اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الحب في الله والحب مع الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100270
الحب في الله والحب مع الله Oooo14
الحب في الله والحب مع الله User_o10

الحب في الله والحب مع الله Empty
مُساهمةموضوع: الحب في الله والحب مع الله   الحب في الله والحب مع الله Emptyالسبت 9 مارس 2013 - 6:15

خطبة الجمعة
الخطبة 0953 : الحب في الله والحب مع الله.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2005-02-18
بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الاولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق و البشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ، وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.

أيها الإخوة الكرام، تعودت ـ والفضل لله عز وجل ـ أن أوثر الحقيقة المرة على الوهم المريح، لأن الإنسان ما لم يعلم حجم المشكلة فلن يستطيع أن يحلها، الغرب وجوده قوي جداً في عالم المسلمين، لأن الغرب قوي، وقوي وجوده لأن الغرب غني، وقوي وجوده لأنه متفوق، ومع ثورة الاتصالات حيث أصبحت الأرض كلها سطح مكتب، كانت قرية فصارت بيتاً، فصارت غرفة، فصارت سطح مكتب، لهذه الأسباب هناك تساؤل كبير: ماذا نأخذ عن هؤلاء الأقوياء الأغنياء المتفوقين، وماذا ندع ؟ أجاب على هذا السؤال أحد المفكرين في العصر الحديث، فقال: نأخذ ما في رؤوسهم، وندع ما في نفوسهم، نأخذ ما في رؤوسهم من علم ومعرفة، وندع ما في نفوسهم من تفلت وانحلال، فكيف إذا أخذ المسلمون ما في نفوسهم، وتركوا ما في رؤوسهم ؟ أية صرعة من صرعات الغرب، إنْ في أعيادهم التي استحدثوها، أو في أزيائهم التي فجروا بها، نأخذها عنهم بسرعة البرق، أما علمهم وتفوقهم، وقوتهم ونظامهم، وانضباطهم ونظام فريق العمل، عندهم وإدارة الوقت عندهم، وإدارة الأعمال عندهم، هذه لا نأخذها، من صرعات الغرب هذا العيد الذي استحدث في العالم الإسلامي.
أيها الإخوة الكرام، ربما كان سبب أخذنا لهذا العيد ضعف معرفتنا بديننا وبإسلامنا، ذلك أن حقيقة الإنسان أنه عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، فالحب ثلث الإنسان، عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، العقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، وأن الإنسان الذي لا يجد حاجة إلى أن يحب أو إلى أن يحب فليس من بني البشر، نستورد عيداً للحب، والحب في أصل ديننا، ولا إيمان لمن لا محبة له، لكن كلمة الحب واسعة جداً، لدرجة أن جانباً من الحب يرقى بك إلى أعلى عليين، ويجعلك في سعادة متنامية إلى أبد الآبدين، وجانب من الحب الساقط يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، ثم تنتهي به إلى جهنم، وبئس المصير، كلاهما حب، كلمة واسعة جداً، في جانب منها يرقى بك إلى أعلى عليين، ويدخلك جنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين عن طريق الحب، وجانب من الحب يهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين، ويستحق جهنم، وبئس المصير، بين أن تحب الله، وبين أن تحب امرأة ساقطة، هذا هو الفرق بين الحبين.
أيها الإخوة الكرام، أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون الحب أساس العلاقة بينك وبين الله قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة: 54]
فضل الله أن تحبه، وأن يحبك، فضل من الله عظيم أن تحبه، وأن يحبك.
أيها الإخوة الكرام، لابد من التفصيل، هناك حب حسي، وهناك حب عقلي، ولأضرب الأمثلة.
هناك أكلات يحبها الإنسان، ولكنها تقضي عليه، إذاً يبغضها لا بإحساسه، ولكن بعقله، وهناك عبادات تتناقض مع راحة الجسم، ولكن الإنسان يحبها حباً عقلياً تمشياً مع أهدافه الكبرى في الحياة.
ويجب أن أؤكد لكم أيها الإخوة الكرام، أن المؤمن حبه وكراهيته على مستوى عقله، بينما غير المؤمن حبه وكراهيته بأعصابه وأحاسيسه، لذلك ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
من أقرب الأمثلة، لو أن امرأة متبرجة متفلتة مرت أمامك في الطريق، طبيعة جسمك، وطبيعة غرائزك، وطبيعة الشهوة التي أودعها الله فيك تقتضي أن تملأ عينك من محاسنها، بينما أمر الله عز وجل الذي وراءه جنة عرضها السماوات والأرض يقتضي أن تغض البصر عنها، فأنت حينما تبغض النظر إليها بعقلك، وتحب غض البصر عنها بعقلك ترقى إلى الله، عندئذ في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر.
أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[ سورة آل عمران: 14]
وكلمة ( متاع ) تعني أن الإنسان إذا أراد المتعة فقط يستمتع، ولكن ليس لهذه المتعة أثر في المستقبل، في عالم دنيانا هذا الذي يسترخي، وينام إلى نصف النهار، ويأكل ما يشتهي بلا قيد ولا شرط، ولا ضبط، ولا يدرس، ولا يعمل، ولا يؤسس عملاً، هذا الاتجاه ينتهي به إلى فقر مدقع، يذله، ويشقيه، أما هذا الذي يدع الفراش، ويقرأ، ويتعلم، ويؤدي واجباته تجاه الله عز وجل يرقى الله به، لذلك أراد الله أن يكون هناك تناقض بين العبادة و الطبع، فالطبع يدعوك إلى النوم، والله يدعوك إلى أن تستيقظ، والطبع يدعوك إلى أن تنظر، والله يأمرك أن تغض النظر، والطبع يأمرك أن تأخذ المال، والله يأمرك أن تنفقه، لابد من تناقض بين الطبع والتكليف، وهذا التناقض هو ثمن الجنة.
أيها الإخوة الكرام، الحب الحسي هو الحب اللحظي، الحب الآني، حب المتعة فقط، استجابة للشهوة فقط، بينما الحب العقلي ينتهي بك إلى جنة عرضها السماوات والأرض، الله عز وجل يصف أهل الجنة فيقول:

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾

[ سورة الزمر: 74]
جئنا إلى الأرض، فضبطنا شهواتنا وفق منهج الله، فكان الجزاء من الله هذه الجنة، قال تعالى:

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾

[ سورة الزمر: 74]
نتبوأ الآن من الجنة حيث نشاء، لأننا جئنا إلى الأرض، وطبقنا منهج الله عز وجل، والله عز وجل صدقنا وعده.
أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾

[ سورة التوبة: 24]
ماذا بقي من الدنيا ؟ لم يبق شيء، لا إيمان لمن لا محبة له، قال تعالى:

﴿ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

[ سورة التوبة: 24]
عند التعارض، قال تعالى:

﴿ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾

[ سورة التوبة: 24]
فالطريق إلى الله ليست سالكة، قال تعالى:

﴿ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾

[ سورة التوبة: 24]
أي إذا كانت محبة الآباء لا عبادة بل مصلحة، إن كانت محبة الآباء والأبناء والإخوة والأزواج والعشيرة، ومحبة المال، ومحبة التجارة العريضة، ومحبة المساكن الواسعة حملتكم على معصية، أو على فسق فالطريق إلى الله ليست سالكة، الدين كله حب، ولا إيمان لمن لا محبة له، وإسلام بلا حب جسد بلا روح، جثة هامدة، جيفة، وإسلام بلا حب جسد بلا روح، كان الحب يتأجج في قلب أصحاب رسول الله، ففعلوا المعجزات، وكان الواحد منهم كألف.
سيدنا خالد طلب مدداً من أبي بكر رضي الله عنه، وكان يتوقع أن يمده بخمسين ألفًا، أرسل له واحداً اسمه القعقاع بن عمرو، ومعه رسالة، فسأل هذا البطل القائد القعقاع: أين المدد ؟ قال: أنا المدد، قال له: واحد ؟ قال له: اقرأ هذه الرسالة، يقول سيدنا أبو بكر: والذي بعث محمداً بالحق، إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم، واحد كألف، ومليار وثلاثمئة مليون كأف، لا وزن لهم في الأرض، وليس أمرهم بيدهم، مع أنهم يتربعون على أهم موقع في العالم، وبلادهم فوق أكبر ثروات العالم، ومع ذلك أمرهم ليس إليهم، وترون ما ترون، وتسمعون ما تسمعون كل يوم.
أيها الإخوة الكرام، حول الحب العقلي والحب الحسي قصة سيدنا يوسف، قال تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾

[ سورة يوسف: 33]
من يحب السجن ؟ هل ترى على وجه الأرض إنساناً واحداً يحب السجن، قال تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾

[ سورة يوسف: 33]
إلى ماذا يدعى ؟ إلى متعة من أجمل المتع على وجه الأرض، فقال:

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾

مرة ثانية، الإنسان الجاهل والشارد يحب بأعصابه وأحاسيسه فقط، يعيش لحظته، كما يفعل معظم المسلمين اليوم، والإنسان العاقل المؤمن يحب بعقله، ويكره بعقله طمعاً بجنة ربه.
أيها الإخوة الكرام، موضوع آخر في الحب، هناك الحب في الله، والحب مع الله، إن أحببت الذي منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، إن أحببت الذي خلقك، ولم تك شيئاً، إن أحببت الذي أمدك بمال وبنين، إن أحببت الذي يربيك، إن أحببته حباً حقيقياً هذا الحب له فروع، من فروعه أن تحب رسوله، بل ورسله السابقين وأنبياءه، من فروعه أن تحب أصحابه رسوله الكرام، والتابعين الأعلام، وكل ولي وعالم وفقيه، وأن تحب بيوت الله، وأن تسعى في عمارتها، وأن تحب كتاب الله، وأن تقبل عليه، وأن تحب الأعمال الصالحة، وأن تحب كل شيء يقربك إلى الله، هذا حب في الله، وهو عين التوحيد، أما الحب مع الله فأن تحب شيئاً يبعدك عن الله، أن تحب شيئاً فيه معصية لله، أو فيه إتلاف مال من دون جدوى، أو فيه إتلاف وقت من دون جدوى، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، فاحرص أن تحب بعقلك.
مرة طبيب يعمل في أمراض القلب دعي إلى طعام طيب، فلم يأكل، سئل، فأجاب: لكثرة ما أرى كل يوم من أوعية مسدودة بهذا الطعام أكره هذا الطعام، والحديث طويل طبعاً، كره الطعام بعقله، والذي يمشي في الأيام الباردة، وفي الظروف القاسية طمعاً بسلامة قلبه، هذا أحب بعقله أيضاً، أحب بعقله مشقة لا تحتمل، وكره بعقله طعاماً لذيذاً طيباً، فالعاقل يحب بعقله، والجاهل يحب بأحاسيسه، أما الحب في الله فأي حب يقربك إلى الله فهو حب في الله، وأي حب يبعدك عن الله فهو حب مع الله، الحب الأول في الله عين التوحيد، والحب الثاني عين الشرك.
شيء آخر، الله عز وجل قال:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ﴾

[ سورة آل عمران: 14]
فلو أحب الإنسان امرأته حباً مشروعاً بارك الله له هذا الحب، ورضي عنه بهذا الحب، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))

[ورد في الأثر]
الآن حب مشروع، وحب غير مشروع، لا شيء عليه، ولا تثريب عليه، بل يثني الله عليك إذا أحببت حليلتك التي سمح الله بك أن تحبها، إذاً هو حب مشروع، أما أن تحب موظفة في مكتبك، ولا تحل لك، فهذا حب آخر غير مشروع، يرضى الله عن حبك المشروع أن تحب أولادك، أن تحب أحفادك، أن تحب إخوانك المؤمنين، وأن تبغض أعداء الدين، هذا مما يرضي الله عز وجل، أما أن تجعل كل لطفك ونعومتك وابتساماتك وطرافة حديثك لمن لا تحل، وكل تجهمك وقسوتك لمن تحل لك فهذا الحب من وسوسة الشياطين.
أيها الإخوة الكرام، الذي يعنينا هو أن أعظم حب ترقى إليه أن تحب الله، لستُ أستقصي، ولكن أضرب الأمثلة، افتح كتاب الله، يقول الله عز وجل:

﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)﴾

[ سورة البقرة: 205]

﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)﴾

[ سورة المائدة: 64]
والإفساد إخراج الشيء عن طبيعته، فالذي يسهم في تلويث الماء لا يحبه الله، والذي يسهم في تلويث الجو لا يحبه الله، والذي يسهم في تلويث الأخلاق لا يحبه الله، وما من كلمة واسعة تدور مع حياتنا في كل جانب ككلمة الفساد، قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)﴾

[ سورة البقرة: 205]

﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)﴾

[ سورة المائدة: 64]
وكذلك لا يحب المسرفين، أناس يموتون من الجوع، وتقيم عقداً في أفخر الفنادق برقم فلكي يزوج مئة شاب لليلة واحدة، والله لا يحب المسرفين، كلوا، واشربوا، ولا تسرفوا، كل، واشرب من دون إسراف، ولا مخيلة، فالمسرف لا يحبه الله، أنت حينما تشعر أنك واحد من مجموع المؤمنين، وأنهم في أمسّ الحاجة إلى المال تأخذ حاجتك المعتدلة منه، وتسهم بالباقي لحل مشكلات المسلمين، عندئذ يحبك الله عز وجل، إنه لا يحب المستكبرين المتعالين، الذي يرى نفسه فوق البشر، ينبغي أن يأكل هو وحده، وأن يستمتع بالحياة وحده، وأن يبني مجده على أنقاض الآخرين، أن يبني غناه على فقرهم، ويقول:

﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾

[سورة القصص]
وهؤلاء لا يعرفون طعم الحياة، هذه نماذج موجودة في المجتمع، وما أكثرها، قال تعالى:

﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)﴾

[ سورة النحل: 23]

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)﴾

[ سورة لقمان: 18]
الذي يزهو بممتلكاته، ببيته، بمركبته، بشكله، بقوامه، بصحته، بشبابه، بثيابه يريد أن يستعلي، قال تعالى:

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾

[ سورة القصص: 83]

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)﴾

[ سورة الأنفال: 58]

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)﴾

[ سورة يوسف: 52]

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)﴾

[ سورة البقرة: 190]
افتحوا القرآن العظيم، ودققوا في كلمة:

﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ ﴾
اجمعوها، أنا ذكرت أمثلة فقط، ولم أستقص، ثم افتح القرآن العظيم ثانية، واقرأ الآيات التي تبدأ بقوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين ﴾

﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
هذا الذي ينبغي أن نفعله أيها الإخوة.
طبعاً الله عز وجل يحبك، لأنه خلقك، وسواك، وخلقك في أحسن تقويم، ومنحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، فهو يحبك، بقي أن تحبه، يحبك ابتداءً، فإذا أحببته أحبك ثانيةً، حب على حب، حبٌّ لأنك إنسان، وحبٌّ لأنك آمنت به، وانضبطت بمنهجه.
أيها الإخوة الكرام، قضية الحب هي الدين كله، الحب هو أصل ديننا، وأصل علاقتنا بربنا، ما بال المسلمين اليوم يستوردونه ؟ ليشيعوا علاقات آثمة بين شباب وشابات ؟!
مرة ثانية، حب يرقى بك إلى أعلى عليين، ويدخلك جنة الله رب العالمين، وحب يهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين، وينتهي به إلى الجحيم، وإلى العذاب الأليم.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سينا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، بعيداً عن كل التحليلات والتفسيرات، وبعيداً عن كل الانتماءات والولاءات، وبعيداً عن كل الظروف والملابسات، وبعيداً عن كل السياسات والمناورات، لأن المساجد لله،

﴿ فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ أَحَدَاً ﴾
بعيداً عن كل ذلك، واقتراباً، أو دخولاً في جوهر الدين، وحقيقة الإسلام التي تستنبط من ماضي المسلمين، ومن واقعهم، حينما يطبق مسلم ما جانباً واحداً من هذا الإسلام العظيم، ألا وهو الجانب الإنساني، ويحمل هموم الناس، كل الناس، على اختلاف انتماءاتهم، ويسعى جاهداً في حدود إمكاناته لتخفيف آلامهم، فهو يعيش لكل الناس، ولا يعيش الناس له، عندئذ يعيش في قلوب جميع الناس على اختلاف انتماءاتهم، فكيف لو طبق الإنسان كل جوانب الدين ؟
كيف أيها الإخوة الكرام لو فهم المسلمون دينهم حق الفهم ؟ فهموه ديناً ربانياً، وسطياً إنسانياً متسامحاً، وطبقوا كل جوانبه، وبنوا مجدهم على الأعمال، لا على الأقوال، وأيقنوا أن قيمة الإنسان عند الله بما يعطي، لا بما يأخذ، معظم الناس يبني مجده على ما أخذ، لا على ما أعطى، وكان المسلمون مثلاً عليا لما حولهم، لو كان المسلمون كذلك لكانوا في حال غير هذا الحال، ولكان موقف أعدائهم غير هذا الموقف، ولدخل الناس في دين الله أفواجا.
أيها الإخوة الكرام، نحن مع الإسلام النظري، مع إسلام الخطب، مع إسلام المؤلفات، مع إسلام الأشرطة، مع إسلام المؤتمرات، مع إسلام المكتبات، لا مع الإسلام العملي، إما أن تعيش للناس، وإما أن يعيش الناس لك، إن عشت للناس عشت في قلوبهم، لو أن كل مسلم عاش للناس، ورأوا منه تواضعاً ورحمة، وعطاءً، والله الذي لا إله إلا هو لدخل معظم غير المسلمين في دين الله أفواجاً، أزمة أخلاق، أزمة تطبيق، أما المظاهر فشيء لا يصدق، المساجد المزخرفة، الكتب، المكتبات، المجلدات، شيء لا يصدق، لكن حقيقة الدين أن تطعم جائعاً، أن تكسو عارياً، أن ترحم مصاباً، أن تسعى لخدمة البشر، أن تحمل هموم البشر.
أيها الإخوة الكرام، ورد في بعض الآثار القدسية: " يا داود ذكر، عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وعلى بغض من أساء إليها ".
كن محسناً

﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
ينبغي أن تخرج من ذاتك إلى خدمة الآخرين، عندئذ يحبك الله والمؤمنون.
أيها الإخوة الكرام، أبواب الخير مفتحة على مصارعها، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، لو طبقت جانباً واحداً من الدين، الجانب الإنساني لأحبك الناس جميعاً، فكيف لو طبقت كل جوانبه ؟ فكيف لو كان انضباطك في أعلى مستوى ؟
أيها الإخوة الكرام، الدنيا ساعة، اجعلوها طاعة، والنفس طماعة عودوها القناعة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ))

[الترمذي]
اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير، إنك على كل شيء قدير، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال، لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، في العراق وفلسطين، يا رب العالمين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحب في الله والحب مع الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: