اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 هجران القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100245
هجران القرآن الكريم Oooo14
هجران القرآن الكريم User_o10

هجران القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: هجران القرآن الكريم   هجران القرآن الكريم Emptyالسبت 9 مارس 2013 - 6:25

خطبة الجمعة
الخطبة 0896 : هجران القرآن الكريم .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-08-29
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمنا، وأرنا الحــق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام:
في القرآن الكريم آية كريمة هي قوله تعالى:

﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُوراً (30)﴾

( سورة الفرقان ).
فكيف يهجر كتاب الله، وهو بين أيدينا نقرأه صباحاً ومساء.
أيها الأخوة:
قال بعض العلماء: هجران القرآن أنواع إما بعدم سماعه، أو بعدم العمل به أو بعدم تحكيمه، أو بعدم التحاكم إليه، أو بعدم تدبره، أو بعدم تلاوته، أو بعدم حفظه، أو بعد الاستشفاء به من أمراض النفوس.
أيها الأخوة الكرام:
الله عز وجل يقول:

﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾

( سورة الإسراء الآية: 79 )
تهجد بالقرآن الكريم، اقرأ القرآن الكريم في الصلاة وخارج الصلاة، صباحاً ومساء، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما ورد في الصحيحين:

(( تَعَاهَدُوا هَذَا القُرآنَ، فَوَ الَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإِبِلِ في عُقُلها ))
أيها الأخوة الكرام:
هناك حقائق مؤسفة، فهناك إنسان والعياذ بالله يهجر القرآن لأنه لا يؤمن به هناك إنسان يهجره فلا يسمعه ولا يصغي إليه، وقد يؤمن به لكن لا يتعلمه، وقد يتعلمه لكن لا يتلوه، وقد يتلوه لكن لا يتدبره، وقد يتدبره لكن لا يعمل به، فلا يحل حلاله ولا يحرم حرامه، ولا يحكمه، ولا يتحاكم إليه، ولا يستشفي به، وهذا من هجران القرآن الكريم أيها الأخوة، إنه بين أيدينا.
أيها الأخوة الكرام:
من أعرض عن القرآن الكريم فاته خير كثير، والإنسان يعرض عن القرآن الكريم بقدر ما يعرض عن ربه، فإذا كان مع الله كان مع القرآن الكريم، وإذا كان معرضاً عن الله كان معرضاً عن القرآن الكريم.
أيها الأخوة الكرام:
يقول الله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)﴾

( سورة فاطر ).
قال بعض السلف نزل القرآن ودققوا في هذه الكلمة، نزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً، يعني يتلونه فقط، أما كمنهج في أدق التفاصيل، كآيات تحريم كأحكام شرعية يتلونه، إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً، لذلك أيها الأخوة دققوا في هذا التعريف، من هم أهل القرآن ؟ هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وأما من حفظه وهذا شيء كبير، ولكن وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل به، فليس من أهله وإن أقام حروفه لإقامة السهم، كلام دقيق.
يقول بعض العلماء: المقصود بقراءة القرآن تدبره والفقه فيه والعمل به وتلاوته وحفظه كوسيلة إلى فهم معانيه.
ويا أيها الأخوة الكرام:
ثمرة القرآن اليانعة العمل بما فيه، ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وقد قيل ربا تال للقرآن والقرآن يلعنه.
أيها الأخوة:
إذا عمل الإنسان بما في القرآن صار القرآن حجة له عند الله تعالى، أما إذا عطل العمل به فقد صار القرآن حجة عليه، فالقرآن إن عملت به كان حجة لك، وإن لم تعمل به كان حجة عليك، يقول الله عز وجل في كتابه الكريم في معرض أنه يسأل الناس يوم القيامة:

﴿أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)﴾

( سورة المؤمنين )
فمن اقتصر على تعلم القرآن وتلاوته وتدبره ولم يعمل به فقد أقام الحجة على نفسه، لذلك يقول بعضهم رابا تال للقرآن والقرآن يلعنه، كيف ؟ يقرأ قول الله سبحانه وتعالى:

﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾

( سورة آل عمران الآية: 61 ).
وهو يكذب.

﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)﴾

( سورة هود الآية: 18 ).
وهو يظلم، إذا كان يكذب ويظلم فعليه لعنة الله ولو أنه يتلو كتاب الله، آن الأوان أيها الأخوة لنبحث عن الخلل، أين الخلل، هذا الكتاب بين أيدينا، وهو من فضل الله علينا، ولكن لا يكفي أن نضعف في صدر البيت ولا يكفي أن نضعه في مكان مشرف في البيت، ولا يكفي أن نعلقه على المركبة، ولا يكفي أن نتلوه، لابد من تطبيقه، ودقق في هذا المثل، لو أن إنساناً مريضاً ذهب إلى طبيب وصف له وصفة لو أنه قرأ الوصف هل يشفى لو أنه وضعها في إطار هل يشفى، لو أنه وضعها في مكان مشرف في البيت هل يشفى، لو أنه فهمها هل يشفى، لو أنه اشترى الدواء هل يشفى، لا يشفى إلا إذا استعمل الدواء.
أيها الأخوة الكرام:
من هجران القرآن هجران تحكيمه والتحاكم إليه، والعدول عنه لغيره، قد يعدل الإنسان عن القرآن إلى الغناء أو إلى الشعر أو إلى كلام آخر، أو إلى الصحافة، ينشغل بسماع كل شيء، وفي قراءة كل شيء إلا القرآن الكريم الذي هو كتاب الله، الذي بينه وبين كلام الناس كما بين الله والناس، فضل كلام الله على خلقه كفضل الله على خلقه.
أيها الأخوة الكرام:
كم من مشكلة يعاني منها المسلمون ويختلفون في الحلول فلو عادوا إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لوجدوا الحل الأمثل من عند الخبير، ألم يقل الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ﴾

( سورة النساء الآية: 59 )
مع أمراءكم أطيعوا الله استقلالاً وأطيعوا الرسول استقلالاً فإن تنازعتم مع أمراءكم أو علماءكم لأن ألوي الأمر تعني العلماء الذين يعلمون الأمر والأمراء الذي يطبقون الأمر، وهذا فهم الإمام الشافعي.

﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)﴾

( سورة النساء )
علامة إيمانك بالله، وعلامة إيمانك باليوم الآخر أنه إذا اختلف في قضية إن فكرية، أو عقدية، أو تطبيقية، أو اجتماعية، أو مالية، إن اختلفنا في مشكلة علامة إيماننا بالله واليوم الآخر أن نرد هذه المشكلة إلى كلام الله وإلى سنة نبيه كما فهم أصحاب القرون الثلاثة.
أيها الأخوة الكرام:
يقول الله عز وجل:

﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً﴾

( سورة الرعد الآية: 27 )
قال بعض المفسرين:
الحكم معناه ما فيه من الأحكام، وقال بعضهم أراد الله عز وجل بالحكم العربي القرآن كله، فإنه يفصل بين الحق والباطل ويحكم،بدليل أن الله عز وجل يقول:

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61)﴾

( سورة النساء )
حكم الله في كل التفاصيل في كتاب الله وفي بيان رسول الله لهذا الكتاب.
أيها الأخوة الكرام:
ومن هجران القرآن هجران تدبره وتفهمه، قال بعض المفسرين: وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، قال تعالى:

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً (82)﴾
( سورة النساء )

الله عز وجل عاب على هؤلاء الإعراض عن التدبر في القرآن والتفكر فيه وفي معانيه، ودلت على ذلك الآية الكريمة:

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾

( سورة محمد )
آيتان في القرآن الأولى:

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً (82)﴾

( سورة النساء )
والآية الثانية: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ إذاً الله عز وجل يحضنا على تدبر القرآن الكريم يقول الله عز وجل في هاتين الآيتين آمراً عباده بتدبر القرآن وتفهمه، وينهى أشد النهي عن الإعراض عنه وعن القلب المقفل.
لذلك أيها الأخوة قال الإمام الحسن: ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن ما يرى له في قراءة القرآن من خلق ولا من عمل يتميز به على من سواه.
إذا قرأت القرآن ينبغي أن تكون متميزاً متفوقاً.
أيها الأخوة الكرام:
والدليل على ذلك أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفرطون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون.
أيها الأخوة الكرام:
ومن هجران القرآن هجران سماعه فقد قال الله تعالى:

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)﴾

( سورة فصلت )
ألغوا فيه ؛ أي عيبوه، أظهروا من خيالكم مسالكه فيما تتوهمون، أي إذا تلي لا تستمعوا له، وأناس كثيرون وهو يقلب بالمحطات الإذاعية فإذا وصل إلى القرآن تجاوزه إلى محطة أخرى.
أيها الأخوة:
ومن معاني والغوا فيه ؛ أي لا تستمعوا له بل كما قال شوشوا على قارئه بالمكاء والتصفيق والتخليط كما كان يجري في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل المشركين لكن الله عز وجل يقول:

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)﴾

( سورة الأعراف )
أيها الأخوة الكرام:
ملخص وحور هذا الكلام عن القرآن قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا ﴾ نحن ظننا أن الشارع العربي حركته ضعيفة ولاسيما تلقاء الأحداث الكبرى التي ألمت بهذه الأمة، أحداث كبرى تنهد لها الجبال، ما تحرك الشارع العربي، ولكن تحرك في مسابقة في الغناء، بكى أناس وأناس حطموا زجاج مركباتهم لأن فلانة لم تنجح في المسابقة، هذه الحركة ترضي أعداء الإسلام، هذا هو التحرك الذي يتحركه المسلمون للغناء والطرب، أما لآية تنتهك حرماتها، أو لحكم لا يطبق، لا أحد يتكلم.
أيها الأخوة الكرام:
يقول عليه الصلاة والسلام:

(( كِتَابُ الله فِيهِ نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابَتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ الله المَتِينُ، وَهُوَ الذّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصّرَاطُ المُسْتَقِيم ُ، هُوَ الّذِي لاَ تَزِيعُ بِهِ الأَهْوَاءُ وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الالْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ َخْلُقُ عَلى كَثْرَةِ الرّدّ، وَلاَ تَنْقَضَي عَجَائِبُهُ، هُوَ الّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتّى قالُوا إِنّا سَمِعْنَا قُرْآنَا عَجَبَاً يَهْدِي إِلَى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ، مَنْ قالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ))

[ رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه ]
أيها الأخوة الكرام:
القرآن ربيع القلوب، القرآن حياة النفوس، القرآن حبل الله المتين، وقد قال الله عز وجل:

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾

( سورة آل عمران الآية: 103 )
القرآن أيها الأخوة مصدر رئيسي لمعرفة الله عز وجل فهو كلامه ومن خلاله نعرف الله عن طريق التدبر.
ومصدر آخر وهو خلق السماوات والأرض، فهي خلقه، ومن خلالهما نتعرف إلى الله عن طريق التفكر، والحوادث أفعاله ومن خلالها نعرف إلى الله عن طريق النظر والتأمل، وأصل الدين معرفة الله عز وجل.
أيها الأخوة الكرام:
قيل لا يحزن قارئ القرآن، وكيف يحزن وقد قال الله عز وجل:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

( سورة النحل الآية: 97 )
خالق السماوات والأرض وعد كل إنسان يطيع الله عز وجل ويتبع منهج كتابه جل جلاله أن يحيه حياة طيبة، وهذا وعد إلهي فوق المكان والزمان والظروف والأزمات وفوق كل شيء، كيف لا يحزن من أعرض عن القرآن والله تعالى يقول:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

( سورة طه )
كيف لا يسعد الإنسان ولا تطمأن نفسه، ولا يستنير عقله وهو يتلو قوله تعالى:

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾

( سورة طه )
لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، كيف يحزن على ما فات ويخشى مما هو آت وهو يتلو قوله تعالى:

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾

( سورة البقرة )
لو جمعت الآيتين كان الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ولا يندم على فات ولا يخشى مما هو آت.
أيها الأخوة الكرام:
كيف لا يشفى من قرأ القرآن وتدبره وهو يتلو قوله تعالى:

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

( سورة الشعراء )
وكيف لا يطمأن والأمن أعظم حاجة للإنسان.

