شبهة محاولات تعديل تقسيمات وترقيم آيات المصحف الشريف
الكاتب: أ/ محمد عبد الباسط
يقول محرر مادة القرآن بدائرة المعارف الإسلامية :"والنص العربي الذي كان يتمتع بأوسع انتشار في الغرب حتى عهد قريب هو الذي أشرف على طبعه غوستاف فلوجل , وهو لا يتبع تقاليد نص شرقي واحد إذ حاول تقديم النص في صورة ميسرة فقام بتغييرات كثيرة في تقسيم الآيات وغير أرقامها فيما لا يزيد قليلا عن نصف السور ,وكانت تقسيمات الآيات وترقيمها تختلف عن الطبعة المصرية إلا في بعض سور _ وذكر عدة سور- ثم قال: وكانت طبعة فلوجل لا تحسب البسملة آية , ولا الحروف التي تفتتح بها السور ولكن تدرجها في الآية الأولى" .
الرد على الشبهة :
(جوستاف فلوجل) مستشرق ألماني كبير , ولد في 18 فبراير عام (1802م)في مدينة باوتس (بإقليم ساكس) بألمانيا , وتوفى عام (1870م) , ألف حوالي 20 مؤلفا في دراسته للحضارة الإسلامية , كان منها أول معجم مفهرس للقرآن في حجم الربع , وصار من جاء بعده عيال عليه في هذا العمل , وقد بلغ درجة عالية من الدقة والتميز في البلاد العربية والإسلامية في هذا المجال, وقد أسماه (نجوم الفرقان في أطراف القرآن ) , وقد أسدى بهذا العمل خدمة للعلماء والباحثين , وقد اعتمده محمد فؤاد عبد الباقي في معجمه بعد مراجعة الأخطاء الموجودة فيه , أما العمل الذي يهمنا في هذه الدراسة هو طبعته للنص العربي للقرآن , كانت الطبعة الأولى عام 1834, والثاني عام 1842, والثالثة عام 1858, ولقد أصبحت هذه الطبعة هي المرجع المعتمد عند المستشرقين منذ وقتها وحتى الآن في ترقيم آيات القرآن الكريم " .
الشبهة في هذا المقام , تنحصر في قيام المستشرق (جوستاف فلوجل ) بتقسيم النص القرآني وترتيب آياته وفق هواه ودون الاهتمام برأي أصحاب الرأي من أصحاب هذا الكتاب الذين يثبتون بأدلتهم الدامغة أن هذا القرآن توقيفي , ولم يكن لأحد يد في ترتيب آياته وترتيبها من بدايته إلى منتهاه , لكنني بعد الإطلاع على ما قام به فلوجل كان لدي بعض الأسباب التي ترفض ترتيبه للقرآن بهذه الشكل وهي :
1- عدم انتماء فلوجل للدين الإسلامي ؛ مما يدفع بالتشكيك في نواياه في صنيعه بهذا العمل الخطير المثير للجدل وخصوصا أن البحث في تاريخ القرآن , وترتيب نزوله الزماني أو في بنيته من الأمور الحساسة التي ركز عليها المستشرقون بشكل مكثف,واعتبروها ثغرة يصلح الدخول للقرآن منها.
2- أنه مما زاد هذا التصور بعدم مصداقية فعلته هذه , هو عدم التعاون مع علماء المسلمين ومشاورتهم قبل صنع هذا العمل المحوري الخطير , والذي يمثل نقل صورة القرآن للغرب , فإن عمل خطير مثل هذا كان لابد من مراجعة من لهم علم به إن صدقت النوايا في إسداء خدمة للقرآن .
3- قيامه بعمل ظن من خلاله أنه يريد التوفيق بين طبعة الأزهر الشريف والطبعة الهندية , وكأنه يريد أن يظهر أن عنده حل عقدة الاختلاف المزعوم , وقد أخطأ في إدعائه هذا بقصد أو بدون قصد , بظنه حصول التباين والاختلاف في الترتيب القرآني من جهة , ومن جهة أخرى إحساسه بعجز العلماء المسلمين في التوصل لترتيب مناسب فسخر نفسه لهذه المهمة الجليلة التي ظننا كمسلمين سنشكره عليها .
4- أنه بفعلته هذه أراد أن يؤكد تصورات سابقة عنده نقلها عمن سبقوه من المستشرقين بجعلها حقيقة لا تقبل الشك بإثباتها في مصحف مطبوع يطالعه الجميع .
5- أن هذا العمل لم يقابل بالتأييد من قبل علماء الإسلام؛ مما حجم الإقبال عليه وتأييده بل رفضه, فهو محاولة سافرة متعمدة لتحريف النص القرآني والطعن فيه.
6- غموض فلوجل في إبراز مصادره التي اعتمد عليها في عمل هذا الترتيب للآيات فعلى أي أساس بنى نظريته هذه ؟ ما هي الأدلة وهل هي صحيحة أم ملفقة ؟! فالنص القرآني في ترتيبه لا يعتمد على النظريات العقلية, ولكن السبيل الوحيد لذلك هو النقل الصحيح عن النبي بما أن الترتيب القرآني توقيفيا.
7- إن عمل فلوجل كان نتيجة عدم اقتناعه بترتيب القرآن بهذا الشكل , وشكه في صحة هذا الترتيب , وهذا الأمر غير مقبول تماما من مستشرق لا يدرك أسرار هذا الترتيب مثلما يدركه أبناء الملة المحمدية .
8- إن من الأسباب الهامة التي أوقعته في الخطأ عدم معرفته بالعربية بشكل متعمق حتى يستطيع من خلال إلمامه بعلوم العربية, وإدراك أسرار هذا الترتيب المعجز, وضرورة وحتمية ترتيبه على هذا النسق المذهل.
9- إن الترتيب القرآني للآيات قد جاء توقيفيا وليس لأحد أن يتدخل فيه , وقد أقر علماء الأمة على الإجماع في ذلك , فكيف لهذا المستشرق أن يتدخل في ترتيب آيات القرآن ولم يتدخل فيه أحد من الصحابة؟ والأحاديث الصحيحة قد تواترت على تفرد النبي بوضع الآيات في مواضعها دون تدخل كائنا من كان في ذلك الترتيب .
==========
المصدر : بحثي لنيل الماجستير بعنوان : شبهات المستشرقين حول لغة القرآن وأسلوبه من خلال دائرة المعارف الإسلامية .