " إن صدق الله يصدقه " قال : فلبثوا قليلاً ثم نهضوا فى قتال العدو فأتى به ألى النبى r محمولاً فلما رآه النبى r – وجد أن سهماً قد أصابه فى الموضع الذى أشار إليه فقال r : " أهو هو " قالوا : نعم هو يا رسول الله قال : " صدق الله فصدقه " ثم كفنه النبى r فى جبة له، ثم قدمه فصلى عليه(2) هذا يدل على جواز الصلاة على الشهيد. كذلك عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله r أمر يوم أحد بحمزة – رضى الله عنه – ثم سجى ببردة، ثم صلى عليه r فكبـر تسع تكبيرات ، وصلاة الجنازة كما هو معلوم، مختلف فى عدد التكبيرات ، لكن ما عليه جمهور أهل العلم الأربع لكن هناك رواية فيها سبع تكبيرات، وفيها تسع تكبيرات، لكن الراجح ما عليه جمهور العلماء.
لكن التسع تكبيرات ثابتة عن النبى r أنه قام فكبر على حمزة فى صلاة الجنازة تسع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى وصلى عليهم وعليه معهم. حديث أخرجه الإمام الطحاوى فى معانى الآثار بسند ورجاله كلهم ثقات معروفون، وابن إسحاق قد صرح بالحديث، والحديث له شواهد كثيرة كما ذكرنا منها قبل ذلك.
عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – قال : إن النبى r مر بحمزة وقد مُثل به ولم يصل على أحد من الشهداء غيره، يعنى من شهداء أحد (1)
والحديث أخرجه أبو داود بسند حسن.
أيضاً تجوز الصلاة على من قتل فى حد من حدود الله هل يجوز أن نصلى عليه؟ نعم .
امرأة زنت ورجمت حتى الموت، هل يجوز أن نصلى عليها ؟ نعم .
هناك رجل أقيم عليه حد الرجم، مثلاً كان زانياً محصنا، فرجم حتى الموت والدليل ما رواه مسلم وأبو داود والنسائى وغيرهم من حديث عمران بن حصين أن امرأة من جهنية أتت النبى r وهى حبلى من الزنى الغامدية فقالت : يا نبى الله أصبت حدا، فأقمه على، فدعا النبى r وليها فقال له : " أحسن إليها فإذا وضعت طفلها فأتني بها " انظر إلى الإسلام الذى اتهموه بأنه متعطش لإقامة الحدود وسفك الدماء.
وفى رواية مسلم : " اذهبى حتى تضعى ولدك " فعادت المرأة حتى ولدت فلما جاءت للنبى r بطفلها فى لفائفه، قال لها النبى r : " ارجعى فأرضعيه حولين كاملين حتى تفطميه " فعادت المرأة فأرضعت طفلها عامين وعادت بولدها وفى يده كسرة خبز – لماذا لم تهرب ؟
لأن هؤلاء تربوا على مراقبة الواحد الوهاب، فهناك فرق بين تربية الناس على مراقبة القانون الوضعى الأعمى، جاءت المرأة بعد سنتين وقالت للنبى r : أقم على الحد. فشدت عليها ثيابها ورجمت حتى ماتت، وبعد ذلك رجع النبى r فصَلَّى بفتح الفاء والصاد، هو الذى صلى عليها r ، ما الدليل على ذلك ؟
الدليل رواية مسلم من حديث عمر يقول للنبى r : يا رسول الله تصلى عليها وقد زنت ؟ فقال r : " يا عمر لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم " . ثم قال r : " وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى " (1)
فبذلك يجوز أن نصلى على من مات فى حد من حدود الله.
أيضاً الصنف الرابع : يجوز أن نصلى على الفاجر العاصى الذى شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ومات وكان فاجراً أو فاسقاً أو عاصياً، كان يكون زانياً، أو مدمناً للخمر، إلى غير ذلك من الفسق؛ فإن هؤلاء يٌصلى عليهم، وهذا ما أجمع عليه المسلمون من لدن المصطفى r إلى يومنا هذا، ما علمنا أن المسلمين قد تركوا الصلاة على فاسق أو عاص، هذا كلام فى غاية الأهمية.
لكن سؤال مهم : هل يجوز للإمام أو الخليفة أو من ينوب عنه، أو للعالم الكبير أن يتأخر عن الصلاة على فاسق معلوم بالفسق؛ ليكون زاجرا لأمثاله؟
الجواب : نعم له أن يتأخر، ولا يجوز له أن يمنع غيره من الصلاة عليه، يجوز له من باب الزجر لغيره، كأن يكون رجلاً له وجاهة وله مكانة، لكن لا يجوز له أن يمنع المسلمين من الصلاة عليه، والدليل فعل النبى r ذلك أكثر من مرة. فعن أبى قتادة قال : كان رسول الله r إذ دعى لجنازة سأل عنها فإن أثنى عليها خيراً قام فصلى عليها، وإن أثنى عليها ذلك قال لأهلها : " أنتم وشأنكم " ولم يصل عليهاr (1).
الحديث رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين، وأقر الحاكم الذهبىُ والألبانىُ.
وعن جابر بن سمرة قال : مرض رجل فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله r فقال : يا رسول الله إن فلاناً قد مات، قال له النبى r " وما يدريك ؟ " قال : أنا رأيته. فقال النبى r " إنه لم يمت " قال : فرجع فصيح عليه، فقالت امرأته : انطلق إلى رسول الله فأخبره فقال الرجل : اللهم العنه. قال : ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشخص، ذبح نفسه فانطلق إلى النبى r فأخبره قال أنه مات وقال : " وما يدريك؟ " قال : رأيته ينحر نفسه بمشخص معه قال : " أنت رأيته ؟ " قال : نعم.
قال : " إذن لا أصلى عليه " (1)
أخرجه بهذا أبو داود بسند صحيح على شرط مسلم كما قال الألبانى، وأخرجه مسلم مختصراً والنسائى والترمذى وابن ماجه والحاكم والبيهقى وغيرهم.
هذا حديث حسن قد اختلف أهل العلم فى هذا فقال بعضهم : يصلى على كل من صلاى للقبلة – يعنى أيا كانت معصيته وكبيرته، وعلى قاتل النفس قال سفيان الثورى وإسحاق وأحمد : يصلى على قاتل النفس، لكن لا يصلى عليه الإمام ويصلى عليه من المسلمين غير الإمام، لماذا ؟ لأن النبى r لم يصل عليه، لكن لم يمنع المسلمين من الصلاة عليه.
وعلمنا – والله أعلم – أن قاتل النفس يصلى عليه من لدن النبى r إلى يومنا هذا، وحسابه على الله إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومن أمتنع من الصلاة على أحدهم – يعنى على القاتل أو الغال: الذى غل وسرق من الغنائم، وعلى المدين زجراً لأمثال عن مثل فعله كان حسنا، ولو امتنع فى الظاهر ودعا فى الباطن؛ ليجمع بين المصلحتين، كان أولى من تفويت إحدى المصلحتين : يعنى امتنع فى الظاهر، ولكن يأتى وهو ساجد بين يدى الله ويقول : اللهم اغفر له، اللهم تجاوز عنه ، والله لو علم كل واحد منا ضعفه ، والله لرحم كل المسلمين.
أنا لست درويشاً أهرف بما لا أعرف بل أعرف كل كلمة، أصحاب القلوب الكبيرة قلما تستجيشها دوافع الغلطة والقسوة والانتقام بل هى إلى الرحمة والعفو والصفح أقرب لأنك بشر، ولست ملكاً ولا نبيأً معصوماً يمكن أن تذل فى نفس المعصية التى تشن بها الحرب على غيرك ليس معنى ذلك أن تحب المعصية التى تشن بها الحرب على غيرك ليس معنى ذلك أن تحب المعصية، حاش لله، لكننا نبغض كل المعاصى نبغض صغيرها وكبيرها لكننا فى الوقت ذاته نرحم إخواننا من المسلمين ممن هم على المعاصى، ونتقرب إليهم برحمة وود؛ لنحذرهم من المعصية ولنحببهم فى الطاعة الطاعة، وإن كنا فى الوقت ذاته نبغض ما هم عليه من المعاصى، فكلنا على المعاصى، نحن لا نريد أن ننظر إلى الناس النظرة القاسية، وأخ على معصية نذبحه لماذا؟ وهل أنت ملاك ؟ من كان بيته من زجاج وجب عليه ألا يرمى إخوانه بالحجارة، كلنا على خطأ وعلى تقصي، كان يؤتى برجل للنبى r ليقام عليه الحد من شرب الخمر، اللفظ فى البخارى : كان كثيراً ما يؤتى به وأخيراً سبه واحد من الصحابة فقال r : " لا تكن عوناً للشيطان على أخيك " لا تسب أخاك " فوالله إنى لأعلم أنه يحب الله ورسوله " (1)
كان النبى r يحمل قلبا يسع أهل الأرض، إننى أرى بعض إخواننا ينظر إلى أهل المعاصى شذرا مذر، كأنه مبراً من كل عيب { كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ } (94) النساء اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا واختم لنا بخاتمة السعاد يا أرحم الراحمين.
كان رجل من السلف قد مر عليه مجموعة من الشباب بطبل وبزمر ومن حوله يقولون له : ادعوا الله عليهم فرفع يديه إلى السماء وقال : اللهم كما فرَّحتهم فى الدنيا فرحهم فى الآخرة.
فقال لهم : اعلموا بأن الله لن يفرحهم فى الآخرة إلا إذا وفقهم فى الدنيا لطاعته وفبضهم على ذلك، وما ضركم فى ذلك من شيء .
فالتواضع هو انكسار القلب لله ، وخفض جناح الذل لخلق الله، أن تكون دائماً خائفاً من الله، لاتغتر بعلم ولا بعبادة ، ولا بطاعة دائماً أنت خائف، وبعد ذلك خفض جناح الذل لخلق الله لا تتكبر لا يملأ قلبك عجب أو غرور ، أو لماذا تغتر ؟ لأنك على علم، من الذى علمك ؟ ولأنك على مال، من الذى أعطاك مالاً ؟ لأنك على صحة، من الذى أعطاها لك؟.
أيضاً عن جابر قال : لما فتح الله على رسول الله r من الغنائم حتى لا يعتقد أحد أن النبى r كان فقيراً إن الله عز وجل قال له : {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} (
الضحى
النبى r كان غنياً فى كل شيء فى كل جانب من جوانب الغنى، كان فى دينه، كان غنياً فى خُلقه، كان غنياً فى خَلقه، كان غنياً فى جسده، كان غنياً فى ماله، أنسيت أن سائلاً أتى يسأل النبى r الصدقة، فأعطاه غنماً بين جبلين رجل يعطى صدقة قطيعاً من الغنم، فانطلق إلى قومه ليقول لهم : يا قوم إن محمداً يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة : يقول جابر : لما فتح الله على رسول الله r قال : " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك ديناً فعلى قضاؤه "
قال بعض أهل العلم : إن هذه الأحاديث ناسخة للأحاديث الأولى التى تتحدث عن الحبس عن الجنة بسبب الدين – هذه رحمة ، والله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } (6) الأحزاب
" فمن ترك ديناً فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته " (1) الحديث رواه أبو داود، والنسائى، بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن رسول الله r كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل : " هل ترك لدينه من قضاء " فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا فلا قال : " صلوا على صاحبكم " فلما فتح الله عليه الفتوح قال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فى الدنيا والآخرة " اقرءوا إن شئتم قوله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ } فمن توفى وعليه دين فعلى قضاؤه ومن ترك مالاً فهو لورثته " الحديث فى البخارى ومسلم .
إن هذه الأمة خير أمة بفضل الله، ثم بفضل المصطفى r قد يعترض على بعض طلابنا ويقول : يا شيخ أين الخيرية ؟ والأمة فى المعاصى والمصائب ، أعلم هذا جيداً، ومع ذلك أؤكد أن أمة النبى r خير أمة ، إذا أردت أن تقف على الفارق مع ما فى الأمة من ذنوب ومعاصى، فانطلق إلى الشرق الملحد والغرب الكافر لترى أناساً يأكلون كما تأكل البهائم لا يعرفون شيئاً عن الله.
شتان شتان بين الموحد والكافر {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (36) سورة القلمأَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } (28) ص
شتان شتان بين فرعون الذى قال : أنا ربكم الأعلى، وبين موحد يقول كل يوم : سبحان ربى الأعلى حتى ولو كان على المعاصى، حتى ولو كان على الذنوب لا ينبغى أبداً أن نسوى بين الكافر ، والموحد، بين المشرك والمؤمن أبداً {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } (48) النساء {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الزمر {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (65،66) الزمر الشرك ذنب ، ولو كان كبيراً يغفر الله إن شاء {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) الزمر اللهم اغفر لنا جميع الذنوب.
الثالث من تجوز الصلاة عليه : من دفن ولم يصل عليه يجوز لمن لم يصل عليه أن يصلى عليه.
ففى الحديث الذى رواه البخارى وابن ماجه ومسلم واللفظ لابن ماجه من حديث ابن عباس – رضى الله عنه – قال : مات رجل ماجه وكان رسول الله r يعوده يعنى : يزوره فدفنوه بالليل، فلما أصبح أعلموه يعنى أخبروا النبى r أن فلانا قد مات فقال الظلمة r : " ما منعكم أن تعلمونى " قالوا : كان الليل وكانت الظلمة، فكرهنا أن نشق عليك يا رسول الله، فأتى النبى r قبره فأمنا خلفه، وصلى عليه (1)
قال ابن عباس وأنا فيهم، وكبر النبى r أربعا.
وعن أبى هريرة – رضى الله عنه : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد – أى تنظف مسجد رسول الله r – فماتت – يعنى كان النبى r دائم السؤال عنها – فلما لم يرها افتقدها – فسأل عنها بعد أيام – فقيل له : إنها ماتت. فقال : "هلا كنتم آذنتمونى؟"
قالوا : ماتت من الليل ودفنت، فكرهنا أن نوقظك . قال أبو هريرة : فكأنهم صغروا أمرها، فقال r" دلونى على قبرها " فدلوه فأتى قبرها فصلى عليها ثم قال : قال ثابت أحد رواه الحديث قال r : " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتى عليهم" (1)
الحديث أخرجه البخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقى وأحمد من طريق ثابت البنانى عن أبى رافع عنه أى عن ثابت.
بالنسبة للزيادة الأخيرة : رجح الحافظ ابن حجر تبعاً للبيهقى : أنها مدرجة فى الحديث، وأنها من مراسيل ثابت وخالف الحافظَ والبيهقى ابن التركمانى فذهب إلى أن الزيادة مسندة من رواية أبى رافع عن أبى هريرة لأنه كذلك فى صحيح مسلم، لكن قول ثابت هذا يؤيد ما ذهب إليه الأولان، ويقويه – أن الحديث ورد من رواية ابن عباس أيضاً، وليس فيه هذه الزيادة كما أخرجه الإمام الطبرانى فى المعجم الكبير قال الشيخ الألبانى – رحمه الله : نعم ثبتت هذه الزيادة أو معناها مسندة فى حديث آخر وهو : عن يزيد بن ثابت وكان أكبر من زيد قال : خرجنا مع النبى r ذات يوم، فلما ورد البقيع، فإذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقالوا : فلانة قال : فعرفها النبى r ثم قال : " ألا آذنتموننى بها " فقالوا : ماتت ظهراً، وكنت قائلاً – أى فى وقت القيلولة- صائماً، فكرهنا أن نؤذيك قال r : " فلا تفعلوا لأعرفن " ثم قال " ماتت منكم ميتاً ما كنت بين أظهركم إلا آذنتمونى به فإن صلاتى عليه رحمة "
" ثم أتى النبى r القبر فصفنا خلفه فكبر أربعا r (1)
الحديث أخرجه النسائى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه، والسياق لابن ماجه وسنده عند الجميع صحيح على شرط مسلم كما قال الشيخ الألبانى.
أيضاً : يصلى على من مات فى بلد ليس فيها أحد من المسلمين، ولم يصل عليه كالنجاشى - رحمه الله تعالى – فهذا يصلى عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب.
ففى الحديث عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى r نعى للناس النجاشى، صاحب الحبشة فى اليوم الذى مات فيه، والرسول فى المدينة، فقام النبى r فى المسجد فنعى للمسلمين النجاشى فى اليوم الذى مات فيه فقال r : " إن أخاكم قد مات ".
وفى رواية " مات اليوم عبد لله صالح بغير أرضكم فقوموت فصلوا عليه " قالو : ومن هو يا رسول الله ؟ قال " النجاشى " ثم قال : " استغفروا لأخيكم " قال : فخرج بهم إلى المصلى.
وفى رواية : إلى البقيع ثم تقدم فصفوا خلفه صفين، قال فصفنا خلفه كما يصف على الميت، وصلينا عليه كما يصلى على الميت قال : وما تحسب الجنازة إلا موضوة بين يديه r قال : فأمنا وصلى عليه وكبر : عليه أربع تكبيرات (1)
الحديث رواه البخارى ومسلم واللفظ لمسلم ورواه أحمد والنسائى والبيهقى وأبو داود وغيرهم.
وفى لفظ أحمد قال r حديث جرير بن عبد الله الطبرى :
" إن أخاكم النجاشى قد مات فاستغفروا له " (2)
قال ابن القيم فى زاد المعاد : ولم يكن من هدية وسنته r الصلاة على كل ميت غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين فلم يصل عليهم، أى فى غير بلاد المسلمين وصح عنه من أنه صلى على النجاشى صلاته على الميت، فاختلف فى ذلك على ثلاثة طرق.
الأول : أن هذا تشريع وسنة للأمة، الصلاة على كل غائب، وهذا قول الشافعى وأحمد.
والثانى : قال أبو حنيفة ومالك : هذا خاص به r وليس لغيره.
القول الثالث : قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه صلى عليه صلاة الغائب، صلى النبى r على النجاشى؛ حيث مات بين الكفار، ولم يصل عليه أحد، وإن صلى عليه، حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب؛ لأن الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبى r صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع واله أعلم والأقوال ثلاثة فى مذهب أحمد وأصحها هذا التفصيل (1)
مسألة فى غاية النفاسة لأن المسألة تحدث خلافاً فى كل مرة يموت فيها عالم من علماء المسلمين، نرى خلافاً بين الإخوة بسبب الصلاة ، وعدم الصلاة، منهم يبدع من يصلى ، ومنهم من يبدع من لا يصلى، وهكذا هذا هو القول الذى يجمع بين الأقوال كلها فى هذه المسألة.
لا يجوز للمسلمين أن يصلوا أو يستغفروا للمشركين والكفار والمنافقين.
الصلاة على الكافرين، والمشركين، والمنافقين، والاستغفار لهم محرم فى الإسلام؛ لقول الله تعالى لنبيهr : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } (84) التوبة
سبب نزول هذه الآية : أن عبد الله بن أبى بن سلول، وهو رأس النفاق فى المدينة.
والمراد بالنفاق هنا : نفاق الاعتقاد، ومعناه : أن يبطن الإنسان الكفر وأن يظهر الإسلام،وصاحبه يكفر بهذا النفاق كفراً أكبر يخرج به من الملة.
أما نفاق العمل فقد حدد النبى r أصوله فى خمسة أصول:
" إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان " (1)
وهذه رواية أبى هريرة فى الصحيح، وفى رواية عبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنه : " وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر (2)
هذه هى أصول نفاق العمل، من توفرت فيه هذه الخصال الخمس كان منافقاً خالصاً، وليعاذ بالله ويخشى عليه عند موته أن يختم له بسوء الخاتمة.
أما نفاق الاعتقاد : فهو نفاق أكبر، وكفر أصغر ، وهو أن يعتقد الإنسان الكفر، وأن يبطنه وأن يظهر الإسلام.
فسبب نزول هذه الآية : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }
أنها نزلت فى عبد الله بن أبى بن سلول، وهو رأس النفاق فى المدينة.
ففى الحديث الذى رواه البخارى والنسائى والترمذى وأحمد وغيرهم : لما مات عبد الله بن أبى بن سلول، دعى له رسول الله r ليصلى عليه.
وأعلم يقيناً أنكم تذكرون جيداً ما فعله عبد الله بن أبى بن سلول مع رسول
الله r ، فهو الذى قال للرسول r يوماً : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وهو الذى قال لرسول الله r ، أو فى حق رسول الله r يوماً : سمن كلبك يأكلك ، وهو الذى قال فى حق رسول الله r يوماً : لقد غَبَّر علينا ابن أبى كبشة، وهو الذى خطط لقتل النبى r.
رجل سافرُ فى عدائه لرسول الله r ، ومع ذلك لما مات دعى رسول
الله r ليصلى عليه، فقام عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – فأخذ بثوب
النبى r ، يقول : فقمت فأخذت النبى r من ثوبه وقلت : يا رسول الله أتصلى على عدو الله، وقد قال يوم كذا كذا وكذا، وظل يعدد عمر للنبى r أقوال رأس النفاق، وهم فى المسجد والجنازة موجودة، أو خارج المسجد على تفصيل سأبينه، وعمر يناقش
النبى r فقال عمر : أعدد عليه قوله، أى ما قاله رأس النفاق، أليس قد نهاك الله أن تصلى على المنافقين فقال تعالى : {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } (80) التوبة
فتبسم رسول الله r وقال : " أخر عنى ياعمر " يقول عمر : فلما أكثرت عليه قال :" ياعمر إنى خيرت فأخترت فقد قال الله لى"{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } ثم قال r : "والله لو أعلم أنى إن زدت على السبعين لغفر له لزدت عليه ".
قمة الرحمة من رسول الله r ، لو أتيت بأبلغ أهل الأرض من العلماء والأدباء؛ ليجسدوا رحمة النبى r فى هذه اللحظة برأس النفاق، ما ستطاعوا ، أصل الإنسان بشر، الطبيعة البشرية حينما تؤذى وتؤذى لا تتحمل، يمكن أن تؤذى من رجل ممن يعرفونك مرة تصبر مرة أخرى تصبر، لكن يستمر الإيذاء، ومع ذلك تصبر، مرة أخرى تصبر مرة أخرى، لكن يستمر الإيذاء، ومع ذلك تصبر، وتنسى الإيذاء، هذا خلق لا يرتقى إليه إلا المصطفى r ، هذا هو مقام النبى r.
يمكن أن أتحمل مرة أو اثنين أو ثلاثة وحتما سأرد الأذى، ولردت الأذى فلست آثماً، بل هذا أمر مشروع جائز، لكن أنظر إلى النبى r يقول لعمر : " يا عمر أخر عنى لو أعلم أنى إن زدت على السبعين مرة فغفر له لزدت عليها ".
قال عمر : إنه منافق ؟ !! قال عمر : فصلى عليه رسول الله r ، وصلينا معه، ومشى معه، فقام على قبره، حتى فرغ منه – يعنى صلى على الجنازة، ومشى مع الجنازة، ومشى ووقف على القبر إلى أن دفن، وفرغ من دفنه – ثم انصرف، فلم يمكث
النبى r إلا يسيراً حتى نزل عليه جبريل يقول الله تعالى : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } (1) قال عمر : بعد أن نزلت هذه الآية والنبى r يقرأها أريدك أن تتخيل فرحة عمر ، وسعادة عمر؛ لأن عمر ملهم، ومحدث ومسدد وموفق.
لقد نزل القرآن موافقاً أكثر من مرة رأى عمر آيات نزلت بنفس الكلمات التى قالها عمر، بالحرف عجيب.
جلس يوماً مع رسول الله r فى الكعبة فقال : يا رسول الله أتخذ من مقام إبراهيم مصلى ؟ قال r : " لم أؤمر بذلك يا عمر " فلم يخرج النبى r من مجله ولم يقم حتى نزل عليه قول الله تعالى : { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}(2) (125) البقرة.
ومن بين هذه المواطن : حجب نساءك يا رسول الله، فنزلت آية الحجاب، ورأيه فى أسرى بدر.
لما سمع هذه الآية يقول عمر قال : فعجبت بعد من جرأتى على رسول
الله r يومئذ ، والله ورسوله أعلم، الحديث أخرجه البخارى، والنسائى ، والترمذى، وأحمد ، ومسلم.
أود أن أنقل كلاماً نفيسا للحافظ ابن حجر فى فتح البارى (1) يقول : إنما جزم عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – أنه منافق جريا على ما كان يطلع عليه من أحواله، وإنما لم يأخذ النبى r بقوله وصلى عليه إجراءً له على ظاهر حكم الإسلام واستصحاباً لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول الذى تحققت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة.
وكان النبى r فى أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح، ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام، ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف، وعدم التنفير عنه ولذلك قال : " لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه " فلما حصل الفتح ودخل المشركون فى الإسلام وقل أهل الكفر وذلوا، أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم الحق، ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهى الصريح عن الصلاة على المنافقين وغير ذلك مما أمر فيه بمجاهرتهم.
بهذا التقرير يندفع الإشكال عما وقع فى هذه القصة بحمد الله تعالى.
عن المسيب بن حزن – رضى الله عنه – قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله r وهو على فراش الموت فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبى أمية فقال رسول الله r : " يا عم إنك أعزم الناس على حقا ، وأحسنهم عندى يدا، ولأنت أعظم على حقا من والدى فقل : لا إله إلا الله ، كلمة أحاج بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! والراجح أن عبد الله بن أبى أمية قد مات على الإسلام.
فلم يزل رسول الله r يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب، وهو آخر ما تكلم به قال : بل هو على ملى عبد المطلب، وأبى أن يقول : لاإله إلا الله، فقال رسول الله r : " أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " مات على الشرك وخرج النبى r فنزل عليه قوله تعالى : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (113) التوبة. وأنزل الله فى أبى طالب فقال لرسول الله r {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(1) (56) القصص
إذن لا يجوز الصلاة على المشركين والكفار والمنافقين ولا يجوز أيضاً أن يستغفر لهم المسلمون.
وعن على – رضى الله عنه – قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه، وهما مشركان، فقلت : تستغفر لأبويك وهما مشركان؟! فقال : أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه، وهو مشرك ؟! قال على : فذكرت ذلك للنبى r فنزل قوله تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } (113، 114) التوبة.
ورد فى صحيح البخارى(2) من حديث أبى هريرة : ((إن إبراهيم يوم القيامة يأتيه أبوه آزر وعلى وجهه قترة أو غبرة ، يطلب من إبراهيم أن يشفع له)) .
والراجح أن آزر هو أبو إبراهيم بنص القرآن ، وليس كما قال الشيخ الشعراوى – رحمه الله – نافياً هذا النسب ، فالقرآن صريح وحديث النبى r فى الصحيحين ، ربما لم يقف الشيخ على هذا الحديث .
((يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجهه قترة أو غبرة،فيطلب آزر من إبراهيم الشفاعه، فيقول إبراهيم :يارب أو ليس قد وعدتنى ألا تخزنى يوم يبعثون ؟ قال :بلى . فقال إبراهيم وأى خزى أخزى من أبى الأبعد . فيقول الله لإبراهيم : انظر ،فينظر إبراهيم فيرى رب العزة قد مسخ والده على صورة ذيخ ملتطخ)) الله يمسخ الصورة إرضاء وتطيبآ لقلب إبراهيم ، وحتى لا تقع عينه على صورة أبية فيحزن فمسخ صورته الحقيقية إلى صورة ذيخ ملطخ بالدماء ((ثم يؤخذ بقوائمه فى جهنم)) فلم يستجب الله لإبراهيم فى أن يشفع لوالده الذى مات على شرك أو ليس ربنا هو القائل : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } ؟! (48) سورة النساء
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ } ؟! (65) سورة الزمر
إذا استغفار إبراهيم لأبيه كان عن موعدة وعدها إياه ، لكن لما تبين له أن أباه عدو لله تبرأ منه ، إن أبراهيم لأواه حليم ، وقال الله تعالى : {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (68) سورة آل عمران {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (67) سورة آل عمران .
فيجب على المسلمين أن يتبعوا إبراهيم على دينه الحنيف المائل عن الشرك أن يحققوا الولاء والبراء . والحديث رواه النسائى والترمذى وحسنه ورواه الحاكم فى المستدرك وأحمد فى مسنده وهذا لفظ أحمد ، وقال الحاكم فى المستدرك و أحمد فى مسنده وهذا لفظ أحمد ، وقال الحاكم : صحيح عل شرط الشيخين ووافقه الإمام الذهبى.
قال الإمام النووى-رحمه الله- فى كتابه الماتع المجموع ، (شرح المهذب) قال: الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة حرام بنص القرآن وإجماع الأمة ، وهناك من المسلمين الآن من يصلى على الكفار ، ومن يستغفر للكفار ؟، وأنتم ترون هذا أوتسمعونه.
وتجب الجماعة فى صلاة الجنازة ، كما تجب فى الصلاة المكتوبة وذلك بدليلين:
الأول : مداومة النبى r عليها.
والدليل الثانى : قوله r : ((صلوا كما رأيتمونى أصلى))(1).
فلقد صلى النبى r على الجنازة وجماعة المسلمين خلفه .
قد يحتج علينا بعض طلاب العلم بأن الصحابة صلوا مع النبى r فرادى ، والراجح أن هذا أمر خاص بالنبى r بدليل فعله طوال حياته.
فالنبى لم يأمر بالصلاة فرادى على جنازة ، فهذا أمر خاص بانبى r هذا إثبتت صحة الرواية ، فبعض أهل العلم يضعفها لكن سند الحديث فيها يتقوى بالشواهد ، ويجوز الاحتجاج به .
فالجمع بين الدليلين فى هذه المسألة أن صلاة الصحابة فرادى على النبى r هذا أمر خاص به ، وإلا فإن النبى r عاش طوال عمره يصلى على الجنازة فى جماعة ، على من مات من المسلمين وهدى النبى r وفعله هو الثابت ، وهو المقدم بلا شك .
أقل ماورد فى انعقاد الجماعة ثلاثة ، لحديث عبد الله بن أبى طلحة ، أن طلحة دعا رسول الله r إلى الصلاة على عمير بن أبى طلحة حين توفى ، فصلى عليه فى منزله ، فكان أبو طلحة وراءه ، وأم سليم وراء أبى طلحة ولم يكن معهم غيرهم .
ولا شك أنه كلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع ، لقوله r ((مامن ميت تصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يفعون له إلا شفعهم الله فيه )) (1).
الحديث رواه مسلم والنسائى والترمذى وصححه والبيهقى وأحمد من حديث عائشة باللفظ الذى ذكرت.
وفى لفظ : ((إلا غفر الله له)) وقد يغفر للميت ، ولو كان العدد أقل من مائة إذا كانوا مسلمين موحدين لم يخالف توحيدهم شرك قال r – والحديث فى صحيح مسلم : (( مامن رجل يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئل إلا شفعهم الله فيه )) (2).
وبذلك يجب على المسلمين أن يحرصوا على صلاة الجنازة ، فإن مما يدمى القلب أن ترى أعداد غفيرة من المسلمين خارج المساجد فى كل البلاد ، حتى ينتهى المسلمون فى المسجد من صلاة الجنازة ، ثم بعد ذلك يمشون مع الجنازة ، وكأن هولاء ما أتوا إلا للمجاملة الكاذبة ، التى لا ينتفع الميت منها بشىء.
ويستحب أن يصف العدد وراء الإمام فى ثلاثة صفوف إذا كان العدد قليلا فصاعدا ، لحديثين .
الأول : عن أبى أمامة قال : صلى رسول الله r على جنازة ، ومعه سبعة نفر فجعل النبى r ثلاثة صفا ، واثنين صفا ، واثنين صفا ، يصلون ثلاثة صفوف (1)، الحديث رواه الطبرانى فى المعجم الكبير ، وقال الهيثمى فى المجمع : فيه ابن لهيعة وهو ضعيف .
قال شيخنا الألبانى : اتهم ابن لهيعة من قبل حفظه ولا تهمة له فى نفسه ، فحديثه فى الشواهد لا بأس به ، ولذلك أوردته مستشهدا به على الحديث الآتى ألا وهو عن مالك بن هريرة قال : قال رسول الله r : ((مامن مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب )) (2). وجبت له الجنة وفى لفظ : ((إلا غفر له)).
فكان مالك إمام دار الهجرة إذا استقبل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف ، للحديث وإذا لم يوجد مع الإمام غير رجل واحد ، فمن السنة ألا يقف الرجل عن يمين الإمام ،حتى يشكل صفا ، وذكرنا حديث عمير بن طلحة أن النبى r صف خلفه طلحة، ووقف خلف طلحة أم سليم.
من يصلى على الجنازة؟
أيضا من المسائل المهمة – وقد تحدث كثيراً من المشاكل فى معظم الجنائز تقريبا – من يصلى على الجنازة ؟ أقرب الناس للميت ، لا دليل على ذلك ، وترى مشاكل فى المسجد كأن يتقدم رجل قد لا يصلى مثلا ، وله ميت ، فيتقدم أهل الفضل وأهل الصلاح وأهل العلم بحجة أنه من أقارب الميت ، هذا لا دليل عليه ، ولكن أولى الناس بالصلاة على الجنازة ، ولى أمر المسلمين ، إن وجد أو نائب الوالى ، لحديث أبى حازم قال :إنى لشاهد يوم مات الحسن بن على – رضى الله عنهم- قال : فرأيت الحسين بن على يقول لسعيد بن العاص وكان أمير المدينة وهو يضرب فى عنقه : تقدم فو الله لولا أنها سنة ماقدمتك ، ولكنها سنة النبى r .
وسعيد بن العاص أمير المدينة ، ومع ذلك الرواية تقول : وكان بينهم شىء(1) يعنى كان فى نفس الحسين شىء من سعيد بن العاص .
الحديث رواه الحاكم والبيهيقى ، وأخرجه أحمد بهذه الزيادة لكنه لم يسبق قصة تقديم سعيد بن العاص ، ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ووافقه الذهبى . والحديث صحيح الإسناد أورده الهيثمى فى المجمع بتمامه مع الزيادة ، ثم قال : رواه الطبرانى فى الكبير ، والبزار ورجاله موثقون.
نائب الإمام ، لم يوجد النائب ، وأحق الناس فى صلاة الجماعة هو أقرؤهم لكتاب الله.
قد يوجد إمام المسجد ، ولكن ليس أقرأهم كأن يكون إماماً راتباً للمسجد يقول : إن تيسر أن يتقدم على الجنازة للإمامة أقرأ الحضور لكتاب الله يكون أولى للتقدم للصلاة على الجنازة بعد الوالى والنائب.
يقول النبى r قال : ((يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة فأن كانوا فى الهجهرة سواء ، فأقدمهم سلما – يعنى إسلاما – ولا يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه ولا يقعد فى بيته على تكرمته إلا بإذنه)) (1).
يعنى نفترض مثلا أن هناك جنازة فى مسجد وأنا إمام المسجد ، وقد يكون فلان أقرأ الحضور ، وقد يكون أعلمهم بالسنة ، وفى هذه الجنازة يأتينا مثلا شيخنا وشيخى الشيخ محمد بن صالح العثيمين مثلا ، فلا يجوز أن يتقدم ، ليصلى إماماً على الجنازة أو فى الجماعة إلا بعد إذن الإمام.
ولا يجوز أن أجلس على تكرمتك فى بيتك إلا بإذنك ، ولا يجوز أن أتقدم عليك إماما فى بيتك إلا بإذنك لى ، ولو وصليت أنت إماما ، وأنا أعلم منك فلا حرج عليك ولا إثم ، إن لم تأذن لى . هذا أدب السنة .
قال r : ((يؤم بالناس اقرؤهم)) حتى ولو كان أصغر الحضور سنا.
يعنى مثلا لو أننا فى قرية ولدينا طفل من أطفالنا صبى عمره ثلاث عشرة سنة ، اثنتا عشرة سنة أربع عشرة سنة ، وهو أحفظ الحضور لكتاب الله هذا هو الذى يتقدم ليصلى بالمسامين إماما مع أن فيه هناك الشيخ الذى بلغ سنه ثمانين سنة ، وهذ هى سنة النبى r اسمع الدليل : يؤم القوم الأقرأ ولو كان غلاماً لحديث عمرو بن سلمة –وكان صبيآ صغيرآ- قال : وفد قومه على النبى r فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا : يارسول الله من يؤمنا ؟ قال r : ((أكثركم جمعا للقرآن)) _أى أكثركم حفظا للقرآن وأكثركم أخذاً للقرآن _ ففرح عمرو بن سلمة فرحاً شديداً قال : فلم يكن أحد من القوم جمع من القرآن ما جمعت ، فقدمونى وأنا غلام وعلى شملة لى ، وقال : فما شهدت مجمعا إلا كنت أمامهم ، وكنت أصلى على جنائزهم إلى يومنا هذا (1).
فى صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب قابل واليا من ولاته يوما فقال له عمر : أنت هاهنا فمن خلفت على القوم ؟ قال :خلفت علهم ابن أبى أبزى فقال عمر : من أبى أبزى ؟ فقال : مولى من موالينا – مولى : خادم فقال : تولى على القوم مولى ؟ قال : إنه أقرؤنا لكتاب الله ، وأعلمنا بسنة رسول الله r يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : أو قد قلت ما قلت ، فإنى سمعت رسول الله r يقول : ((أن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويخفض به أخرين)) (2).
ما العمل إذا اجتمعت عدة جنائز من الرجال والنساء فى آن واحد ؟
والجواب: يصلى على كل الجنائز مرة واحدة ، فتوضع حنائز الرجال ولو كانوا أطفالا أو صغارا ، مما يلى الإمام ، وتوضع جنائز النساء مايلى القبلة وتوضع الجنائز كلها، حتى ولو كانوا عددا كبيرا ، وجنائز الرجال يقف الإمام أمامهم مباشرة ، وجنائز النساء تصف من ناحية القبلة فيصبح الإمام خلف جنائز الذكور أو الرجال .
وفى ذلك أحاديث :
الأول : عن نافع عن ابن عمر – رضى الله عنهما – أنه صلى على تسع جنائز جميعا يعنى فى وقت واحد ، فجعل الرجال من ناحية الإمام ، والنساء يلين القبلة ، فصفهمن صفا واحدا ، يعنى جعل الجنائز التسع صفا واحدا ، جنائز الرجال بعضها وراء بعض وجنائز النساء من ناحية القبلة ، ووقف هو خلف جنائز الرجال ، فيقف بمحاذاة رأس الرجل بحيث إذا وضعت جنازة المرأة توضع نصف الجنازة أو منتصف الجنازة بمحاذاة رأس الرجل بحيث إذا وقف الإمام عند رأس الرجل ، كان فى الوقت ذاته واقفا بمحاذاة وسط المرأة ، وتصلى على الجنائز كلها فى وقت واحد فجعل الرجال يلون الإمام ، وجعل النساء يلين القبلة فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت على وهى امرأة عمر – رضوان الله عليه – ووضع ابن لها يقال له :زيد ، وضعا جميعا ،والإمام يومئذ سعيد بن العاص أمير المدينة ، وفى الناس ابن عباس ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد ،وأبو قتادة ،فوضع الغلام ممايلى الإمام ، فقال رجل:فأنكرت ذلك يعنى كيف يوضع الغلام هنا والمرأة – وهى امرأة عمر – رضوان الله عليه وعليها –امرأة عمر بن الخطاب ،كيف توضع هنا ناحية القبة ، يقول:فأنكرت ذلك فنظر إلى ابن عباس وأبى هريرة وأبى سعيد وأبى قتادة وقال لهم :ما هذا ؟ فقالوا :هى السنة(1).
إذن هذه المسألة واضحة ، يعنى لا حرج إذا اجتمع فى المسجد أكثر من جنازة أن نصلى على الجنائز كلها فى وقت واحد ، فيوضع الرجال ، ثم توضع جنائز النساء من ناحية القبلة ، ويصلى الإمام خلف جنائز الرجال.
وقد قال ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد :هذه هى السنة-أى سنة النبى r –والحديث أخرجه النسائى والدارقطنى والبيهقى قال الشيخ الألبانى: قلت:وإسناد النسائى وابن الجارود صحيح على شرط الشيخين.
واقتصر الحافظ فى ((التلخيص)) على عزوه لابن الجارود قال-أى الحافظ : وإسناده صحيح . وأما النووى – رحمة الله – فقال : روى البيهقى فى السنن بإسناد حسن.
الحديث الثانى :عن عمار مولى الحارث بن نوفل أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها فجعل الغلام ممايلى الإمام ، ووضعت المرأة وراءه أى ناحية القبلة ، فصلى عليها فأنكرت ذلك ، وفى القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدرى وأبو قتادة وأبو هريرة ، فسألتهم عن ذلك فقالوا : هذه السنة(2) ،وإسناده صيحي رواءه أبو داود والسياق له وكذلك البيهقى والنسائى وغيرهم.
المسألة الأخرى : هل تجوز صلاة الجنازة فى المساجد؟
والجواب : نعم لحديث عائشة – رضى الله عنها – قالت :لما توفى سعد بن أبى وقاص – رضى الله عنه – وسعد خال النبى r تقول عائشة : لما توفى سعد بن أبى وقاص ، أرسل أزواج النبى r –ورضى الله عنهن ، أن يمروا بجنازة سعد بن أبى وقاص فى المسجد النبوى وكان من المعلوم أن النبى r يصلى الجنائز فى مكان خارج المسجد النبوى ، هذا معلوم ثابت ، لكن هل يجوز أن تصلى الجنازة فى المساجد؟ نعم يجوز وحديث عائشة هذا فى صحيح مسلم أرسل أزواج النبى r أن يمروا بجنازة سعد بن أبى وقاص – أى يصلين عليه أى أزواج النبى r – ففعلوا فوقف به على حجرهن – على حجرات النبى r ، وأزواج النبى r يصلين عليه ، ثم خرجوا به من باب الجنائز الذى كان إلى المقاعد ، فبلغ زوجات رسول الله r أن الناس عابوا ذلك ، سبحان الله !! حتى فى عهد النبى r حتى فى عهد الخير ، وقرن الخير ، بعض الناس تكلموا قالوا : كيف يكون هذا ؟ عابوا ذلك ، وقالوا : هذه بدعة ، وهكذا قالوا : هذه بدعة ، سبحان الله !! نساء النبى r ستلعن البدعة؟! ما كانت الجنائز يدخل بها إلى المسجد هذه بدعة فبلغ ذلك عائشة – رضى الله عنها – قالت : ما أسرع الناس إلى ؟ أن يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن يمر بجنازة فى المسج