اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 ذكر الموت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
ذكر الموت Oooo14
ذكر الموت User_o10

ذكر الموت Empty
مُساهمةموضوع: ذكر الموت   ذكر الموت Emptyالسبت 9 مارس 2013 - 6:28

خطبة الجمعة
الخطبة 0890 : ذكر الموت .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-07-18
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمنا، وأرنا الحــق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الأخوة الكرام:
يأتي الشيطان لابن آدم فيوسوس له أن يكفر، فإذا رآه على إيمان وسوس له أن يشرك، فإذا رآه على توحيد وسوس له أن يبتدع، فإذا رآه على سنة وسوس له أن يقترف كبيرة، فإذا رآه على طاعة وسوس له أن يقترف صغيرة، فإذا رآه على ورع وسوس له شيئين، الأول التحريش بين المؤمنين، وهذه ورقة رابحة بيد الشيطان، حينما ييأس أن يصرفك إلى كفر أو إلى شرك أو إلى بدعة أو إلى كبيرة أو إلى صغيرة يوسوس لك بالتحريش بين المؤمنين، وهذه ورقة رابحة بيد الشيطان، فإن لم يفلح بقي بيده ورقة أخيرة المباحات، أن تستغرق بالمباحات، أن تمضي الوقت كله في المباحات التي لا تتصل بآخرتك لذلك يأتي ذكر الموت ليقطع عن الشيطان هذه الوسوسة.
يقول عليه الصلاة والسلام:

((أكثروا ذكر الموت))

[ أخرجه ابن أبي الدنيا عن أنس رضي الله عنه ]

((أكثروا ذكر هادم اللذات))

[ أخرجه الديلمي عن أنس رضي الله عنه ]
الموت، مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.

عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارق
واعمل ما شئت فإنك مجزي به
أيها الأخوة الكرام:
من صعبت عليه نفسه فعليه بذكر الموت، لأنه ما ذكر في كثير إلا قلله وما ذكر في قليل إلا كثره.
أيها الأخوة الكرام:
ذكر الموت حقيقة ما من حقيقة صارخة آتية لا ريب فيها كالموت، فأنت إن ذكرت الموت أنت إنسان واقعي، أنت إن ذكرت الموت أنت مع الحقيقة، أنت إن ذكرت الموت مع الواقع، ما من قادم يزلزل كيان الإنسان كالموت، لأن الذي يجمعه الإنسان في عمر مديد يخسره في ثانية واحدة، بل إن كل ممتلاكات الإنسان، ومكانة الإنسان، وكل شأن الإنسان في الأرض متعلق بقطر شريانه التاجي، بل متعلق بسيولة دمه، بل متعلق بنمو خلاياه، والموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل.
أيها الأخوة الكرام:
ذكر الموت ليس من باب التشاؤم، لكن من باب أن تعرف المصير وأن تتكيف معه، ففي أدق تعريف للذكاء إنه التكيف، أنت حينما تتفكر بما أنت قادم عليه وتتلاءم مع هذه الحقيقة التي لا ريب فيها عندئذٍ لا تندم عند الموت، وما رأيت من تعريف للعقل كهذا التعريف، العاقل لا يندم، إن آمنت أنك سوف تغادر الدنيا، وأنك سوف تسأل عن كل صغيرة وكبيرة عندئذٍ تتكيف مع هذه الحقيقة، والذكاء ؛ هو التكيف، عندئذٍ تتوقع ما هو متوقع لن تفاجئ بالموت، الموت بصير كل حي، هذه حقيقة ثانية، بل إن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) ﴾

( سورة الملك )
قدم ذكر الموت لأنه أكثر أهمية بمعنى أنك حينما تولد أمامك خيارات لا تعد ولا تحصى، أما حينما يأتي الموت أمامك خياران لا ثالث لهما.

((فو الذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار))

[ أخرجه البيهقي من رواية الحسن ]
ورد في بعض ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

((أيها الناس إن الأيام تطوى وإن الأعمار تفنى وإن الأبدان تبلا وإن الليل والنهار يتراكضان كتراكض البريد، يقربان كل بعيد، ويخلقان كل جديد، وفي ذلك عباد الله ما ألهى عن الشهوات، ورغب في الباقيات الصالحات))
أيها الأخوة الكرام:
أدق فكرة في الموت أنك زمن، أنك بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، أن رأس مالك هو الزمن، أن أثمن شيء تملكه هو الزمن، أن الزمن وعاء عملك وأن هذا الزمن يمكن أن ينفق استهلاكاً كشأن الناس جميعاً يأكل ويشرب وينام ويستريح ويستجم إلى أن يفاجئ بالموت وهو صفر اليدين، أو ينفق الزمن استثماراً بأن تعمل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن وهذا فحوى قول الله عز وجل:

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾

( سورة العصر )
هو في خسارة محققة لأن مضي الزمن يستهلكه، لكنه بإمكانه أن يتلافى هذه الخسارة حينما يستثمر هذا الوقت، فيؤمن، يزداد علماً بالله، ويزداد طاعة له، ويدعو إلى الله عز وجل، ويصبر على كل ذلك.
أيها الأخوة الكرام:

(( إن الأيام تطوى، والأعمار تفنى، والأبدان تبلا، وإن الليل والنهار يتراكضان كتراكض البريد، يقربان كل بعيد، ويخلقان كل جديد، وفي ذلك عباد الله ما ألهى عن الشهوات، ورغب في الباقيات الصالحات))
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( من أكرم الناس وأكيسهم ؟ ـ يعني أعقلكم ـ قال " أكثرهم للموت ذكرا وأشدهم له استعدادا))

[أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر ]

((ألا ومن علامات العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود بسكنى القبور والتأهب ليوم النشور))
للإمام علي كرم الله وجهه كلمة رائعة في الموت: أيها الناس اتقوا الله الذي إن قلتم سمع، وإن أضمرتم علم، بادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم، وإن أقمتم أخذكم.
أيها الأخوة الكرام: لا مهرب من الموت.

﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾

( سورة الجمعة الآية: 8 )
وفي الآية تصوير رائع، الإنسان يهرب من الموت وكأن الموت وراءه، ثم يفاجئ أنه أمامه، فقد يصاب الإنسان بمرض ويغلب على يقينه أنه ميت بهذا المرض فيأخذ كل الاحتياطات، ويتبع كل التعليمات، ثم يفاجئ أن الموت جاءه من باب آخر، لم يكن يحسب له حساب

اً﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾
إن الناس يموتون كما ينامون ويبعثون كما يستيقظون.
أيها الأخوة:
ليس قبل الموت شيء إلا والموت أشد منه، وليس بعد الموت شيء إلا والموت أيسر منه، كلام دقيق، ليس قبل الموت شيء إلا والموت أشد منه، وليس بعد الموت شيء إلا والموت أيسر منه، هذا للغافل عن الله عز وجل، هذا للشارد، هذا الذي يعيش يومه هذا الذي لا تحكمه النصوص.
أيها الأخوة:
ذكرت مرة أن الإنسان العاقل يحكمه البيان بينما الإنسان الجاهل يحكمه الواقع وضربت على هذا مثلاً أنك إذا أردت السفر إلى حمص مثلاً في أيام الشتاء القارص ورأيت لوحة في ظاهر دمشق كتب عليها الطريق مغلقة إلى حمص بسبب تراكم الثلوج في النبك ماذا يفعل أي إنسان عاقل أراد الذهاب إلى حمص وقد رأى هذ1ه اللافتة بظاهر دمشق ؟ يرجع من توه، بينما الدابة إذا سارت أين تقف ؟ تفق عند الثلج، الدابة يحكمها الواقع فقط، بينما العاقل يحكمه النص، وفرق كبير بين الذي يحكمه البيان وبين الذي يحكمه الواقع.
المدخن الذي أصيب بالسرطان يمتنع عنه قطعاً عندما إصابته بالسرطان، ولكن العاقل من إذا قرأ عن التدخين بحثاً طبياً وفقهياً ابتعد عنه وهو في تمام صحته.
يقول بعض الصلحاء: أيها الإنسان إن بقاءك إلى فناء، وإن فنائك إلى بقاء فخذ من فناءك الذي لا يبقى إلى بقاءك الذي لا يفنى، وأي عيش يطيب وليس للموت طبيب.
الموت ليس له دواء، الموت بالتعريف الدقيق بوابة الخروج لا بد لكل واحد منا من بوابة خروج، قد يبدأ مرض الموت من أحد أعضاء الجسم ويتفاقم، ومرض الموت لا شفاء له، لأنه بوابة الخروج.
أيها الأخوة:
يقول عليه الصلاة والسلام في بعض ما ذكر عن الموت:

((أقلل من الدنيا تعش حراً، وأقلل من الذنوب يهون عليك الموت، وانظر إلى حيث تضع ولدك فإن العرق دساس))
الشاهد في هذا الكلام الطيب

((أقلل من الذنوب يهون عليك الموت))
أما هذا الذي حمل من الذنوب ما لا يطيق كيف سيواجه الواحد الديان.

﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)﴾

( سورة البقرة ).
اعمل للجنة بقدر مقامك فيها، واتقِ النار بقدر صبرك عليها، واعمل لله بقدر حاجتك إليه.
أيها الأخوة الكرام:
من آثر الآخرة على الدنيا ربحهما معاً ومن آثر الدنيا على الآخرة خسرهما معاً.
شيء آخر أيها الأخوة: قال بعض الشعراء:
لا تأمن الموت لا في طرف ولا نفس من عدا غداً من أجله فقد ساء صحبة الموت .
من قال دون أن ينتبه غداً أفعل كذا، غداً أسدد هذه الفاتورة، غداً أزور أختي من عدا غداً من أجله فقد ساء صحبة الموت .

فلا تأمن الموت لا في طرف ولا نفس وإن تمنعت بالحجاب والحــرس
فما تزال سهام الموت نـــــافذة في جنب مدرع منـــها ومترس
أراك لست بوقاف ولا حـــــذر كالحاطب الخابط الأعواد في الغلس

ترجو النجاة ولم تسلك مســـالكها إن السفينة لا تجري على اليبــس
أيها الأخوة الكرام:
سيدنا عمر قال لأبي ذر عظني، فقال: ارضَ بالقوت وخف من الفوت واجعل صومك الدنيا وفطرك الموت.
يعني هذه الدنيا محدودة وفانية، أطع أمر الله فيها، لكنه لعد الموت ليس هناك تكليف هناك جنة عرضها السماوات والأرض.

﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ﴾

( سورة ق )

((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول: ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من يقين نحن فيه ـ يعني الإنسان متيقن وأنه سيعيش وأنه إذا رأى الناس يموتون تباعاً كأنه هو في منجاة لهذا المصير.
وقال بعضهم: نهارك ضيفك فأحسن إليه فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك وإن أسأت إليه ارتحل بذمك، وكذلك ليلك.

أيها الأخوة الكرام:
الحديث كما يقولون ذو شجون، ولكن أريد في هذه الخطبة أن أقرأ لكم رسالة كتبها إنسان ذو شأن في العلم وفي الأدب، كان يسبح فأدركه الغرق فبقي في الماء دقيقتين وجاءته خواطر لا تعد ولا تحصى.

يقول هذا الأديب: كنت ممتلأ صحة، أكاد أتوثب من النشاط توثباً، وكان الموت بعيداً عن فكري، والموت أبعد شيء عن أفكارنا، وإن كان أقرب شيء في الحقيقة إلينا، نتناساه وهو عن أيماننا وشمائلنا، نشيع الجنائز ونمشي معها ونحن في غفلة عنها نتكلم كلام الدنيا، ونرى مواكب الموت تمر بنا كل يوم، فلا نفكر ولا نعتبر، ولا نقدر أننا سنموت كما ماتوا، ومات من كان أصح منا صحة، ومات من كان أشد منا قوة، وأكبر سلطاناً، وأكثر أعواناً، فما دفعت عنه الموت لما جاءه صحته ولا قوته، ولا حماه منه سلطانه ولا أعوانه، نعرف بعقولنا أن الموت كأس سيشربه كل حي ولكننا ننسى هذه الحقيقة بمشاعرنا وعواطفنا، وتحجبها عنا شواغل يومنا، وتوافه دنيانا، يقول كل واحد منا بلسانه إن الموت حق وإنه مقدر على كل حي، ويقوله بفعله لن أموت، لقد كتب الموت على كل نفس إلا نفسي، فلا يزال في العمر فسحة ولن يأتي أجلي أبداً، هذا لسان حاله، لسان مشاعره، أما لسان قاله الموت حق وقد كتب على كل حي.

أيها الأخوة:
هذا الموت يراه هذا الكاتب بعيداً عنه، لم يحن حينه، ولم دنو موعده، يقول لذلك كنت أؤجل التوبة من يوم إلى يوم، أقول إذا بلغت من الشباب تبت، فلما بلغتها قلت أتوب في الأربعين، فلما تجاوزتها قلت أنتظر حتى أتم بناء الدار، فلما أتممتها قلت أتوب واتفرغ إلى الله إذا بلغت سن التقاعد، كأني أخذت على ملك الموت عهداً ألا يطرق بابي حتى ابلغ سن التقاعد، فها هو قد جاء على غير ميعاد، وكان أول ما خطر على بالي أني كنت أتمنى ميتةً سهلةً سريعة تكون على إيمان، وأن هذه الأمنية تلازمني من أزمان فخشيت أن قد سعيت إلى هذه الميتة فأكون منتحراً والعياذ بالله، ورحت أفكر في صنعت من لدن دخلت الماء فإذا أنا لا أذكر من ذلك شيئاً، وإذا أنا أشعر أنا غداً بعيداً عني كأنه قد كان من سنة لا من دقائق معدودة، وصغرت الدنيا في عيني، كأني أراها من طيارة قد علت فوق أطباق الجو، ومن كان على سفر يسرع فيلحق القطار هل يرى من الشوارع التي يجتازها شيئاً هل يغريه منها جمال ساحر، أو فن طريف، إنه يحس بها غريبة عنه، وأنها ليست له، يغدو منظرها في عينه كصورة زائفة فكيف ينظر إلى هذه الدنيا من أيقن بالموت، الذي أيقن بالموت لا يرى شيئاً من الدنيا، نراها نحن وقد توهمنا أن الموت بعيد عنا.

أيها الأخوة :
يقول هذا الكاتب: والله لقد محيت صورة الدنيا من أمامي، ما لي ولدنيا، لم يبقَ لي فيها إلا لحظات معدودات وأنا أتجرع كأس الآلام، لم يبقَ لي منها ما لا يغريني، حتى الأهل والولد، شغلت بنفسي عنهم فلا تصدقوا ما تقرؤونه من القصص من أن المشرف على الغرق يفكر في أحباءه، أو في أعماله، أو في أدبه، أو في علمه، أو في مقالاته، أو في أشعاره، أو يهمه ما يقال فيه من بعد موته ربما كان هذا من غير المسلم، أما المسلم فلا يرى في تلك الساعة إلا ما هو قادم عليه، وازدحمت علي الخواطر فيما أفعله فحاولت التشهد والتوبة أولاً فلما أستطع النطق بشيء مما كان في فمي من الماء، وازدادت علي الآلام ولكنها لم تقطع خواطري، وكان ذهني في نشاط عجيب، ما أحسست مثله في عمري كله، وكنت في خوف من الموت ورغبة فيه، أرغب فيه أرجو أن تكون هذه الميتة على الإيمان وأخاف لأنه ليس لدي ما أقدمه لله عز وجل، لقد الموت كما يفاجئ التلميذ المهمل الذي لا يزال يؤجل المطالعة والحفظ، ويقول الامتحان بعيد وتمضي الأيام حتى إذا رآه صار أمامه قطع أصابعه ندماً، وأذهب نفسه حسرةً، وما نفعه من ذلك شيئاً، هذا في امتحان يسير أسوأ ما فيه أن تذهب بالسقوط فيه سنة من عمره سدا، فكيف بالامتحان الأعظم الذي لا بعده إلا النعيم الأبدي في الجنة أو الشقاء الطويل في النار، الامتحان الذي ليس فيه إكمال ولا تعاد له دورة، ولا يجبر فيه كسر، ولا تنفع فيه شفاعة شافع، ورأيت موقف الحساب رأي العين والناس يدعون ليأخذوا نتائج الامتحان، فمن أخذ كتابه في يمينه وحمل إلى الجنة فهذا هو الفائز، ومن أخذ كتابه بشماله وسيق إلى النار فهو الخاسر وهذا هو الخسران المبين.

الآن دققوا أيها الأخوة: وعرضت عملي فلم أجد لي عمالاً من أعمال الصالحين فلا أنا من أهل المراقبة الذين لا يغفلون عن الله طرفة عين، ولا أنا من المتعبدين الذين يقيمون الليالي الطوال والناس نيام ويناجون ربهم بالأسحار، ولا أنا من المتقين الذين يتجنبون المحرمات وما أنا إلا واحد من الغافلين المذنبين أي والله فبما أقدم على الله ـ هذه كلها في دقيقتين، هذه الخواطر وتلك المشاعر، وهذا الألم، وهذا التفكر في المصير في دقيقتين ـ ونظرت فإذا كل ما ربحته من عمري لحظات، لحظات كنت أحس فيها حلاوة الإيمان، وأخلص فيها التوجه إلى الله الواحد الديان، تقابلها عشرات من السنين، كنت سابحاً في بحار الغفلة، تائهاً في بيداء الغرور، أحسب من جهلي أن الأيام ستمتد بي، لم أدري أن العمر ساعات محدودة، وأن ذلك هو رأس مالي فإن أضعته لم يبقَ لي منه شيء بعد ذكرت حديثاً كنت حفظته في صباي ")) اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك (( و ندمت لأنني لم أكن وضعته في مجلسي، واتخذته منهجاً لحياتي، ولكني لم أعرف مع الأسف معناه ولم أدرك حقيقته إلا عندما انتهت حياتي، وفكرت فيما كنت أكابد من ألم الطاعة، فإذا الألم قد ذهب وبقي الثواب، ونظرت فيما استمتعت به من لذة المعصية فإذا هو قد ذهب وبقي الحساب فندمت على كل لحظة لم أجعلها لله طاعة، نظرت فإذا المقاييس كاملة تتبدى ساعة الموت وإذا كل ما كنت أحبه وأنازع عليه قد صار عدماً، وإذا أنا لم آخذ معي شيئاً، بنيت داراً فما حملت معي منها حجراً، اقتنيت مالاً فما كان لي منه شيء، إلا ما ظننت وأنا في الدنيا من قبل أني خسرته وهو ما أخرجته لله، وكتبت آلاف من المقالات في عشرات من السنين وكان لي من القراء والمستمعين ملايين وملايين فما نفعني إلا كلمة قلتها لوجه الله وأين هي ؟ لقد تركني هؤلاء المعجبون بأدبي وبياني أموت الآن وحدي، وما جاء واحد منهم ليأخذ بيدي، وما أقبل واحد منهم يدفع الموت عني، وعرفت لذائذ الحياة كلها فما الذي بقي في يدي وأنا أموت غرقاً، ماذا بقي من لذائذ ؟ وما الذي استبدلته بالعمل الصالح الذي لا أرجو النجاة إلا به.

هذه أيها الأخوة مشاعر كل إنسان شارف على الموت، لقد كان إبليس يشغلني عن الخشوع في الصلاة، ويخوفني أن تذهب صحتي بقطع المنام لصلاة الفجر، أو صيام أيام الحر، وأنا أخسر حسن رأي الناس إن جهرت بقولة الحق، أو ينالني في ذلك أذاً في جسدي أو في رزقي، فوجدتني الآن أخسر الناس إذ بعت الباقي بهذا الوهم الزائل، أما العاقل فيبذل ما لديه من متاع ويعلم أن الذي يعطيه اليوم هو الذي يبقى له غداً، وأن الذي يحتفظ به اليوم ويخفيه يخسره غداً ويكون مستعداً للسفر في كل لحظة، وأما الأحمق فيتمسك في خيمته ومتاعه القليل ويقول أنا باق هنا، هذه هي داري، هذا متاعي، وما الدار الآخرة إلا وهم في وهم.

أيها الأخوة الكرام:
يرى الإنسان الناس يطيرون كل يوم فلا يفكر ويظن وحده هو الباقي حتى يجيء دوره فيحمل قسراً لا يملك دفعاً ولا منعاً، ويخسر ما كان له في الجزيرة ولا يلقى أمامه من شيء يعتمد عليه.

وغلبني ألم الموت، ولم يعد في طوقي أن أفكر، فترجعت إلى الله وتصورت كرمه وعفوه وكان يغلب علي الأمل وحب الحياة، فأضرب بيدي ورجلي وأرفع يميني أشير بها، ثم يدركني اليأس فأسلم أمري إلى الله، ولم أكن أتمنى بعد المغفرة إلا شيئاً واحداً أن يخفف الله عني بتعجيل موتي أخشى أن يطول بي هذا الألم فوق ما طال، وقد خيل ألي أني بقيت على ذلك ساعات ولكن تبين لي من بعد أني لم ألبس أكثر من دقيقتين، أحسست هذه الآلام ومرة في ذهني هذه الخواطر، وهذا من العجائب التي أودعها الله في النفس البشرية فأنت ترى حلماً تعيش فيه عشرين سنة بأحداثها وتكون قد نمت أكثر من خمس دقائق، ولما خارت قواي، وأوشكت أن أغوص فلا أطفو أبداً خيل إلي أني أسمع أصواتاً تناديني أحسست بيدي تمس شيئاً صلباً أدركت أنه طرف من زورق ففرحت فرحةً ما فرحت قط مثلها وشعرت أني أفرع إلى الزورق، ثم غبت عن نفسي وهم يمسكون برجلي لأخرج بعض الماء الذي في جوفي، ثم خرجت بنفس جديدة، واتعظت موعظة فريدة أرجو أن تدوم لي.

أيها الأخوة الكرام:
هذه الكلمات التي ألمت بهذا الإنسان الأديب الذي أشرف على الغرق تصيب كل إنسان اقترب من الموت، بل إن كتاباً صدر وقد ترجم إلى اللغة العربية هو الحياة بعد الموت أخذ من عشرات الذين أوشكوا على الموت ثم نجو منه، ما المشاعر التي انتابتهم، العجيب أن هذا الكتاب كان تحت يدي وجعلت منه قبل عشر سنسن فيما أذكر خطبة، الناس جميعاً على اختلاف مللهم ونحلهم وانتماءاتهم وأديانهم يشعرون شعوراً واحداً، وينطقون بكلمات موحدة إنهم يدركون الحقيقة الصارخة عندما يقتربون من الموت، مصداق ذلك أن الله ذكر في قرآنه الكريم أن فرعون وهو أكفر كفار الأرض الذي قال:

﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾

( سورة النازعات ).
والذي قال:

﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

( سورة القصص الآية: 38 )
حينما أدركه الغرق قال:

﴿آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾

( سورة يونس )
أخوانا الكرام:
خيارك مع الموت خيار وقت فقط، فإما أن نؤمن قبل فوات الأوان وننتفع من هذا الإيمان، أو أنه لا بد من أن نؤمن بعد فوات الأوان ولا ننتفع بهذا الإيمان، فهذا الموت مصير كل حي لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ولا شاباً ولا شيخاً ولا غنياً ولا فقيراً ولا حاكماً ولا محكوماً ولا قوياً ولا ضعيفاً، قد يأتي بغتةً وقد يبقى الإنسان على فراش المرض ثلاثين عاماً.
أيها الأخوة الكرام:
أكثروا ذكر هادم اللذات، مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.

عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارق
واعمل ما شئت فإنك مجزي به
الموت مصير كل حي.
أخوانا الكرام:
فرق كبير بين أن يكون الموت فكرة وبين أن يكون الموت حقيقة، الحقيقة أن الإنسان لا يشعر بحقيقة الموت إلا حينما يأتيه خطر شديد إن على صحته أو على أشياء أخرى أما حينما يرى الأمر يطول والموت ليس قريباً يبقى الموت فكرة، لكن هل يعني التفكر بالموت هو التشاؤم ؟ لا والله، ولكن التفكر بالموت يجعلك على الطريق المستقيم والتفكر بالموت يجعلك تحث الخطى إلى الله عز وجل.
أيها الأخوة الكرام:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشد أن سيدنا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأخوة الكرام:
مما جاء في خطب النبي صلى الله عليه وسلم:

((يا أيها الناس ! كأن الموت على غيرنا فيها كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكأن الذي يشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نأويهم أجداثهم وتأكل تراثهم كانا مخلدون، قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، واستقامت طريقته ! طوبى لمن تواضع لله من غير منقصة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، وخالط أهل الفقه والحكمة ورحم الله أهل الذل والمسكنة! طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعد عنها إلى بدعة، ثم نزل.))

[ رواه البزار عن أنس رضي الله عنه ]
أيها الأخوة الكرام:
يروى أن بعض الصالحين حفر في صحن بيته قبراً وكان يضجع فيه كل خميس وكان يتلو قوله تعالى:

﴿رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

( سورة المؤمنون الآية: 99 ـ 100 )
فيخاطب نفسه ويقول: قومي يا نفس لقد أرجعناكِ.
التفكر في الموت يجب أن يكون دورياً، في الأسبوع مرة في اليوم مرة، التفكر في الموت يجعلك تنضبط وفق منهج الله، والتفكر بالموت يجعلك تحث الخطى إلى الله، لكن لا علاقة له بالتشاؤم لك أن تدرس، ولك أن تعمل، ولك أن تؤسس عمل، ولك أن تتزوج ولك أن تربي أولادك، هذا لا يتعارض مع ذكر الموت، لكن ذكر الموت حصن يحصنك من أن تعصي الله عز وجل، وحاث يحثك إلى السبق في مرضاة الله عز وجل، للموت معنى إيجابي، الناس يكرهون ذكر الموت يظنونه تشاؤماً، يكرهون ذكر القبور، يكرهون أن تحدثهم بمصيرهم، لكن العاقل يقبل الحقيقة المرة ويؤثرها على الوهم المريح.
والله أيها الأخوة في هذه الأشهر العديدة والله أخوة كثر والله صلوا الظهر ودفنوا العصر، أخوة كثر خطفوا خطفاً، افتقدناهم فجأة، الموت قريب جداً، الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل، الإنسان حينما يولد كل من حوله يضحك وهو يبكي وحده، فإذا وافته المنية كل من حوله يبكي فإذا كان بطلاً يضحك وحده.
واكربتاه يا أبتِ قال لا كرب على أبيك بعد اليوم غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.
الإنسان حينما يقدم عملاً صالحاً بين يدي الله عز وجل الموت لا يعود مخيفاً كما يخافه معظم الناس، لك عند الله شيء، قدمت عملاً طيباًَ فالذي يرجو رحمة الله عز وجل ينبغي أن يرجوها بعمل.

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾

( سورة الكهف الآية: 110 )

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) ﴾

( سورة الإسراء )

أخوتنا الكرام:
حينما تجعل من ذكر الموت منهجاً لك كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام حينما تتصور أنك غبت عن الدنيا، هذا الذي يحصله الإنسان يفقده في ثانية واحدة، فإذا كان مستعداً لهذا اليوم يخف ندمه، ويخف ألمه، وتخف مصيبته، هذا المتوقع خطير جداً، الناس في غفلة.
أيها الأخوة:
من أشد الأمراض التي تصيب الإنسان غفلته عن الله وطول أمله.
ذكرت كثيراً أنني كنت مع شخص حدثني والله عن خططه لعشرين عاماً والله تفاصيل كثيرة ذكرتها في غير مناسبة، وغادرت هذا اللقاء إلى عمل ثم إلى البيت، وذهبت إلى مركز المدينة وفي طريق العودة إلى البيت رأيت نعوته على الجدران في اليوم نفسه والله في اليوم نفسه، الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل.
اسأل نفسك هذا السؤال هل أعدت لله جواباً عن كل شيء، هل عندك جواب عن كل عمل تعمله، لو أن الله سألك لمَ فعلت كذا ؟ لمَ أخذت هذا المال ؟ لمَ كنت قاسياً مع زيد لمَ نافقت لعبيد ؟ لمَ قلت كذا ؟ لمَ لم تقل كذا ؟ لمَ وصلت ؟ لمَ قطعت ؟ لمَ غضبت ؟ لمَ رضيت ؟ لمَ زرت ؟ لمَ جافيت ؟ هل عندك جواب ؟ هل عندك جواب تقدمه لله عن كل حركة أو سكنة أو عمل، أو موقف، أو إنفاق، أو تقتير، أو قطيعة، أو صلة، البطولة أن تهيأ جوباً لله عز وجل، البطولة والله عز وجل راضٍ عنك، أن يرضى الله عنك هذا أعظم كسب في حياة الناس أن يرضى الله عنك، أن تأتي الله وهو راضٍ عنك، راض عنك باستقامتك.
أيها الأخوة:
ربنا عز وجل هناك قوانين وضعها لنا، رضوانه ليس مستحيلاً، أسباب رضوانه بين أيدينا، طاعة الله رضوانه، أن تأتي ما أمرك وأن تجتنب ما نهاك، ليس الولي الذي يطير في الهواء، ولا الذي يمشي على وجه الماء، الولي كل الولي أن يجدك حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك.
أيها الأخوة الأحباب:
كان من الممكن أن نأتي إلى الدنيا جميعاً دفعة واحدة، وأن نغادرها كذلك، إذاً لا موت، ولكن شاءت حكمة الله أن نأتيها تباعاً وأن نغادرها تباعاً ليتعظ بعضنا ببعض والله أيها الأخوة حينما أقف على قبر حين دفنه والله لا أجد على وجه الأرض من هو أعقل ممن يعمل لهذه الساعة التي لا بد منها، سوف تسأل عن كل شيء.

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

( سورة الحجر ).

تسأل عن عمرك فيما أمضيته، تسأل عن مالك من أين اكتسبته، فيما أنفقته تسأل عن صلاتك، تسأل عن عبادتك، تسأل عن كل شيء، وليس معك أحد.

﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 98 ).

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى ﴾
فهل تثبت حجتك ؟ فاطمة زوجة عمر بن عبد العزيز دخلت عليه وهو يبكي في مصلاه، تقول له مالك تبكي ؟ قال دعينِ وشأني، فلما ألحت عليه قال يا فلانة ذكرت الفقير البائس والجائع والمسكين وابن السبيل والشيخ الكبير والمريض والعاجز والأرملة فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، وأن حجيجي دونهم رسول الله لهذا أبكي، فدعينِ وشأني.
ألم يقل عمر ـ والله ما قالها مزاودة ـ قال والله لو عثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لم تصلح الطريق لها يا عمر، والله لو تعثرت ـ هو في المدينة ـ بغلة في العراق ـ بغلة ليس بشراً يقتلون كل يوم بغلة ـ لحاسبني الله عنها لمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر، يقول عليه الصلاة والسلام:

((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]
والله أستمع أحيان إلى أشياء لا تصدق، كمثل واحد دخل لبيت يعني ضرب صاحبه ضرباً حتى جعله قعيد الفراش، وقتل أولاده بالرصاص، وسلب أثاث بيته، وأخذ كل ماله، ثم قال له هذا يوم عيد لك، يجب أن تحتفل به كل عام، هذا عيدك، هذا الذي نسمعه، هناك جرائم ترتكب في العالم لماذا ترتكب ؟ لأن الناس يغفلون عن الدار الآخرة

((فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ))

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾

( سورة إبراهيم )

﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) ﴾

( سورة إبراهيم )
اللهم اهدنا فيمن هديت وعافينا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت واقنا واصرف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يزل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصل الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذكر الموت
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: