هل يستجاب دعاء شارب الدخان ؟
السؤال:
هل ينطبق حديث الرسول : أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، على التدخين ؟ يعنى هل المدخن يأكل ويشرب الحرام فلا يستجاب دعاؤه ، وتحبط أعماله ، ويكون جسده نبت وغذي بالحرام ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحديث المشار إليه أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (6/310) عن ابن عباس قال تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ) فقام سعد بن أبي وقاص فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً ، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به ) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله فيه " ضعيف جداً " انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4/292).
لكن معنى هذا الحديث ثابت في أحاديث أخر :
روى مسلم في صحيحه (1015) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ ؛ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟! ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ..) يعني طعامه الذي يأكله حرام ، أي حرام لذاته أو لكسبه .
( وَمَشرَبُهُ حَرَامٌ ) يعني شربه الذي يشربه حرام ، إما لذاته أو لكسبه " .
انتهى من " شرح الأربعين النووية " (1/71) .
ولا يظهر أن شرب الدخان داخل في جملة هذا الحديث ، وإنما الذي يظهر أن المراد به أكل أموال الناس بالباطل ، كالسرقة والرشوة وأكل الربا ، ونحو ذلك من وجوه أكل أموال الناس بالباطل .
وأما الذي يخشى على شارب الدخان منه ، فهو أن يحرم إجابة الدعاء بشؤم إصراره على هذه المعصية ؛ فقد قال تعالى: ( إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) سورة المائدة/27 .
قال ابن رجب رحمه الله : " ولهذا كانت هذه الآية يشتدُّ منها خوفُ السَّلف على نفوسهم ، فخافوا أنْ لا يكونوا من المتَّقين الذين يُتقبل منهم .
وسُئل أحمد عن معنى "المتقين" فيها، فقال: يتقي الأشياء ، فلا يقع فيما لا يَحِلُّ له " .
انتهى من " جامع العلوم والحكم " (12/10) وفيه جملة مفيدة من الأحاديث الدالة على تحريم الأكل من الكسب الحرام وعقوبة ذلك .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " قد يمنع الإنسان الإجابة لأسباب عديدة ؛ إما لأنه أصر على معاص ، أو لأنه يستعمل الكسب الحرام ، أو لأنه يدعو بقلب غافل معرض ، أو بسبب ذنوبه وإعماله السيئة ، بإصراره على المعاصي ، بأكله الحرام ، بغفلته عن الله ... إلى غير ذلك، الأسباب كثيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله " .
انتهى من " مجموع الفتاوى" (26/296) بتصرف واختصار.
وقال رحمه الله أيضاً: " قد جاء في بعض الأحاديث أن إهمال هذا الواجب وعدم العناية به - أعني واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - من أسباب رد الدعاء وعدم النصر كما تقدم
ولا شك أن هذه مصيبة عظيمة, من عقوبات ترك هذا الواجب أن يخذل المسلمون وأن يتفرقوا وأن يسلط عليهم أعداؤهم , وأن لا يستجاب دعاؤهم , ولا حول ولا قوة إلا بالله" .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/399) .
والحديث الذي أشار إليه الشيخ رحمه رواه الترمذي (2169) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ) .
وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " (7070) .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب