اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الإيمان و أثره في النفس.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
الإيمان و أثره في النفس. Oooo14
الإيمان و أثره في النفس. User_o10

الإيمان و أثره في النفس. Empty
مُساهمةموضوع: الإيمان و أثره في النفس.   الإيمان و أثره في النفس. Emptyالجمعة 8 مارس 2013 - 17:58

خطبة الجمعة
الخطبة 1137 : خ1 - الثقوب السوداء ، خ 2 - الإيمان و أثره في النفس.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2010-01-22
بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الاولى:

الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وآل بيته الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .

الله تعالى الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن :

أيها الأخوة الكرام ، في الحديث الصحيح :

(( أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ )) .

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

لكن الذي يلفت النظر أن بحوثاً فلكية متطورة جداً وحديثة جداً تتحدث عن الثقب الأسود ، وهو شيء يكاد لا يصدق لكنه واقع ، أما أن يكون في القرآن الكريم آية أو آيتان تتحدثان عن الثقب الأسود ، هذا يؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، ما الآية ؟ قال تعالى :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾

( سورة التكوير: 15-19 )

هذه الآية الكونية التي حدثنا الله عنها بل وأقسم بها ، جواب القسم أن القرآن حق، أي أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام على حق فهو رسول الله حقاً .

العبرة من ذكر الآية التالية :

أيها الأخوة ، ما الفائدة وما العبرة من ذكر هذه الآية ؟ :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾

( سورة التكوير: 15-19 )

جواب القسم :

﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾ .

أيها الأخوة الكرام ، هذه الآيات تحدثنا عن مخلوقات كونية سماها القرآن الكريم بالخنس ، ولكن ما معنى كلمة خنس ؟ أي المخلوقات التي لا نراها ويستحيل أن نراها ، الخنس مخلوقات عملاقة لا نراها ولا نستطيع أن نراها ، لكن لأقرب لكم بالمثل التالي ، قطر أرضنا اثنا عشر ألف كيلو متر ، محيطها أربعون ألفاً ، لو تحولت إلى ثقب أسود لأصبح قطرها سنتمتراً واحداً بالوزن نفسه :

﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * ﴾ .

( سورة الطارق ) .

تصور وزن الأرض بحجم سنتمتر مربع ، ما الذي يقف أمامه ؟ هذا ما يؤكده علماء الفلك ، ولكن جاءت التسمية خاطئة ، وهناك بعض الهيئات العلمية سمتها المكانس الفضائية كما سماها القرآن الكريم :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ، الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ﴾
، الخنس الشيء الذي لا تراه :

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾
.

( سورة الناس ) .

لا تراه ، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ، فالخناس هو الشيء الذي لا يرى .

مبدأ المراكب الفضائية :

أيها الأخوة ، لو أمسكت بكرة وضربتها نحو الأعلى ما الذي يحصل ؟ بعد قليل تعود إلى الأرض ، ما الذي أعادها إلى الأرض ؟ أعادتها قوة الجاذب التي أودعها الله في الأرض ، لكن لو تمكنا أن نطلق هذه الكرة بسرعة تقدر بألف ومئتي كيلو متر بالثانية لتابعت سيرها ، وخرجت من جاذبية الأرض ، هذه السرعة سماها العلماء سرعة الهروب من الأرض ، أي جسم انطلق بسرعة ألف ومئتي كيلو متر بالثانية لا يرجع ، وهذا مبدأ المراكب الفضائية تنطلق بأعلى من هذه السرعة إذاً لا ترجع ، تتجاوز طبقة الهواء وتنطلق إلى الفضاء الخارجي .
العلماء قالوا : سرعة الهروب من القمر مئتا كيلو متر ، القمر أصغر ، الآن تصوروا سرعة الهروب من على سطح الثقب الأسود تزيد عن سرعة الضوء أي فوق الثلاثمئة ألف كيلو متر ، لذلك لا يمكن أن يصدر من هذا الثقب أشعة ، الأشعة طاقة والطاقة ترتد إلى الثقب ، أخطأ العلماء وسموه ثقباً أسوداً ، هو ليس بالثقب ، هو كتلة ذات نوعية متميزة ، ذات كثافة تفوق حدّ الخيال ، تخيل الأرض بحجم سنتمتر مربع .
أيها الأخوة ، لذلك هو ليس بأسود ولكنه لا يرى وليس ثقباً ، هو كتلة لكن كثافتها تفوق حدّ الخيال .

الثقب الأسود هو مرحلة ما قبل موت النجم :

أيها الأخوة ، لماذا أقسم الله بالخنس ؟ إنه يحدثنا عن مخلوقات كونية لا ترى أبداً ولذلك سمى الله الشيطان بالخناس ، ذكرت قبل قليل :

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾ .

( سورة الناس ) .

لذلك الآية :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ*الْجَوَارِي ﴾
، الجواري التي تجري ، هذه الخنس تتحرك بسرعة مذهلة ، تقترب من سرعة الضوء ، مئتان وأربعون ألف كيلو متر بالثانية ،

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ، الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ﴾
، إذاً سرعتها مئتان وأربعون ألف كيلو متر بالثانية ، أما الكنس التي تكنس أي شيء تصادفه ، لا يمكن إلا أن تبتلع كل شيء تصادفه، حتى سميت مقبرة النجوم ، والنجم تماماً كالإنسان يولد ثم يصبح طفلاً ثم شاباً مكتملاً ، ثم رجلاً ، ثم كهلاً ، ثم شيخاً ، ثم يموت ، الثقب الأسود مرحلة ما قبل موت النجم .
كائن له عمر ، شمسنا بيضاء وكانت حمراء وسوف تكون ثقباً أسوداً أو :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ﴾ .

أيها الأخوة الكرام ، هذه النجوم التي انكفأت على ذاتها ، وأصبحت سرعة الانطلاق منها تزيد على سرعة الضوء إذاً هي سوداء أو لا ترى .
أيها الأخوة الكرام ، هذه حقائق أساسية بديهية في الحقول الاختصاصية ، نحن لنا مجرة اسمها درب التبابنة هذه المجرة التقدير الأخير لما فيها من النجوم هو مئة ألف مليون نجم ، أي مئة مليار ، وهذه المجرة بالنسبة إلى بقية المجرات ـ وبقية المجرات تقترب من ثلاثمئة ألف مليون مجرة ـ لا ترى أمام المجرات إطلاقاً ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ، ألا تخشى ناره ؟

علم الله و قدرته تطول الإنسان أينما كان :

أيها الأخوة الكرام ، الكون يحوي مئات بلايين المجرات :

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ .

( سورة الطلاق ) .

اختار الله من أسمائه اسمين ؛ اسم العليم واسم القدير ، أي علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، فكيف تعصيه ؟ مثلاً أنت مواطن أمامك إشارة حمراء ، وهناك شرطي واقف ، وشرطي آخر على دراجة نارية ، ويوجد ضابط في السيارة ، هل يعقل أن تتجاوز الإشارة الحمراء ؟ مستحيل وألف ألف ألف مستحيل ولا سيما بعد قانون السير الجديد هناك آلاف مؤلفة لماذا ؟ لأنه في أعماقك قد ركز أن واضع قانون السير علمه يطولك وقدرته تطولك .
أيها الأخوة الكرام ، مرة ثانية :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ .

( سورة الطلاق ) .

أنت مع إنسان قوي ، علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، لا يمكن أن تعصيه :

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري ، أهل مودتي ، أهل شكري ، أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها )) .

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

الله عز وجل ينقص الأرض من أطرافها و هذه إشارة إلى موت النجوم :

أيها الأخوة الكرام ، حينما ينفذ وقود هذا النجم وحينما يشيخ بقي أن يموت ، حينما يُستهلك وقوده فإنه يشرف على الموت ، يصبح بالمصطلح الغربي المرتجل غير الصحيح ثقباً أسوداً ، الله عز وجل يقول :

﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾

(سورة النجم)

الله عز وجل ذكر أنه ينقص الأرض من أطرافها و هذه إشارة إلى موت النجوم .
أيها الأخوة الكرام ، قدر العلماء وزن الشمس بطريقة عجيبة ، ألفا مليون مليون مليون مليون طن ، هذه الشمس هناك نجوم أكبر منها بعشرين ضعفاً حينما تنهار تتضاءل وتتكاتف وتصبح ثقباً أسوداً ، بعد حين تنفجر فتموت ، فتغدو دخاناً كما بدأ الله الخلق يعيده، كانت الأرض دخاناً وتعود دخاناً وهذا شأن المجرات والنجوم .

من رحمة الله عز وجل بالإنسان أن هذه الثقوب السوداء لها حيز قريب منها :

أيها الأخوة الكرام ، كل نجم يتحرك ، قال تعالى :

﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾

( سورة يس الآية :40)

طبعاً أيها الأخوة الكرام ، الآن يوجد مراصد عملاقة منها مرصد (هابل ) أين موجود ؟ في الفضاء الخارجي ، التقط هذا المرصد صوراً عديدة للغبار الكوني ، وكيف أن الثقوب السوداء أو الخنس تكنس كل الغبار الكوني ، لكن رحمة الله عز وجل أن هذه الثقوب لها حيز قريب منها ، لو أن حيزها أكبر لالتقطت الأرض ، لكن لها سقفاً ليس بعيداً عن مركزها ، لكن كل شيء دخل إلى ما تحت هذا السقف يؤخذ من هذا الثقب الأسود ، وهذا الثقب الأسود يدور حول نفسه بسرعة واحد على عشرات المئات بل الألوف من الثانية ، شيء لا يصدق ، وهي في علم الفلك بديهيات ، وأنا بذلت جهداً كبيراً لأبسطها لكم ، الثقب الأسود لا يرى ، يدور حول نفسه بسرعات مذهلة ، يتم دورة حول نفسه بأجزاء الثانية ، وينطلق بسرعات كبيرة جداً تقترب من سرعة الضوء :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾
، النجوم التي لا ترونها :

﴿ الْجَوَارِي ﴾
، تجري :

﴿ الْكُنَّسِ ﴾
، تكنس كل شيء تراه أمامها .
هذه الثقوب بمثابة المقابر الكونية ، وفي النهاية تموت هذه النجوم :

﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴾

( سورة الرحمن)

أيها الأخوة الكرام ، الذي يلفت النظر أن التسمية القرآنية أدق تسمية ، قبل خمسة وعشرين عاماً عالم ارتجل هذه التسمية قال : ثقب أسود ، ثقب أي فراغ ، هو ليس فراغاً ، هو كتلة ذات كثافة تفوق حدّ الخيال ، وليس أسوداً ، هو لا لون له ، لا يرى إطلاقاً ، قد يكون ملتهباً ، قال : هذه الثقوب بلايين بلايين الأطنان ، القرآن ما سماها ثقباً سماها الخنس الشيء الذي لا يرى .
أيها الأخوة ، طبعاً قد يقول أحدكم كيف تنضغط الأرض إلى حجم سنتمتر مكعب بالوزن نفسه ؟ لأن في الذرة فراغات بينية كبيرة جداً تفوق حدّ الخيال .

الله عز وجل خلقنا لنسعد بقربه في الدنيا والآخرة :

أيها الأخوة الكرام ، هذه المخلوقات ، هذه الثقوب السوداء ، هذه الخنس ، تصدر ترددات صوتية باستمرار أثناء حركتها وانتقالها وكأنها تسبح الله عز وجل ، ومن هنا يقول الله عز وجل :

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ .

( سورة الإسراء : 44) .

أيها الأخوة ، أراد الله أن نعرفه ، خلقنا لنعرفه ، خلقنا لنعبده ، خلقنا لنسعد بقربه في الدنيا والآخرة ، خلقنا ليرحمنا :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾
، جوا بالقسم ،

﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾
، قال : لو قمنا بأخذ حفنة قليلة من هذا الثقب الأسود ، أو من النجوم الخنس بحجم ملعقة شاي ، سيكون وزنها أربعمئة ألف مليون طن ، ما قولك ؟ هذا الإله العظيم ألا ينبغي أن نعرفه ؟ ألا ينبغي أن نسأل لماذا خلقنا ؟ ألا ينبغي أن نسأل من أين وإلى أين ولماذا ؟ ألا ينبغي أن نسأل أين منهجه ؟
العلماء وجدوا أن هناك ثقوباً سوداء أي خنس كتلتها أكبر من بعشرة آلاف مرة من الشمس .

الثقوب السوداء هي أعظم ظاهرة في الفلك :

أيها الأخوة ، بمجرتنا آلاف الثقوب السوداء ، يقول علماء الفلك : إن ظاهرة الثقوب السوداء هي أعظم ظاهرة في الفلك .

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ .

( سورة النمل الآية : 88 )

القرآن الكريم كلام الله لأنه أشار إلى حقائق كشفت بعد ألف وأربعمئة عام :

قال الكفار عما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام :

﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ .

( سورة النمل الآية : 88 ) .

ما الدليل الأقوى على أن هذا القرآن كلام الله ؟ أنه أشار إلى حقائق كشفت بعد ألف وأربعمئة عام ، والتسمية أصح وأدق الخنس أي النجوم التي لا ترى ، الجواري أي التي تجري بسرعة تقترب من سرعة الضوء ، الكنس التي تجذب كل شيء إليها ، من القدرات والمواد والطاقات ، الضوء طاقة ، لماذا سمي أسوداً ؟ لأنه لا يمكن للضوء أن يخرج منه ، الضوء ينجذب إليه فيرتد نحوه .

التفكر في خلق السماوات والأرض أسرع طريق إلى الله وأوسع باب ندخل منه على الله :

أيها الأخوة الكرام ، أسرع طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، التفكر في خلق السماوات والأرض :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ .

( سورة آل عمران : 190-191) .

أيها الأخوة الكرام ، أحاول أن أضع يدي على مشكلة المسلمين ، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر ، ولو عرفوا الآمر ثم عرفوا أمره لتفانوا في طاعته .
أيها الأخوة الكرام ،

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾
. عبادة التفكر أرقى عبادة ، العبادة الأولى التي تعرفك بالله ، وإذا عرفت الله عرفت كل شيء ، "ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء" .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين .

* * *

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .

الإيمان ليس مجرد إعلام المرء بلسانه أنه مؤمن وإنما الإيمان بوجود الله تعالى ووحدانيته :

لذلك ، الإيمان ليس مجرد إعلام المرء بلسانه أنه مؤمن :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا (136) ﴾

(سورة النساء)

إيمانكم لا يكفي ، وليس الإيمان مجرد قيام الإنسان بأعمال وشعائر اعتاد أن يقوم بها المؤمنون ، وليس مجرد معرفةً ذهنية بحقائق الإيمان ، وبكلمة مختصرة ليس الإيمان مجرد عمل لساني ، ولا عمل بدني ، ولا عمل ذهني ، إنما هو عمل نفسي ، يبلغ أغوار النفس ، ويحيط بجوانبها كلها ، إدراكاً ، وإرادة ، ووجدان .
لابدّ من إدراك ذهني تنكشف به حقائق الوجود على ما هي عليه ، وهذا الانكشاف الكامل المطلق لا يتم إلا عن طريق الوحي الإلهي المعصوم ، و لابدّ أن من أن يبلغ هذا الإدراك العقلي حدّ اليقين :

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ .

( سورة التكاثر ) .

لا يزلزله الشك ولا الارتياب ، ولابدّ من أن يصحب هذه المعرفة الجازمة إذعان قلبي ، وانقياد إرادي ، يتمثل بالخضوع والطاعة ، ولابدّ من أن يتبع تلك المعرفة حرارة وجدانية ، مضمون هذا الإيمان وجود الله تعالى ، ووحدانيته ، وكماله ، والإيمان بالنبوة والرسالة ، وبوحدة الدين ، والإيمان بمُثُل عليا إنسانية واقعية ، وقدوات بشرية ممتازة ، استطاعت أن تجعل من مكارم الأخلاق ، وصالح الأعمال ، وفضائل النفوس ، حقائق واقعة وشخوصاً مرئية للناس ، لا مجرد أفكار في بعض الرؤوس ، أو أمان في بعض النفوس ، أو نظريات في الكتب والقراطيس ، كيف يقبل العقل الحُرّ ، أو ترضى الفطرة السليمة ، أن تنتهي الحياة ، وقد طغى فيها من طغى ، وبغى فيها من بغى ، وقتل فيها من قتل ، وقتل فيها من قتل ، وتجبر فيها من تجبر ، ولم يأخذ أحد من هؤلاء عقابه .
عند ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ يرى أن الإيمان باليوم الآخر دليله عقلي ، وعند معظم العلماء دليله إخباري ، لأن العقل لا يقبل أن يكون هناك قوي وضعيف ، والقوي يأكل الضعيف ، وظالم ومظلوم ، وتنتهي الحياة ولا شيء بعدها .
أيها الأخوة الكرام ، هذا الذي أجرم ونجا ؟ وفي المقابل كم استقام من استقام، وأحسن من أحسن ، وضحّى من ضحّى ، وجاهد من جاهد ، وقدّم من قدّم ، ولم ينل جزاء ما قدّم ، ألا يحق للعقل أن يؤمن إيماناً جازماً أنه لابدّ من أن توجد دار أخرى تسوّى فيها الحسابات ، يجزى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ؟ هذه بعض حقائق الإيمان .

آثار الإيمان في نفس الإنسان :

ما هي آثار الإيمان في نفس الإنسان ؟

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ .

( سورة الإسراء ) .

إن الإنسان مخلوق كريم عند الله ، خلقه في أحسن تقويم ، وكرمه أعظم تكريم ، وصوَّره فأحسن صورته ، خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وميزه بالعلم والإرادة ، وجعله خليفته في الأرض ، وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ، فكل ما في الكون له ولخدمته ، أما هو فجعله الله تعالى لذاته ، لذلك يشعر المؤمن بقيمته عند الله عز وجل ، إنه يعتز بانتسابه إلى الله عز وجل ، وارتباطه بكل ما في الوجود ، ويحيا عزيز النفس ، عالي الرأس ، أبياً للضيم ، عصياً على الذل ، بعيداً عن الشعور بالتفاهة ، والضياع ، والصغار ، والفراغ.
لذلك قال بعض العارفين بالله :

دَوَاؤكَ فيكَ وما تَشْعُـرُ و داؤكَ منكَ و ما تبصرُ
وتحسبُ أنكَ جرمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ
***

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإيمان و أثره في النفس.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  ظلم النفس
»  النفس اللوامة
» محاسبة النفس
» حديث مع النفس
» وقفة مع النفس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: