اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الإخلاص

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100215
الإخلاص  Oooo14
الإخلاص  User_o10

الإخلاص  Empty
مُساهمةموضوع: الإخلاص    الإخلاص  Emptyالسبت 9 مارس 2013 - 6:26

خطبة الجمعة
الخطبة 0894 : الإخلاص .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-08-15
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمنا، وأرنا الحــق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام:
مرة زرت صديقاً تسلم منصباً رفيعاً، أهنئه على هذا المنصب، فإذا هو قد وضع لافتة صغيرة على طاولته كتب عليها قوله تعالى:

﴿أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق﴾

( سورة الإسراء الآية: 80 )
فكان موضوع الحديث هذه الآية لمَ لم يقل الله عز وجل رب اجعلني صادقاً " ﴿أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق﴾ لأنه يمكن أن تدخل في عمل ما صادقاٌ وتذل قدمك في أثناء هذا العمل ولا تخرج منه وأنت صادق.
أيها الأخوة الكرام:
موضوع هذه الخطبة الإخلاص:
والدعاة إلى الله، وطلاب العلم الشرعي، ورواد المساجد في أمس الحاجة لهذا الموضوع، لأن حجم الإنسان بعد إيمانه بالله، بعد إيمانه بالله الإيمان الذي يحمله على طاعته، حجم الإنسان بحجم عمله، وحجم عملك بقدر إخلاصك، مكانتك عند الله بحجم عملك الصالح، وحجم عملك الصالح لا بكمه ولا بنوعه ولكن بإخلاصه، لذلك يقول الله عز وجل:

﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾

( سورة البينة الآية: 5 )
مخلصين حال، الجوارح بالظواهر تنساق لحكم الله، هذه عبادة الجوارح والحال هو الإخلاص لله:

﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)﴾

( سورة البينة )
آية ثانية تؤكد المعنى نفسه:

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2)﴾

( سورة الزمر )
بعضهم ظن أن الإخلاص هو نصف الدين، أن تخضع لأمر الله هذه عبادة الجوارح وأن تكون بهذه العبادة مخلصاً هذه عبادة القلب، القلب له عبادة والجوارح لها عبادة لكن بعضهم قال: الإخلاص هو الدين كله، فإن عبدت الله بجوارحك ولم تكن مخلصاً لا قيمة لهذه العبادة، إذاً الإخلاص هو الدين كله.
سيدنا عمر رضي الله عنه قال: تعاهد قلبك ـ لاحظ هذا العمل ماذا تريد به ما الخواطر التي تأتيك وأنت تعمله، ما الأهداف التي تتوخاها من هذا العمل، ما الدوافع التي بعثتك إلى هذا العمل، قد تقول لا تدري نقول لك إنك تدري.

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾

( سورة البينة )
أوجه هذا الخطاب لنفسي أولاً والله الذي لا إله إلا هو ولكم ثانياً إنك تدري لماذا تعمل هذا العمل، ما الدوافع التي وراء هذا العمل، ما الأهداف التي تتوخاها من هذا العمل ما المشاعر التي تنتابك وأنت في هذا العمل

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾

آية ثالثة:

﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14)﴾

( سورة الزمر )
العبادة حركة تقوم بها الجوارح وعبادة القلب أن تبتغي بهذه الحركة رضاء الله عز وجل لا غير.
أيها الأخوة الكرام: يقول الله عز وجل:

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾

( سورة الملك )
الفضيل رحمه الله عز وجل فسر

﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
قال أن يكون العمل صواباً وخالصاً، صواباً ما وافق السنة، وخالصاً ما ابتغي به وجه الله.
وهذان الشرطان أيها الأخوة كل منهما شرط لازم غير كافٍ، لا يكفي أن يكون العمل صواباً وفق منهج رسول الله ينبغي أن يكون مع صوابه مخلصاً، ولا يكفي أن يكون العمل مخلصاً كأن نقيم حفلة لا ترضي الله ريعها للأيتام، ولا يكفي أن يكون العمل لوجه الله ينبغي أن يكون صواباً، آية خامسة الله عز وجل يقول:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾

( سورة الكهف الآية: 110 )
وكأن القرآن كله سيضغط في هذه الكلمات ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ﴾

( سورة الكهف الآية: 110 )
من أراد أن يعقد مع الله صلة، من أراد أن يكون الخط بينه وبين الله ساخناً، من أراد أن يكون له طريق إلى الله عز وجل

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ﴾
بشكل أو بآخر:

﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾

( سورة الكهف الآية: 110 )

الإشراك هنا إشراك في النية

﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾

لا يبتغي بهذه العبادة سمعة، ولا مظهراً، ولا مديحاً، ولا ثناء، ولا تقديراً، ولا إكباراً أبداً

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾

أيها الأخ الكريم:
تعاهد قلبك، دقق بالمشاعر التي تنتابك وأنت تعمل هذا العمل، دقق في البواعث التي دعتك إلى هذا العمل، دقق في الأهداف التي توخيتها من هذا العمل.
أيها الأخوة الكرام:

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً﴾

( سورة النساء الآية: 125 )
يعني ليس هناك عند الله أحسن ديناً:

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125)﴾

( سورة النساء )
إسلام الوجه إلى الله عز وجل إسلام القصد له، إسلام التوجه إليه، إسلام الإقبال عليه، طلب مرضاته، توخي رضوانه.
أيها الأخوة الكرام:
لأنه في آيات أخرى ينهد لها الإنسان:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23)﴾

( سورة الفرقان )
عمل كالجبال يجعله الله هباء منثورا.

(( يؤتى يوم القيامة بأناس لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا قيل يا رسول الله جلهم لنا، قال إنهم يصلون كما تصلون، ويصومون كما يصومون، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم ـ غير مخلصين ـ ولكنهم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها ))
يعلمون كيف ينتزعون إعجاب الخلق، يعلمون كيف يظهرون بورع أمام المظاهر، يعلمون كيف أنهم يرددون كلمات ترفع مقامهم عند الله أما إذا خلو بمحارم الله ولا يراهم أحد انتهكوها، هؤلاء لا يقيم لهم الله يوم القيامة وزنا.

(( من لم يكن له ورع يرده عن معصية الله تعالى إذا خلا بها لم يعبأ الله بسائر عمله ))

[ أخرجه الحكيم عن أني رضي الله عنه ]
عمله شرك في شرك، ورياء في رياء، وهو يبتغي ما عند الناس من مديح وثناء.
أيها الأخوة الكرام:
أنا أعجب أشد العجب من هؤلاء الدعاة الذين يؤكدون أن هؤلاء الذين اخترعوا الكهرباء وبعض الإنجازات الحضارية مصيرهم إلى الجنة لأنهم قدموا خدمات جلا للبشرية أنا أعجب، هو أراد الدنيا، هو أراد السمعة، هو أراد الثروة الكبيرة، هو أراد أن يكون له ذك في العالمين، ولم يفكر لثانية واحدة أن يسأل الله عز وجل من فضله فما دخلك أنت في أن تضعه فيما لم يطلب وما لم يرجو.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( يا سعد إنك لم تعمل عملاً تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به خيرا ودرجة ورفعة ))
أي عمل تبتغي به وجه الله تعالى يرفعك الله به درجات ويرفع مقامك وذكرك عند الخلق، قد يسأل سائل والسؤال دقيق كيف أعرف أنني مخلص ؟ أول جواب أنت جبلت على معرفة حقيقتك من دون تعليم

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾
لو كنت صادقاً مع نفسك لو تأملت تأملاً صادقاً لعرفت أن البواعث ليست إرضاء الله عز وجل وأن الأهداف ليست إرضاء الله عز وجل، وأن المشاعر التي تنتابك في أثناء العمل ليست إرضاء الله عز وجل

﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
ومع ذلك هناك مؤشرات، حينما يستوي عملك مع مدح الناس لك أو مع ذمهم لك ولا يتأثر العمل لا زيادة ولا نقصاً، ولا تعبأ لا بمديح الناس ولا بذمهم، لأنك تعرف قصدك تماماً وترضي الواحد الديان فهذا مؤشر على إخلاصك، ولكن ليس معنى هذا أن تضع نفسك موضع التهمة لا.
النبي عليه الصلاة والسلام

((كلم إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا فلان هذه زوجتي صفية ))

[ رواه مسلم ].
وقال عليه الصلاة والسلام :

(( رحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه ))
ليس معنى إخلاصك ألا تعبأ بسمعتك، ولا بمكانتك، يجب أن تبين والبيان يطرد الشيطان، ولكن أقصد أن عملك لا يزداد بمديح الناس لك ولا يقل بذم الناس لك إنك تبتغي وجه الله عز وجل، وإذا لم تستحي فاصنع ما تشاء، بمعنى أنك إذا كنت واثقاً أن هذا العمل يرضي الله وفق منهج الله لا تعبأ بذم الناس لك إذا لم تستحي من الله فلا تعبأ بأحد إذا لم تستحي فاصنع ما تشاء، قال تعالى:

﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) ﴾

( سورة الليل ).
أيها الأخوة الكرام:
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فربى حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتها، فإن دعوتهم تحوط من وراءهم ))
إذا أخلصت العمل لله ونصحت ولاة المسلمين ولزمت جماعة المسلمين لا يمكن أن ينطوي قلبك على غل لأحد.
مما ورد في الآثار: أنه برء من الكبر من حمل حاجته بيده، كان متواضعاً وبرء من الشح من أدى زكاة ماله، وبرء من النفاق من أكثر ذكر الله عز وجل، وبرء من الغل الحق من أخلص العمل لله ونصخ ولاة المسلمين ولزم جماعة المسلمين.
أيها الأخوة الكرام:
عن أبي وائل عن أبي موسى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله:

(( ما القتال في سبيل الله ؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا، ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل))
حصراً

(( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل ))
في بعض الأحاديث القدسية يقول الله عز وجل فيما يرويه عنه النبي صلى الله عليه وسلم:

((من عمل لي عملا أشرك فيه غيري فهو له كله وأنا منه بريء وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك ))

[ أخرجه مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

(( إن اللَّه طيب لا يقبل طيباً ))

[ رواه مسلم ]
في حديث قدسي آخر يقول الله عز وجل لمن أشرك:

(( يقال لمن أشرك في عمله خذ أجرك ممن عملت له ))
[ أخرجه مالك عن أبي هريرة ]
لا أجر لك عندنا اذهب فخذ أجرك ممن عملت له لا أجر لك عندنا، أنت عملت لمن ؟ لفلان خذ أجرك منه.
والحديث الثالث يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمُ وَلاَ إِلَىَ صُوَرِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ" وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَىَ صَدْرِهِ ))

[ رواه عبد الله بن مسلمة عن أبي هريرة ]
وفي رواية:

(( وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))

[ رواه كثير بن هشام عن أبي هريرة ]
بعض التابعين كان أسمر اللون قصير القامة ضيق المنكبين ناتئ الوجنتين غائر العينين مائل الذقن أحنف الرجل ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب وكان مع ذلك سيد قومه إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف لا يسألونه فيما غضب هذا الرجل كان سيد قومه.
والرجل قيمته في إيمانه وعلمه وعمله وإخلاصه ليس غير، لكن في آخر الزمان في الزمن المادي، في زمن الشهوات، في زمن الشرك، في زمن عبادة الجنس قيمة المرء متاعه فقط، قيمة المرء مساحة بيته، قيمة المرء نوع مركبته، قيمة المرء كم كلفت مزرعته قيمة المرء متاعه، لكنه في المقياس الصحيح قيمة المرء علمه وعمله، والترجيح في القرآن الكريم لم يعتمد على مقاييس البشر من قوة ووسامة وذكاء ومال هذه مقاييس البشر، ولكن الترجيح في القرآن الكريم أعتمد على مقياسين قرآنيين ليس غير، المقياس الأول:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾

( سورة المجادلة الآية: 11 )
العلم، والمقياس الثاني:

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

( سورة الأنعام الآية: 132 )
العلم والعمل هذان مقياسان اعتمدهما القرآن الكريم في الترجيح بين الناس.
أيها الأخوة الكرام:
ورد في بعض الأحاديث القدسية:

((يقول الله تعالى الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي))
غير المخلص بحاجة إلى أن يستجزي المديح، غير المخلص بحاجة إلى ثناء الناس، غير المخلص يعبد سمعته من دون الله، غير المخلص يرائي، غير المخلص يختلف عمله في خلوته عنه في جلوته، غير المخلص يختلف باطنه عن ظاهره، غير المخلص يزداد عمله بالثناء ويقل بعدم الثناء، هذه مؤشرات عدم الإخلاص.
أيها الأخوة الكرام:
الإخلاص إفراد الحق سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعة، الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، الإخلاص من شهد في إخلاصه الإخلاص فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص.
يقول عمر رضي الله عنه فيما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر:

((إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّمَا لِكُلّ امرىءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللّه وَرَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللّه وَرَسولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها أَوِ امْرأةٍ يَنْكِحُها فَهِجْرَتُه إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ"))

[ متفق عليه ]
رجل في مكة أحب امرأة حباً شديداً جعلت شرط زواجها منه أن يهاجر فهاجر فسمي هذا الرجل مهاجر أم قيس، لأنه هاجر لا إلى الله ورسوله ولكن هاجر إلى امرأة ينكحها.
أيها الأخوة الكرام:
الإخلاص كما قلت استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والإخلاص أن يكون الباطن خير من الظاهر، وإذا استوى الظاهر مع الباطن، استوت العبادة في خلوتك وجلوتك، الحد الأدنى من الإخلاص أن يستوي الظاهر مع الباطن، أن تستوي السريرة مع العلانية، يجب ألا ترى الناس إخلاصك، لا ترى إلا الحق والشيء الدقيق ألا ترى عملك عملك فضل من الله عز وجل، إذا أراد ربك إظاهر فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك هذا الذي يرى عمله كبيراً ويرى جهد بليغاً ويرى أنه إنسان خطير وأنه نقل الهدى إلى كم غفير وأنه وأنه حينما يرى عمله ويعزوه إلى ذاته فقد جرح إخلاصه.
أيها الأخوة الكرام:
من ألطف ما سمعته أن المؤمن كوعاء من الذهب إذا نظر إلى الذهب الذي فيه فرغ هذا الوعاء من الذهب، أما إذا نظر إلى فضل الله عليه بقي الذهب في الوعاء، حينما تتيه بفضلك وبكرمك وبعلمك وبإخوانك وبدعوتك وتقول ليس مثلي أحد هذا يجرح إخلاصك الآية الكريمة الدقيقة:

﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ﴾
﴿عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾

( سورة النور الآية: 21 )
انظر إلى فضل الله عليك، انظر إلى أن الله سمح لك أن تدعو إليه، انظر إلى أن الله عز وجل سمح لك أن تنفق من مالك، انظر إلى أن الله عز وجل قبل منك بعض الأعمال، أما إذا نظرت إلى عملك على أنه عمل عظيم فهذا يجرح في إخلاصك، من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

((اللهم أن بك وإليك، قائم بك قصدي إليك))
أيها الأخوة الكرام:
درسان في الإخلاص كبيران، درس بدر ودرس حنين، في بدر أفتقر الصحابة إلى الله عز وجل.

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 123 )
أي مفتقرون إلى الله عز وجل، لأنكم ضعاف فالله عز وجل من عليكم بالنصر.

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾
﴿كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

( سورة التوبة )
إذاً عندنا درسان بليغان درس بدر ودرس حنين، إذا قلت أنا تخل الله عنك وإذا قلت الله تولاك، فأنت بين التولي والتخلي، بأن تعزو عملك إلى ذاتك يتخل الله عنك، بأن تنسب الفضل إلى صاحبه يتولاك الله عز وجل.
أيها الأخوة:
حتى لو أختر الحق وأختر طاعة الله وأختر طلب العلم واخترت أن تكون مؤمناً هذا الاختيار ما كان له أن يكون لولا أن الله سمح لك أن تختار.

﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾

( سورة الإنسان الآية: 30 )
شاء الله لكم أن تشاءوا فنلتم هذا الخير، ولو أن الله لم يشأ لكم أن تشاءوا ما نلتم هذا الخير.
مرة ثانية أيها الأخوة:

(( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم ))
إذاً هؤلاء الذين يزكون أنفسهم.

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾

( سورة النساء الآية: 49 )
الله يمدحهم أم يذمهم ؟ إنه يذمهم، لا تزكي على الله أحداً ولا تزكي نفسك قل والله أعلم حتى أن الصديق وهو خليفة رسول الله يوم ولى عمر بعده قال يا رب إن سألتني لماذا وليته أقول لك: وليت أرحمهم هذا علم به، فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب.
أيها الأخوة الكرام:
الإخلاص خطير جداً في حياة المسلم، تابع تأمل دقق في البواعث في المشاعر في الأهداف، فإن رأيت شيئاً داخله الشرك، أو داخله الرياء فابتعد عنه وأعمل عملاً لا يراك إلا الله ولا تبتغي به إلا وجه الله، فيا معاذ قليل من الإخلاص ينفع معه كثير العمل و قليله وعمل بلا إخلاص لا ينفعك لا كثيرة ولا قليله.
أيها الأخوة الكرام:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشد أن سيدنا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
أيها الأخوة:
سأركز في هذه الخطبة الثانية على أربع نقاط، النقطة الأولى:

﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾

( سورة القيامة )
فأنت حينما تخلص لله عز وجل في عمل من الأعمال أو في عبادة من العبادات هذا الإخلاص هو عمل خالي من الشوائب يرفع إلى الله عز وجل، العمل حينما يرفع إلى الله خالص من الشوائب يعود ثوابه، ما هو الثواب ؟ الثواب ثاب أي رجع يعود ثوابه أي يرجع على قلبك سكينة وأنساً وراحة، فعلامة إخلاصك راحة قلبك بعد العمل علامة إخلاصك راحة قلبك، يلقي الله على قلبك السكينة، يقلي الله في روعك أنه راض عنك، يقربك إليه تتألق ألف ثمرة وثمر من الإخلاص، قرب وذكر وسكينة وتوفيق، أما إذا كان العمل لغير الله عز وجل تعمله وتضجر بعده، وتعمله وتذم الناس الذي لا يقدرون، وتعمله وتسخط على فعلك له، تعمله وتتمنى ألا تعمله ثانية، فعلامة الإخلاص أن الله يلقي في روعك أنه راضٍ عنك.
شيء آخر: علامة الإخلاص أن تستوي عبادتك وأن يستوي عملك في سرك وجهرك، في خلوتك وجلوتك، في ظاهرك وباطنك، وعلامة الإخلاص ألا يزداد العمل عند المديح وألا يقلل عند عدم المديح، مديح الناس وذمهم سيان لكنك لا تخالف سنة النبي تضع نفسك في موضع التهمة ثم تلوم الناس إذا اتهموك تسعى أن تجب عنك الغيبة والنميمة، رحم الله عبد جب النميمة عن نفسه، ولكن حينما يصر الناس على وصف العمل بأنه سيء وأنت تبتغي به وجه الله لا تعبئ قل الله ثم ذرهم في غيهم يعمهون.
اللهم اهدنا فيمن هديت وعافينا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت واقنا واصرف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا أخرتنا التي إليها مآلنا، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين اللهم بفضلك ورحمتك أعل ِكلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمرهم فإنهم لا يعجزونك اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اجعل بأسهم بينهم، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى واجمع بينهم على خير، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإخلاص
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الإخلاص
»  الإخلاص
»  الإخلاص
» الإخلاص
»  الإخلاص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: