السؤال
أريد أن أستفر عن معنى هذا الدعاء: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك, ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا, ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا...؟ فأنا أقولها في قنوت الوتر ولا أعرف معناها، وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى هذا الدعاء الجليل واضح، فقول الداعي: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ـ سؤال لله تعالى أن يرزق العبد خشيته والخوف منه، فإن من رزقه الله الخوف منه امتنع عن فعل المعاصي، ومن حرم الخشية والخوف من الله تجاسر على ارتكابها، وقوله: ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ـ طلب منه تعالى أن يعين العبد على طاعته ويتقبلها منه ويثيبه عليها الجنة ـ وقوله: ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ـ فإن العبد لا يخلو عن المصائب فإذا كان عنده يقين بأن الله تعالى هو الذي قضى هذا وقدره وأنه إنما قدره لحكمته البالغة فإنه يرضى ويسلم لحكم الله وتهون عليه مصيبته، وقوله: ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ـ معناه أن تظل هذه الحواس والقوى سليمة لا يصاب الإنسان بآفة فيها ما دام حيا، ومزيدا للفائدة ننقل كلام العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الدعاء المبارك، قال رحمه الله في شرح رياض الصالحين: نقل الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في باب آداب المجلس والجليس عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قلما يقوم من مجلس إلا ويقول: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ـ اقسم بمعنى قدر، والخشية هي الخوف المقرون بالعلم، لقول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ـ وقوله: ما تحول به بيننا وبين معصيتك ـ لأن الإنسان كلما خشي الله عز وجل منعته خشيته من الله أن ينتهك محارم الله، ولهذا قال: ما تحول به بيننا وبين معصيتك ـ ثم قال: ومن طاعتك ـ يعني واقسم لنا من طاعتك ما تبلغنا به جنتك، فإن الجنة طريقها طاعة الله عز وجل، فإذا وفق العبد لخشية الله واجتناب محارمه والقيام بطاعته نجا من النار بخوفه ودخل الجنة بطاعته، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، واليقين هو أعلى درجات الإيمان، لأنه إيمان لا شك معه ولا تردد تتيقن ما غاب عنك كما تشاهد ما حضر بين يديك، فإذا كان عند الإنسان تام بما أخبر الله تعالى به من أمور الغيب فيما يتعلق بالله عز وجل أو بأسمائه أو صفاته أو اليوم الآخر أو غير ذلك وصار ما أخبر الله به من الغيب عنده بمنزلة المشاهد، فهذا هو كمال اليقين، وقوله ما تهون به علينا مصائب الدنيا ـ لأن الدنيا فيها مصائب كثيرة، لكن هذه المصائب إذا كان عند الإنسان يقين أنه يكفر بها من سيئاته ويرفع بها من درجاته إذا صبر واحتسب الأجر من الله هانت عليه المصائب وسهلت عليه المحن مهما عظمت سواء كانت في بدنه أو في أهله أو في ماله ما دام عنده اليقين التام فإنها تهون عليه المصائب، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ـ تسأل الله تعالى أن يمتعك بهذه الحواس السمع والبصر والقوة ما دمت حيا، لأن الإنسان إذا متع بهذه الحواس حصل على خير كثير، وإذا افتقد هذه الحواس فاته خير كثير، لكن لا يلام عليه إذا كان لا يقدر عليها، واجعله الوارث منا ـ يعني اجعل تمتعنا بهذه الأمور السمع والبصر والقوة الوارث منا يعني اجعله يمتد إلى آخر حياتنا حتى يبقى بعدنا ويكون كالوارث لنا وهو كناية عن استمرار هذه القوات إلى الموت. انتهى.
والله أعلم.