السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أثناء الثورة المصرية أصبت بنوبات الهلع والخوف من الموت, كنت راجعا إلى البيت فأخذت حماما دافئا, ثم جلست على الكرسي؛ فحدثت لي رجفة في قدمي, فحسبت أن روحي ستخرج؛ لأنه كان عندي علم أن الروح تخرج من الرجل, ثم أصابني الخوف والإعياء الشديد والبرد, والخوف من الموت, وانتابتني أفكار سلبية, ووساوس في كل شيء.
بعد حوالي الشهرين ذهبت إلى صديق يكبرني سنا وحكيت له ما حدث معي, ولحسن حظي أنه كان لديه بعض المعلومات عن الأمراض النفسية؛ فساعدني بها, وخفت أعراض الخوف من الموت, والنوبات, ثم مع مرور الوقت والدراسة والامتحانات تناسيت الموضوع بدون علاج.
منذ 4 أشهر كنت جالسا في البيت لوحدي, والأهل كانوا خارجا, ثم في الليل جاءتني وسوسة أني سأموت وهم في الخارج, ثم أصابني الهلع مرة أخرى, والخوف من الموت, وأفكار تشاؤمية, وتفكير في التنفس, وخوف من الإغماء, وآلام في البطن.
مع العلم أنها لا تأتيني عندما أكون مع أصدقائي أو في الخارج, وأشعر باكتئاب شديد عند العودة إلى المنزل, مع العلم أني كنت أحب الجلوس في المنزل, وأحب أن أرجع كما كنت قبل الخوف سعيدا ومرحا ومتفائلا.
آسف على الإطالة.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن الناس يتفاوتون في درجة تحملهم النفسي للأحداث الحياتية, أنت تأثرت وأصابك هذا الخوف أمام الثورة المصرية، وهناك من ازداد حماسه وأصبحتْ شكيمته وعزيمته وتفاؤله أكثر قوة؛ نسبة لقيام هذه الثورة، ومجموعة أخرى من الناس قد نظرت لها بشيء من التوجس وعدم التيقن عمَّا سوف يحدث.
إذن تفاعل الذات النفسية والوجدانية من هذا القبيل, وهو أمر شائع، والناس ليسوا بشريحة واحدة في تكيفهم النفسي, وقبولهم للأحداث, وتفاعلهم معها.
فما حدث لك من تفاعل كان تفاعلاً سلبيًا، قلق المخاوف الذي سيطر عليك، والأحداث تخللتها الكثير من الإصابات، وهناك عدد كبير أيضًا من الشهداء، فتخوفك من الموت هنا له ما يُبرره، بمعنى أن الجو المحيط العام والحدث نفسه حسب مفاهيمك الداخلية جعلك تكون عرضة لهذا التفاعل.
إذن هذا تفاعل ظرفي يدل على أنك قد تكيفت أو تواءمت مع ذاك الظرف بطريقة معينة, تم تحديدها من خلال دفاعاتك النفسية، فالدفاعات النفسية لدى الناس ليست واحدة.
والذي يظهر لي أنه في الأصل لديك شيء من الاستعداد والقابلية لقلق المخاوف والوساوس، والدليل على ذلك أنك بعد أن تجاوزت هذه المرحلة أتتك ما يمكن أن نسميه بنوبة أخرى بدأت قبل أربعة أشهر، والمخاوف كثيرًا ما تكون مسبباتها أمور بسيطة جدًّا، فأنت (مثلاً) كنت جالسًا لوحدك بالمنزل، وهنا بدأ الخوف يسري إلى نفسك، هذا حدث لا يستحق أن يخاف الإنسان حياله، لكن نسبة لحساسيتك وبنائك النفسي واستعدادك الشخصي ظهر لديك هذا الخوف, هذه الحالات غالبًا ما تنتهي لوحدها، فالإنسان ينضج ويتطور نفسيًا.
وحتى تُعجّل لهذا النضوج النفسي وتتخلص من هذه الشوائب النفسية عليك ألا تهتم بهذا الحدث أبدًا، وعلى العكس تمامًا تواصل مع الناس، وكن حريصًا على الأذكار –أذكار الصباح وأذكار المساء، أذكار المناسبات، الأذكار العامة، الأذكار الخاصة– الذكر يُطمئن الإنسان جدًّا، وأنت حين تكون لوحدك، حين تذكر، سوف تتذكر أنك في معية الله، وهذا يكفيك تمامًا.
وأريدك أيضًا أن تُحسن اختيار أصدقائك، كن مع أصحاب الشخصيات القوية والأخلاق الرصينة، والأشخاص الذين لديهم أهداف واضحة في الحياة، فالإنسان يتعلم ويتطبع من النماذج التي تكون معه في حياته.
أنت -الحمد لله- في مرحلة الدراسة، ويجب أن تكون تطلعاتك المستقبلية قوية وواضحة؛ لأن الإنسان الذي يكون له مخطط واضح حول أكاديمياته وتحصيله العلمي والهدف الذي يريد أن يصل إليه؛ هذا يقوّي من المهارة والمناعة الشخصية، وحين تقوى هذه الآليات تختفي تمامًا السلبيات مثل الخوف والتوترات والوساوس.
أنا أيضًا أريد أن أنصحك بتناول دواء بسيط جدًّا ولمدة بسيطة, هنالك دواء متوفر في مصر يعرف تجاريًا باسم (مودابكس) وله مسميات تجارية أخرى, وهي (زولفت) أو (لسترال) واسمه العلمي هو (سيرترالين) وأنت محتاج أن تتناوله بجرعة صغيرة جدًّا لمدة ثلاثة أشهر فقط، ابدأ بنصف حبة –أي خمسة وعشرين مليجرامًا– تناولها ليلاً لمدة أسبوعين، ثم اجعلها حبة كاملة ليلاً لمدة شهرين، ثم اجعلها نصف حبة ليلاً لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوع، ثم توقف عن تناول الدواء.
هذا الدواء مميز في علاج المخاوف والوساوس، وجميع أنواع الرهاب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.