شبهة تكاليف الخلق مرتبطة بالقرآن ومع ذلك به من المتشابهات ما به

شبهة تكاليف الخلق مرتبطة بالقرآن ومع ذلك به من المتشابهات ما به

الكاتب: الشيخ// محمد عبد العظيم الزرقاني

الشبهة


يقولون: إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى قيام الساعة، ثم إنا نرا به من المتشابهات بحيث يتمسك به صاحب كل مذهب على مذهبه.

فالجبري متمسك بآيات الجبر كقوله تعالى: (إنا َجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) [الكهف: 57].

والقدري يقول: هذا مذهب الكفار، بدليل أنه تعالى حكى ذلك عنهم في معرض الذم في قوله: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ) [فصلت: 5] وفي موضع آخر: (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) [البقرة: 88].

ومنكر الرؤية متسمك بقوله تعالى: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) [الأنعام: 103].

ومثبت الجهة متمسك بقوله تعالى: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ) [النحل: 50]، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5].

والنافي متمسك بقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء) [الشورى: 11].

ثم يسمى كل واحد الآيات الموافقة لمذهبه محكمة، والآيات المخالفة له متشابهه، وإنما آل في ترجيح بعضها على البعض إلى ترجيحات خفية ووجوه ضعيفة.

فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الذي هو المرجوع إليه في كل الدين إلى يوم القيامة هكذا!!!!


الإجابة


نقول وبالله تعالى التوفيق: ذكر العلماء لوقوع المتشابه فوائد: منها أنه يوجب المشقة في الوصول إلى المراد، وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب.

ومنها أنه لو كان القرآن كله محكماً لما كان مطابقاً إلا لمذهب واحد، وكان بصريحة مبطلاً لكل ما سوى ذلك من المذاهب، وذلك مما ينفر أرباب سائر المذاهب عن قبوله وعن النظر فيه والانتفاع به، فإذا كان مشتملاً على المحكم والمتشابه، طمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما يؤيد مذهبه، وينصر مقالته، فينظر فيه جميع أرباب المذاهب، ويجتهد في التأمل فيه صاحب كل مذهب، وإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة لمتشابهات، وبهذا الطريق يتخلص المبطل من باطلة، ويتصل إلى الحق.


ومنها أن القرآن إذا كان مشتملاً على المتشابه، افتقر إلى العلم بطريق التأويلات، وترجيح بعضها على بعض، وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة، والنحو، والمعاني، والبيان، وأصول الفقه، ولو لم يكن الأمر كذلك لم يحتج إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة، فكان في إيراد المتشابه هذه الفوائد الكثيرة.

ومنها أن القرآن مشتمل على دعوى الخواص والعوام، وطبائع العوام تنفر في أكثر الأمر عن درك الحقائق، فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه، ظن أن هذا عدم ونفي، فوقع التعطيل، فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما توهموه و تخيلوه، ويكون ذلك مخلوطاً بما يدل على لاحق الصريح، فالقسم الأول وهو الذي يخاطبون به في أول الأمر يكون من المتشابهات، والقسم الثاني وهو الذي يكشف لهم في آخر الأمر من المحكمات.

==========
* مناهل العرفان