﴿أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)﴾

( سورة قريش )
وكيف لا يطمأن من قرأ القرآن وطبقه وهو يتلو قول الله تعالى:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

( سورة الأنعام )
لا يحزن قارئ القرآن، كيف يقلق قارئ القرآن، كيف يشعر بالخوف وهو يتلو قوله تعالى:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾

( سورة الجاثية )
القرآن الكريم شفاء للنفوس، الأحداث التي يعيشها الناس ترض نفوسهم توقعهم في قلق شديد، توقعها في قلق شديد في خوف في تشاءم في ضياع في تساؤل، يأتي القرآن الكريم ويقول:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
كيف يحزن قارئ القرآن وهو يتلو قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾

( سورة فصلت )
كيف يقلق قارئ القرآن وهو يتلو قوله تعالى:

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

( سورة القصص )
كيف لا يطمع قارئ القرآن في معية الله والله عز وجل يقول:

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾

( سورة المائدة الآية: 12 )
فإذا كان الله معنا فمن علينا، لو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن ينالون بأذى لا يستطيعون

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾
بشرط:

﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)﴾

( سورة المائدة )
كيف نخشى الهزيمة ونحن نتلو قوله تعالى:

﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُ﴾

( سورة آل عمران الآية: 160 )
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين

﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُ﴾
بأية أخرى:

﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾

( سورة الأنفال )
الله وحده ينصر.

﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾

( سورة آل عمران )

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)﴾

( سورة الأنفال )
أيها الأخوة الكرام:
كان أصحاب النبي رضوان الله عليهم كما جاء وصفهم في القرآن الكريم:

﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾

( سورة الذاريات )

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾

( سورة السجدة )
أيها الأخوة الكرام:
القرآن الكريم ربيع القلوب، وشفاء الصدور هو حبل الله المتين، هو منهج الله القويم، من تمسك به نال الدنيا والآخرة.
يا أيها الأخوة الكرام:

(( خيركم ))
ـ يعني الخيرية المطلقة ـ

(( من تعلم القرآن وعلمه ))

[ أخرج البخاري والترمذي عن علي أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عثمان ]
يقول الله عز وجل:

﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾

( سورة النساء )
وفي آية أخرى:

﴿مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾

( سورة النساء )
إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع آخرين، إن الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة.

(( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة: ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريح وطعمها مر))

[ أخرجه أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه عن أبي موسى ]

(( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))

[ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ]
أيها الأخوة الكرام:
اقرأ القرآن ما نهاك كما يقول عليه الصلاة والسلام:

(( اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لم ينهك فلست تقرأه))

[ أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمرو ]
إن تقرأ الآية فلا تطبقها فأنت في حكم الذي لن يقرأ القرآن

(( اقرأ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرأه ))
أيها الأخوة الكرام:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشد أن سيدنا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين .
أيها الأخوة الكرام:
روت الكتب قصة الحافظ محمد ابن نصر المروزي في جزء قيام الليل عن الأحنف بن قيس أنه كان يوماً جالساً فعرضت له هذه الآية:

﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)﴾

( سورة الأنبياء )
فانتبه فقال علي بالمصحف لألتمسك ذكري اليوم حتى أعلم من أنا، ومن أشبه يعني لما علم أن القرآن الكريم قد ذكر جميع صفات البشر وبين طبقاتهم ومراتبهم أراد أن يبحث عن نفسه، هذا هو التدبر، كلما قرأت آية في كتاب الله اسأل نفسك هذا السؤال وقد يكون محرجاً أين أنا من هذه الآية.

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾

( سورة النور الآية: 30 )
أين أنت من هذه الآية ؟ إن الله يحب الصادقين ؟

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾

( سورة البقرة الآية: 222 )
أين أنت من هذه الآية ؟ فهذا قال أريد أن أرى من أنا، وفي أي الطبقات، وفي أي المراتب، ففتح المصحف ومر بقوم

﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
ومر بقوم

﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
ومر بقوم:

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾

( سورة آل عمران )
ومر بقوم:

﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾

( سورة الحشر )
فوقف الأحنف ثم قال: يعني لعله قالها تواضعاً، قال اللهم لست أعرف نفسي من هؤلاء، أي لم يجد هذه الصفات في نفسه تماماً حتى يعد نفسه من هؤلاء، ثم أخذ الأحنف السبيل الآخر، فمر بقوم:

﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)﴾

( سورة الصافات )
ومر بقوم:

﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)﴾

( سورة المدثر )
فوقف الأحنف وقال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء، أنا لست من هؤلاء، لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، فما زال يقلب ورق المصحف ويلتمس في أي الطبقات هو حتى وقع على هذه الآية:

﴿وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)﴾

( سورة التوب )
فقال أنا من هؤلاء، فإذا قرأ أحدنا القرآن، هذا هو التدبر، والفرق بين التدبر وبين التفسير أن تسأل نفسك في التدبر أين أنت من هذه الآية، هل أنت مطبق لها، فإذا طبقت هذه الآية قطفت ثمارها.
أيها الأخوة:
أنا مضطر لهذا المثل: بربكم أن تنطق بلسانك مئة مليون دولار، ينطقها كل إنسان، وقد لا يملك قرشاً واحداً، ما هو الفرق أن تنطق بهذه الكلمة وبين أن تملك هذا المبلغ بمقاييس الأرض، ما الفرق أن تقول مليار دولار، أو 90 مليار ثروة فلان ((بلكيت)) 90 مليار بين أن تنطق بهذه الكلمة وبين أن تملكها صدقوا أيها الأخوة هو الفرق نفسه بين أن تقرأ آية قرآنية وأنت لست مطبقاً لها وبين أن تقرأها وأنت مطبق لها.
كان عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي، السيدة عائشة سئلت عن خلقه فقالت كان خلقه القرآن.
الآن التركيز ينبغي على التطبيق، معلومات وفيرة جداً، في الآن ثورة معلومات ثورة، يعني تسأل الحاسوب سؤال يأتيك عشرة آلاف جواب، الأمور الإسلامية ميسورة بشكل يفوق حد الخيال، العبرة بالتطبيق، كان الصحابة الكرام يحفظون الآيات العشر ويطبقونها، ولا ينتقلون إلى غيرها إلا إذا طبقوها.
فيا أيها الأخوة الكرام:
لا بد من قراءة القرآن يومياً، وسبب هذه الخطبة أنه في خطبة سابقة تحدثت عن محبة الله عز وجل، وكان أول بند من بنود أسباب محبة الله تلاوة القرآن، أردت أن يكون هذا الموضوع تلاوة القرآن ولكن على النحو الذي ينبغي، أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية وأن تتلوه إن أمكن وفق قواعد التجويد، وأن تفهمه، وأن تتدبره، ومندوب أن تحفظه، لكن مركز الثقل أن تطبقه.
الآن نحن بحاجة إلى مسلم يطبق القرآن يتحرك أمامنا، إن حدثك فهو صادق وإن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف، نحتاج إلى قرآن يمشي، نحتاج إلى مسلم متحرك.
أيها الأخوة الكرام إني داعٍ فأمنوا:
اللهم اهدنا فيمن هديت وعافينا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت واقنا واصرف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا أخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اجعل تدميرهم في تدبيرهم، أرنا قدرتك في تدميرهم يا رب العالمين، اجعل بأسهم بينهم، اصرف بأسهم عنا يا أرحم الراحمين، وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى اجمع بينهم، ووحد كلمتهم يا أكرم الأكرمين، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هجران القرآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النكت في القرآن الكريم ( في معاني القرآن الكريم وإعرابه )
» أدعية القرآن الكريم مرتبة حسب ترتيب القرآن الكريم
» من القرآن الكريم
»  القرآن الكريم
» ادعية من القرآن الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: